نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للصحافي الإسرائيلي، الذي يحمل الجنسية البريطانية، جوناثان سباير، من مركز هرتسيليا الإسرائيلي، يتحدث فيه عن
سوريا، التي يقول إنها خاضعة لسيطرة النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، فيما تقوم الولايات المتحدة بتسليح حلفائها، حيث لم يعد هناك أحد يسيطر على الوضع.
ويقول سباير: "في آخر ليلة قضيتها في دمشق، قرر مسؤولون شبان من وزارة الإعلام، التي دعمت وفدا أشارك فيه، الخروج وتناول الشراب، وكان ذلك في نهاية شهر نيسان/ أبريل، وكانت الحانات والمطاعم مزدحمة في المساء، وكان النسيم عليلا، ودخل صحافي روسي ثمل يرافقه جندي يرتدي الزي العسكري الروسي حانة أمام الفندق في المدينة القديمة، حيث كان زملائي يجلسون، وتم تبادل بعض الكلام، وبعدها نشبت مشادة كلامية".
ويضيف الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، أن "الصحافي الروسي أخرج في لحظة ما من النقاش مسدسا، وصوبه على رأس أحد أعضاء الوفد، ومن ثم دخل الفندق، وهدد موظفا فيه، وحدث هذا كله والجندي المرافق له يراقبه صامتا".
ويعلق سباير قائلا إن "الطريقة التي انتهت فيها المشادة تشير إلى الكثير عمن يسيطر على البلاد في المنطقة الخاضعة للنظام، فعندما اتصل أعضاء الوفد بالأجهزة الأمنية للإبلاغ عن الحادث، فإنهم سئلوا عن هوية المهاجمين، فقيل إنهم روس، فكان الرد أنهم لا يستطيعون عمل شيء".
ويشير الكاتب إلى أن "سوريا بعد ستة أعوام من الحرب نجا فيها النظام، إلا أنه تحول إلى واجهة تفتقد القدرة على توحيد البلاد، حيث أن المصالح المتناقضة أحيانا بين
روسيا وإيران من الأعلى، والمليشيات المحلية المتعددة الموالية للنظام من الأسفل، هي العوامل الحاسمة، لا القرارات التي يتخذها حكام البلاد، وتنعكس هذه العوامل على حسابات (النظام) في الحرب لتقرير استراتيجية للنزاع".
ويدعو سباير للنظر إلى الكيفية التي تطورت فيها الحرب منذ نهاية العام الماضي، حيث بدأت الأمور تسير لصالح النظام، بعد طرد المقاتلين من شرق حلب، بشكل أعطى النظام أملا بهزيمة الثورة، مستدركا بأنه بعد خمسة أشهر، فإن اتجاه الحرب يشير إلى أنها لم تنته بعد، فمحافظة إدلب ومناطق من حماة واللاذقية وشمال محافظة حلب ومساحات واسعة من الجنوب لا تزال في يد المقاتلين.
ويلفت الكاتب إلى أن "المقاتلين حصلوا على دفعة هذا الأسبوع، عندما قام الطيران الأمريكي باستهداف قوات موالية لنظام
الأسد، كانت تتقدم نحو قاعدة عسكرية تستخدمها القوات الأمريكية والبريطانية الخاصة، ففي حال عبرت الولايات المتحدة وشركاؤها عن استعداد لاستخدام القوة، والدفاع عن الجماعات الحليفة لها، فإنه من الصعب معرفة كيف سيقوم النظام باستعادة السيطرة على هذه المناطق".
ويبين سباير أنه في الشرق من البلاد، تقوم قوات حماية الشعب الكردية، التي تدعمها الولايات المتحدة، بالسيطرة على مناطق واسعة، ويتوقع أن تبدأ تحت مظلة "قوات سوريا الديمقراطية" بالتقدم نحو الرقة، التي تعد آخر معاقل
تنظيم الدولة.
ويكشف الكاتب عن أن الشائعات التي تشير إلى القضاء على الثورة كان مبالغا فيها، خاصة أن بعض مكونات المعارضة لديها الحماسة والقوة، ويتساءل عما إذا كانت لدى النظام الاستراتيجية لتوحيد البلاد، أم أن التفكك السوري أصبح واقعا.
ويقول سباير إنه حاول في الأيام العشرة التي قضاها في سوريا، ومن خلال لقاءات مع مسؤولين بارزين، ومن صف الوسط في النظام السوري، البحث عن جواب، وما وجده هو ثغرة بين ما يريد النظام تحقيقه، وبين ما يملكه من الناحية العملية.
وتورد المجلة أن سباير قابل وزير المصالحة علي حيدر، الذي يعد مهما في جهود الحكومة لتوسيع المناطق التي تسيطر عليها، حيث تقوم المصالحة على منح المقاتلين ممرا آمنا إلى إدلب أو جرابلوس، مقابل التخلي عن المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، ويحاصرها النظام، لافتة إلى أن المقاتلين قد يبقون في هذه المناطق طالما وافقوا على سيطرة النظام عليها.
ويفيد الكاتب بأن آخر عملية مصالحة وقعها النظام كانت في الزبداني ومضايا غرب دمشق، حيث خرج المقاتلون إلى إدلب، ويقول حيدر إن وزارته قد تقود جهودا لحل سياسي شامل للنزاع، ويضيف أن أكثر من 100 بلدة وقرية حصلت فيها المصالحة، مشيرا إلى أن 3 ملايين سوري شملتهم عمليات المصالحة، أي 40% من السوريين الذين تأثروا بالحرب، حيث تقوم استراتيجية النظام على استخدام مصالحة تدريجية تنتهي بتقليص وجود المقاتلين.
وينوه سباير إلى أن "ما فشل حيدر بذكره هو أن المصالحات الأخيرة تم تحقيقها من خلال وساطة قطرية، التي تعد من الداعمين الأقوياء للمعارضة، وأن المصالحات التي تمت عملت على رسم الحدود بين مناطق النظام وجيوب المقاتلين أكثر من زيادة نفوذ النظام".
ويعلق الكاتب قائلا إن "كلمة مصالحة مغلوطة، فالنظام مهتم باستسلام المعارضة أكثر من التقارب معها، وإن أخذنا بعين الاعتبار مستوى القوة والتقدم البطيء، فإن هناك على ما يبدو ثغرة بين الهدف والوسيلة".
وتذكر المجلة أنه عندما سأل سباير حيدر عن استراتيجية النظام لتحقيق النصر وتوحيد البلاد، فإنه رد قائلا إن الطريق للوصول إلى هذه النتيجة تكون عبر توقف تدخل القوى الأجنبية، وأضاف: "ندعو القوى الأجنبية كلها لوقف الدعم للإرهابيين".
ويعلق سباير قائلا: "لو لم تتوقف القوى الأجنبية عن دعم المعارضة، التي يصفها النظام بالإرهابية، فلا جواب عند حيدر على ما يبدو".
ويقول الكاتب: "لا يوجد لدى وزير الإعلام محمد ترجمان، الذي يقدم الرواية التي يرغب داعمو النظام بسماعها، إلا القول: (هناك خطة لتقسيم سوريا إلى مناطق مغلقة؛ من أجل إضعافنا، وخدمة للكيان الصهيوني)".
ويعلق سباير قائلا: "إن كانت هذه هي الخطة، فهي في مراحل متقدمة من التنفيذ، فسوريا اليوم مقسمة إلى أكثر من سبعة جيوب: المنطقة التي يسيطر عليها النظام، وثلاث مناطق تحت سيطرة المعارضة، ومنطقتان تحت سيطرة الأكراد، ومنطقة تحت سيطرة تنظيم الدولة، وما هي استراتيجية الحكومة لوقف هذا التفكك؟".
ويرد ترجمان قائلا: "نحن واثقون أن هذا الوضع مؤقت"، ويضيف: "السبب الرئيسي وراء هذا الإيمان هو أن السوريين بدأوا يفهمون المؤامرة ضدهم".
ويقول الكاتب: "بعبارات أخرى، فلا توجد استراتيجية، لكن توجد نظريات المؤامرة، التي لا يمكن لقادة البعث الذين يحترمون أنفسهم العيش دونها، وفي الحقيقة لا يوجد أي دليل على وجود خطة لتقسيم سوريا، ولا تدعم أي قوة كبرى تفكك سوريا، فالانقسام في سوريا نابع من عدم قدرة أي طرف في النزاع على تحقيق النصر على بقية الأطراف".
ويكشف سباير عن أنه عثر على أجوبة صريحة في حوارات خاصة مع مسؤولين، طلبوا عدم ذكر أسمائهم، مشيرا إلى أن جنرالا لا يزال في الخدمة، وكان يدخن سيجاره في مكتبه، قال: "أي قرار لإنهاء الحرب لن يتم دون سوريا الرسمية"، أي النظام.
ويعلق الكاتب قائلا إن "الجواب الحذر هو اعتراف بعدم القدرة على هزيمة النظام، لكنه ليس في طريقه لتحقيق النصر، وفي سؤال لأحد مسؤولي وزارة الإعلام عن مستقبل سوريا، في ضوء صعود قوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية، فإنه أجاب: (لا نعرف)، وسبب غياب العلم هو أن القرارات التي يتخذها رئيس النظام السوري بشار الأسد أو المحيطون به لا أثر حاسما لها".
ويقول سباير: "مثلما كشفت معركة حلب الشرقية، فإن النظام لا يتقدم إلا في حال قدمت روسيا الدعم الجوي له، ومن هنا فإن السؤال هو عن نوايا الروس، وربما حققت موسكو معظم ما أرادت تحقيقه من تدخلها في سوريا: أمنت قواعدها العسكرية في اللاذقية، وحمت النظام وحلفاءها، وأظهرت القوة العسكرية وكفاءة قواتها، وربطت الحل الدبلوماسي، أي حل، بها، وهذه إنجازات مهمة، لكن بقاء القوات الروسية في سوريا سيورطها أكثر، فهي ليست بحاجة لمسؤوليات جديدة تتعلق بالإعمار، بناء على مقولة (كسرتها فأصلحها)، وروسيا لا تستطيع تحمل المسؤولية نظرا لوضعها الاقتصادي".
ويذهب الكاتب إلى أنه "بناء عليه، فإن روسيا تبدو معنية، كما برز من محادثات أستانة في كازاخستان، بتجميد النزاع في المناطق التي يسيطر عليها المقاتلون، بشكل يتركهم يسيطرون على مناطق واسعة من البلاد، وفي ضوء المعركة التي ستجري في الرقة، فإن هناك إمكانية في حال التزمت أمريكا بدعم الأكراد، لولادة كيان كردي شرق الفرات".
ويقول سباير: "يتحول النظام والمعارضة وبشكل عملي لوكلاء لا رغبة شديدة لدى رعاتهم بالالتزام أكثر بتحقيق النصر لأي منهما، فيجب على الدبلوماسية في سوريا التركيز على الترتيبات والاعتراف بتفكك البلاد".
ويضيف الكاتب: "يجب أن تقوم هذه الترتيبات على الوضع القائم، الذي سيستمر بعد تدمير تنظيم الدولة في شرق سوريا، أي تقسيم البلاد بين النظام في الغرب والمقاتلين السنة في شمال غرب سوريا، وجيب تديره تركيا في الشمال، وجيب تسيطر عليه القوات الكردية في شمال شرق البلاد، وبعض الترتيبات بين قوات سوريا الديمقراطية والمقاتلين العرب في الشرق".
ويخلص سباير إلى القول إنه "مع توضح هذه الأمور، فإن الروس سيظلون يمارسون ما يريدونه ليلا ونهارا في دمشق، تاركين الفجوة بين بلاغة الكلام والواقع الذي يواجه النظام، وسيواصل المقاتلون والأكراد الزحف بناء على نغمة رعاتهم، وفي الوقت ذاته، فإن الحقيقة التي لا يريد أحد الاعتراف بها ستبقى، وهي أن البلد الذي كان اسمه سوريا لم يعد موجودا".