"لا تحتاج إفريقيا اليوم للمساعدات، بل للتجارة والاستثمارات، من أجل تحقيق التطور والنمو"
بول كاجامي رئيس رواندا
ليس جديدا أن نسبة كبيرة من الثروات الإفريقية تنهب، وعمليات النهب هذه تجري منذ عقود، وبأشكال مختلفة، تشمل معظم الميادين، من الثروات الكامنة في الطبيعة، إلى الفساد والتهريب والسمسرة وغير ذلك من الأدوات التي تضمن لك ثروة كبيرة في أقل مساحة زمنية ممكنة، بصرف النظر عن ماهيتها وشرعيتها والأذى الذي تتسبب فيه للبلاد كلها. ليس جديدا ما يجري في هذه القارة في هذا السياق، صحيح أن مستويات النهب والفساد تختلف من بلد لآخر، لكن الصحيح أيضا أن الغالبية العظمى من البلدان، تعيش تحت وطأة وعبء النهب والفساد. والحقيقة الأبشع، أن تكاليف النهب ستعيش لعقود طويلة قادمة. فالأجيال التي لم تولد بعد، ستنال حصتها من هذا الخراب، بمعنى أنها تتحمل أعباء جريمة لم ترتكبها.
الجديد في هذه القضية المتواصلة، أنه رغم تراجع معدلات عمليات النهب والفساد بأشكالها المختلفة في أنحاء العالم بشكل عام، فإنها ترتفع في مناطق عديدة في القارة الإفريقية. فلا عجب في أن ترى أفقر البلدان تقبع في هذه القارة. والأرقام المتداولة صادمة بالفعل، على الرغم من أنها تقريبية، إلا أن الأمر لا يحتاج إلى جهد كبير لمعرفة مدى صحتها. فنظرة عامة على الأحوال الاجتماعية والاقتصادية في البلدان المعنية، تعطي الجواب الأمثل لواحدة من أسوأ الأزمات التي تعيشها إفريقيا. علما أنه لا يوجد نقص في المعلومات الآتية من هذه المنطقة، لاسيما مع وجود عشرات المنظمات الدولية الرصينة في القارة، بما فيها تلك التابعة للأمم المتحدة، وبعض المنظمات الأهلية العالمية ذات السمعة العالية.
يجري تحميل الغرب المسؤولية في استمرار عمليات النهب وارتفاع معدلات الفساد في إفريقيا. وهذا صحيح إلى حد ما لكنه ليس السبب الوحيد والرئيس.
على الصعيد الحكومي حققت البلدان المتقدمة ذات النشاطات الإنمائية في إفريقيا خطوات مهمة في المجال التنموي، لكنها تبقى خطوات محدودة، لأنها تصطدم بالفعل بجدار الفساد الذي يمثل الأساس في عدد كبير من البلدان الإفريقية، أما النزاهة فتظل استثناء هناك، ما يرفع بالضرورة مستوى نجاح عمليات النهب، بصرف النظر عن الجهات الناهبة غربية كانت أو شرقية.
فالأساس لا يتغير هنا، وهو يكمن في الجهات المحلية التي يفترض أنها تعمل للمصلحة الوطنية العامة! ويتحمل الغرب "على وجه الخصوص" مسؤولية كبيرة، ليست في ارتفاع معدلات النهب والفساد، بل لأنه تأخر عن تعديل سياساته الإنمائية في القارة. مع التعديل الذي تم بالفعل منذ عقد من الزمن، بدأت الأمور تتجه في مسارات عالية القيمة والعوائد والجودة.
غير أن هذا لا يكفي، في ظل وجود حكومات لم تصل إلى السلطة إلا بالفساد، ولا يمكن أن تواصل عملها إلا به أيضا. فهل يعقل أن بلدا كالكونغو يمتلك ثروة من الألماس والنحاس والنفط تصل قيمتها إلى 24 تريليون دولار هو من أوائل البلدان الأفقر في العالم؟! لنترك جانبا تقرير الشفافية العالمية الذي أظهر معلومات مرعبة عن الفساد في القارة الإفريقية. وهو من أفضل التقارير في هذا المجال.
وفق "وثائق بنما" الشهيرة التي فضحت الجميع، فإن "رجال أعمال" أفارقة يلجأون لشركات وهمية، من أجل إخفاء الأرباح التي يجنونها من بيع الموارد الطبيعية والرشا والتهريب بأنواعه. وهذه الموارد وغيرها تقدر بعدة عشرات من مليارات الدولارات، وتجري العمليات دون توقف، مع وجود "الحواضن" اللازمة لها.
وفي آخر تقرير لمؤسسة "جلوبال جستس ناو"، أظهرت هذه الأخيرة، أن القارة الإفريقية تلقت ما مجموعه 162 مليار دولار عام 2015 على شكل قروض ومساعدات وتحويلات شخصية، لكن في العام نفسه تم أخذ 203 مليارات دولار من القارة، إما بشكل مباشر عن طريق الشركات متعددة الجنسيات التي تحوّل أرباحها إلى موطنها الأصلي خارج القارة، إضافة إلى استخدامها طرقا ملتوية وغير قانونية للحصول على ملاذات ضريبية، أو بشكل غير مباشر عن طريق التكاليف التي تفرضها بقية دول العالم على القارة للحد من الاحتباس الحراري وتقليل آثاره. في حين بلغت التدفقات المالية غير المشروعة 68 مليار دولار سنويا. طبعا الفارق مروع بين الداخل والخارج من الأموال، مع ضرورة أن كل الأموال الداخلة تصل بصورة شرعية، وغالبية الأموال الخارجة لا تخرج بهذه الصورة.
الجميع يتحمل مسؤولية النهب والفساد في القارة الإفريقية. وللإنصاف لا يمكن أن تتساوى مسؤولية جهات أجنبية في غالب الأحيان تلعب حتى على حكوماتها، مع مسؤولية الجهات الإفريقية "الوطنية" التي يتوجب عليها أن تكون حامية لثروات بلدانها. فالمسؤولية الأولى تقع على أولئك الذين لديهم الاستعداد لتدمير بلادهم اقتصاديا واجتماعيا، من أجل بناء ثروة سرية هنا، وملكية وهمية هناك. وحسابات ليست لتأمين مستقبل أمة، بل لضمان رفاهية بأعلى المستويات لعدد من أفراد أسرة واحدة أو عدة أسر فقط.