منذ اندلاع
الاحتجاجات المطالبة بتوفير فرص عمل في شركات البترول العاملة بصحراء الجنوب
التونسي، تتصاعد التساؤلات بشأن هوية المحتجين في منطقة الكامور بتطاوين (جنوب شرق البلاد)، وإن كانوا يحملون أهدافا سياسية تتخفى خلف
مطالب اجتماعية.
"الكاموريون"، وهي تسمية أُطلقت على هؤلاء المحتجين، أعلنوا منذ بداية احتجاجاتهم، قبل أكثر من شهرين، أن مطالبهم اجتماعية ويتمسكون بـ"السلمية" و"الاستقلالية السياسية"، بعيدا عن الصراعات الحزبية.
لكنّ أكاديميين وخبراء سياسيين ذهبوا، في أحاديث مع "الأناضول"، إلى أن هذه الاحتجاجات الاجتماعية، وإن بدت مستقلة في أولها، إلا أنها لا تخلو حاليا من البعد السّياسي، حيث إنها تضم "يساريين" و"منشقين" عن حركة "النهضة" (إسلامية) وأطرافا مرتبطة بشبكات تهريب، توحدهم الرغبة في إسقاط الائتلاف الحاكم، بقيادة حزب "نداء تونس" (ليبرالي).
ويطالب المحتجون بتشغيل 1500 شخص فورا في شركات البترول بتطاوين، وانتداب 3000 آخرين في شركة البستنة، ورصد 100 مليون دينار (41.5 مليون دولار) لصالح صندوق تنمية المحافظة.
اعتصام سلمي بلا سياسية
وقال محمد الشّعباني، وهو أحد المحتجين: "أوجه رسالة إلى حزبي النهضة ونداء تونس، وغيرهما من التيارات السياسية، وأقول لهم: أنتم لا تمثلوننا".
وتابع الشّعباني: "تظاهرنا بدأ سلميا، وسينتهي سلميا، بعيدا عن كل ما يدور حولنا من تهم بتأطير سياسي لنا وارتكاب عنف أو عمليات سرقة في المدينة".
بدوره، قال أنور الدبابي، وهو محتج آخر: "نحن شباب لا يُمولنا أحد.. نمول أنفسنا بأنفسنا.. هناك حملات تبرع نقوم بها فيما بيننا لندعم اعتصامنا".
ومضى الدبابي قائلا: "تصلنا تبرعات من شباب وعائلات في
تطاوين وحتى من خارج البِلاد.. فأهالينا خارج حدود الوطن، ممن لا علاقة لهم بأي حزب، جمعوا أموالا، كل حسب استطاعته، وأرسلوها إلينا لدعمنا.. كما أن العائلات هنا تمدنا بأطعمة وأغطية ومستلزمات أخرى".
وأضاف: "اعتصامنا سلمي بعيدا عن كل أشكال العنف.. سبق أن أمسكنا بأشخاص، ليس لهم باحتجاجاتنا، وهم يسرقون محلات، ولا نستبعد أن تكون أطرافا حزبية (لم يسمها) وراء عمليات النهب لتشوه اعتصامنا".
طارق الحداد، الناطق باسم تنسيقية المحتجين في تطاوين، نفى من جانبه أن يكون احتجاجهم واعتصامهم "مسيسا".
وقال الحداد: "أنزلنا مقاطع فيديو ونشرنا بيانات تفيد بأننا ضد مشاركة أي سياسي في اعتصامنا وتحركاتنا".
وأردف قائلا: "لم تعد لدينا ثقة في كل الأطياف السياسيّة، فالجميع يستغلون هذه الأحداث ليحققوا مآرب خاصة يوظفونها لخدمة أجنداتهم السياسيّة".
كتلة غير متجانسة
ووفق الباحث التونسي في علم الاجتماع والأستاذ في الجامعة التّونسية، المنصف ونّاس، فإن "متظاهري الكامور ليسوا كتلة متجانسة، فلهم أهداف متباينة، لكنهم متوحدون في الضغط على الحكومة".
وتابع "وناس": "هناك خليط من التحالفات في صلب الحركة الاحتجاجية بالكامور، يوجد فعلا من يبحث عن شغل، ولديه مطالب مشروعة، ويوجد أيضا من يعبر عن خلافات سياسية مع السلطات".
وأضاف: "يوجد جزء آخر من المتظاهرين يعبرون عن مواقف حزبية، ومنهم من يريد إسقاط الحكومة.. وتوجد قواعد نقابية يسارية تعتبر الحكومة يمينية ليبرالية.. فضلا عن أطراف مرتبطة بشبكات تهريب لا ترغب في استقرار البلاد حتى لا يتعرضوا للمراقبة والمحاسبة".
منشقون عن "النهضة"
متفقا مع "وناس" قال المحلل السياسي التونسي، محمد صالح العبيدي، إن "جزءا من احتجاجات تطاوين مسيّسة، خاصة بالنظر إلى القواعد المنفصلة عن حركة النهضة، وهذه القواعد على خلاف مع قيادات الحركة وغاضبة من مواقفها السياسية، فضلا عن العمق التاريخي والسياسي الذّي يميز منطقة الجنوب وعلاقتها بالأحزاب ذات البعد الإسلامي".
بدوره، اعتبر المحلل السياسي، سليمان الطبيب، في حديث مع الأناضول، أن "الشرارة الأولى لتحركات تطاوين كانت اجتماعية، لكن هناك أطرافا سياسية دائما تتصيد الفرص، وبذلك فإننا لا نستبعد أي توظيف سياسي للأحداث".
مطالب "مشروعة"
ولم ينكر الناطق باسم حركة "النهضة"، عماد الخميري، أن "جزءا كبيرا من أهالي تطاوين صوتوا لصالح الحركة في الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة الماضية (2014)، ولكن احتجاجهم اليوم ليس سياسيا".
وتابع الخميري: "هم فقط شباب يطالبون بالتشغيل والاستفادة من الثروات الوطنيّة، ونحن في الحركة نعتبر مطالبهم مشروعة لا علاقة لها بالانتماءات السياسيّة ولا الحزبية، فالموضوع اجتماعي في عمقه وليس مسيّسا".
واعتبر أن "كل من يرى أن هؤلاء قواعد شعبية منفصلة عن حركة النهضة يريد فقط تسجيل نقاط ضد الحركة لا غير".
وكان زياد لخضر، القيادي بائتلاف الجبهة الشعبية اليسارية المعارضة، قال في تصريحات إعلامية سابقة، إنّه "ليست هناك علاقة بين احتجاج تطاوين وأي عمليات حرق لمقرات أمنية، فهناك أطراف لها صلة بالاقتصاد الموازي (غير الشرعي) والتهريب استغلت الأحداث ووظفتها لمصالحهم".
وجرى إحراق مقرين أمنيين في تطاوين، الاثنين الماضي، خلال مواجهات بين محتجين وعناصر من قوات الأمن لقي محتج حتفه خلالها.
فيما أعلن المتحدث باسم جهاز "الحرس الوطني" (الدرك)، خليفة الشيباني، عن "وجود أطراف تدفع نحو الفوضى ولا علاقة لها بالمطالب الاجتماعية والتنموية".
وتابع الشيباني، في تصريحات صحفية سابقة، أن "أشخاصا وشركات (لم يسمها) قامت بتسخير أساطيل من الشاحنات والسيارات لنقل المحتجين من تطاوين إلى منطقة الكامور".
وهو ما فنّده المحتجون، في بيانات بمواقع التواصل الاجتماعي، حيث أعلنوا أنهم يستعملون سيارة خاصة "رباعية الدفع" أو شاحنة كبيرة، يمكنها نقل نحو 100 شخص، للتنقل إلى الكامور.
وقال عدد من سكان المنطقة إن الشاحنات تنقل المعتصمين بدون أي مقابل، فطبيعة سكان الجنوب التونسي تتميز بالتضامن.
ويشكو الشباب المحتجون، بحسب بياناتهم، من أنهم يتعرضون إلى "حملة تشويه تقودها وسائل إعلام تونسية تصفهم بالهمجيين والمخربين".
وكرد على هذه الحملة يجمع شباب في تطاوين هذه الأيام تبرعات مالية لمعتصمي الكامور بصفة علنية وسط الشارع، في شكل حملة تبرع تطوعية قاموا بتصويرها وتوثيقها على مواقع التواصل الاجتماعي لتفنيد أي انتقادات توجه إليهم.
وتعاني تونس وضعا اقتصاديا صعبا، وتسعى الحكومة إلى تحقيق نمو بنسبة 2.5% خلال العام الجاري.
وكانت الأوضاع الاقتصادية المتردية في تونس أحد أسباب الثورة الشعبية، التي أطاحت بالرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي (1987-20111).