طرحت موافقة وزير الخارجية
السوداني إبراهيم غندور، على عقد مشاورات سياسية، غدا السبت، مع نظيرة
المصري سامح شكري، في القاهرة، تساؤلات كثيرة حول مدى انعكاس تلك المشاورات على الأزمة المتصاعدة بين مصر والسودان.
وكان الغندور أرجأ زيارته إلى القاهرة التي كان مقررا لها الأسبوع الماضي، للمشاركة في لجنة التشاور السياسي بين البلدين، والتي كانت ستتناول سبل التغلب على الخلافات بين البلدين عقب تصاعد وتيرتها الفترة الماضية، ووصلت إلى منع السودان دخول المنتجات الزراعية المصرية.
اقرأ أيضا: السودان يحظر استيراد السلع الزراعية والحيوانية المصرية
وتوقع محللون سياسيون، في تصريحات لـ "
عربي21" أن تتراجع حدة التوتر السياسي والدبلوماسي بين القاهرة والخرطوم خلال الفترة المقبلة، بدعم من وساطات إقليمية ودولية، لكنهم أكدوا في الوقت ذاته صعوبة التوصل إلى حلول سريعة في القضايا العالقة بين البلدين خاصة التاريخية منها مثل "حلايب وشلاتين".
وتصاعدت خلال الأيام الأخيرة الماضية، حدة الأزمة بين مصر والسودان، على خلفية اتهام الرئيس السوداني، عمر
البشير، مصر صراحة بدعم متمردي دارفور بالسلاح، ومساعدتهم في تنفيذ عمليات عسكرية في دارفور، تبعها تهديد غير مباشر من قبل رئيس سلطة الانقلاب العسكري في مصر، عبد الفتاح
السيسي، بملاحقة الإرهابيين داخل السودان، عقب مجزرة المنيا، التي قتل فيها 29 قبطيا، وجرح العشرات، وتبناها تنظيم الدولة.
وقال مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية، ممدوح المنير، إن أسباب الأزمة بين مصر والسودان متعددة وقديمة من أيام الرئيس المخلوع مبارك ولكن الطرفين في غالب الوقت كانا حريصين على إبقائها في مستوى معين لا تتجاوز.
وأكد في تصريحات لـ "
عربي21" أن التصعيد على الأقل في المستقبل المنظور سيظل في مستوى المناكفات السياسية والإعلامية، لافتا إلى أن الطرفين بأوضاعهما الداخلية أضعف من تجاوز مستوى الخلاف إلى أبعد من ذلك.
اقرأ أيضا: العلاقات المصرية السودانية.. منعطف يُعيد أجواء التسعينيات
وعزا المنير احتدام الخلاف بين البلدين إلى ارتباط السيسي بالأجندة الأمريكية الصهيونية قائلا: "للطرفين أسبابهما المباشرة للخلاف لكن ارتباط السيسي بالأجندة الأمريكية الصهيونية يمثل عامل حفاز لتصعيد الخلاف، كذلك النشاط السعودي القطري الاقتصادي في السودان يمثلان أيضا عنصري ضغط غير مباشر على السودان تجاه مصر".
وأضاف: "زادت حدة الخلافات وعمقها في أعقاب الانقلاب العسكري في مصر وفرار عدد كبير من معارضي الانقلاب إلى السودان، وهو ما جعل النظام المصري يتهم الخرطوم بأنها تؤوي معارضي الانقلاب العسكري في مصر والمؤيدة لشرعية الرئيس المعتقل محمد مرسي، ولا تتخذ أية إجراءات ضدهم وفي مقدمتهم رموز وقيادات جماعة الإخوان المسلمين، بينما على الجانب الآخر يتهم السودان مصر بدعم الحركات الانفصالية المسلحة عسكريا وسياسيا وإعلاميا في دارفور وغيرها، وتنتقد الخرطوم القاهرة لفتحها مكاتب رسمية للمعارضة السودانية بها كما تفتح لهم قنوات استخبارية لها".
وتابع: "السودان يتهم كذلك المخابرات المصرية باستخدام الأراضي السودانية لنشاطات معادية لدول مجاورة كإثيوبيا وليبيا، وخاصة استخدام المثلث الحدودي بين مصر والسودان وليبيا لتهريب أسلحة نوعية إلى قوات الجنرال الليبي خليفة حفتر. كما بادرت مصر إلى التدخل في شأن دولة جنوب السودان لصالح الرئيس سلفاكير ميارديت".
وأوضح أن تنازل مصر عن جزيرتيْ تيران وصنافير للسعودية دون تحكيم دفع السودان إلى إعادة التأكيد على مطالبته باسترداد مثلث حلايب وشلاتين وتبعيتهما له، مضيفا أن أزمة
سد النهضة أيضا من الملفات الساخنة بين البلدين خاصة أن القاهرة تعتبر الخرطوم لم تنحز إلى موقفها من السد فضلا عن السدود التي تبنيها السودان هي الأخرى بتمويل سعودي على أراضيها.
اقرأ أيضا: لماذا يتواصل التصعيد بين البشير والسيسي؟
وحول مدى انعكاس زيارة وزير الخارجية السوداني إلى القاهرة غدا على رأب الصدع بين البلدين، قال الباحث المصري في القضايا الإفريقية، بدر حسن شافعي، إن الخلافات بين البلدين كبيرة ولن تنتهي من خلال زيارة.
وأضاف في تصريحات لـ"
عربي21" أن الاستراتيجية المصرية على الأقل على الصعيد الرسمي، لا تسعى للتصعيد مع السودان، بل على العكس تعتمد الاحتواء لأية تصعيدات لفظية أو اتهامات سودانية، لافتا إلى أن اتهامات البشير لمصر بدعم متمردي دارفور بالسلاح، - على سبيل المثال- جاء الرد من السيسي بعدها مباشرة بالتأكيد على عدم تدخل بلاده في شؤون دول الجوار باعتباره مبدأَ ثابتا في سياسة بلاده الخارجية، وهو نفس الأمر الذي أكدته الخارجية المصرية في بيان لها.
وتابع: "استراتيجية التهدئة المصرية ربما تكون لأهداف دبلوماسية تجنبا لتصعيد مقابل، لاسيما وأن القاهرة قد تكون متورطة بالفعل في موضوع دارفور أو العقوبات".
وفيما يتعلق بسيناريوهات مستقبل العلاقة بين مصر والسودان، رجح شافعي، ثلاثة سيناريوهات، وذلك على النحو التالي:
الأول: سيناريو التصعيد: خاصة بالنسبة لملف حلايب باعتباره النقطة الشائكة بين الطرفين نظرًا لتقارب القوات المسلحة لكليهما عندها، فضلا عن ارتباط الموضوع بقضية السيادة. ولكن كما سبق القول، فإن الحديث عن فكرة المواجهة المسلحة ربما يكون أمرا مستبعدا من وجهة النظر المصرية لاعتبارات منها الوجود الفعلي المصري بالمنطقة منذ عام 1995، ناهيك عن إدراك مصر أن النظام السوداني يستخدم هذه الورقة مرارا وتكرارا من أجل الحصول على مزيد من الشرعية الداخلية، كما أنه لا يريد الدخول في مواجهة عسكرية هو في غنى عنها بالنظر إلى توتر علاقاته مع جنوب السودان من ناحية، ونُذر التصعيد الأخيرة في دارفور من ناحية ثانية. ومن ثم فإن سيناريو التصعيد العسكري مستبعد، ويمكن الاستعاضة عنه بتصعيد لفظي سواء على الصعيد الرسمي أو غير الرسمي.
الثاني: سيناريو بقاء الوضع الراهن كما هو من خلال استخدام كل طرف الأدوات التي بيده من أجل الضغط على الطرف الآخر لتحقيق أهدافه الملحَّة ومنها التعاون السوداني مع مصر في قضية سد النهضة مقابل حلحلة مصر لمثلث حلايب. هذا السيناريو وارد بصورة كبيرة.
الثالث: سيناريو التهدئة، وهو يتفق مع السيناريو السابق في الأهداف، لكنه يختلف من حيث الأدوات؛ إذ يفترض أن تقوم مصر بالتهدئة مع السودان من أجل ملف سد النهضة تحديدًا باعتباره الخطر الأكبر على الشعب المصري.