نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا لكبير الباحثين في معهد دراسات الشرق الأوسط أليكس فاتانكا، حول الانتخابات الرئاسية في
إيران، التي أصبحت الآن سباقا بين مرشحين اثنين، بعد أن انسحب عمدة طهران محمد باقر
قاليباف في آخر لحظة.
ويقول الكاتب إن "السباق سيكون بين الرئيس الحالي حسن
روحاني والمرشح إبراهيم
رئيسي، البالغ من العمر 56 عاما، والمقرب من الزعيم الروحي آية الله علي خامنئي، الذي كان في قلب اتخاذ قرار الإعدامات بالجملة للمعارضين في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي".
ويشير فاتانكا في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "قاليباف لم ينسحب من السباق الرئاسي فحسب، بل إنه تبنى رئيسي، ويعمل الآن في حملته، والأمر غير المعروف هو مدى إفادة رئيسي من شعبوية قاليباف، (وكان يعتقد على نطاق واسع أنه ينوي استنساخ حملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في السباق الرئاسي)، وخرج رئيسي من أعتم ركن في النظام، وأصبح المرشح التوافقي لمتشددي المؤسسة الرسمية، بالرغم من عدم وجود شعبية له، وأحد الاحتمالات هو أن تتحول أصوات قاليباف، التي تقدر بـ15%، بناء على حملاته السابقة، إلى روحاني".
ويستدرك الكاتب بأن "حملة روحاني لم تتعامل مع خروج قاليباف المفاجئ على أنه فرصة لكسب المزيد من الأصوات، بل كان بالنسبة لها مؤشرا على أن الأصوات لن تكون هي العامل المحدد لنتائج الانتخابات، ويبدو أن مراكز القوى المسيطرة غير المنتخبة -مكتب الزعيم الروحي والجنرالات من حرس الثورة والأمن والمخابرات- تجمعت خلف رئيسي، ومصممة على صناعة نصر له".
ويجد فاتانكا أن "هذا الاصطفاف يشكل تحديا كبيرا لروحاني، إلا أنه يمكنه الاعتماد على الغضب الشعبي العميق ضد دوائر النظام الفاسد، التي يمثلها كل من رئيسي وقاليباف، ويعتمد مصير روحاني على مقدرته على تحويل ذلك الغضب المتفشي إلى أمل حقيقي في رئاسته، ويعتمد أيضا على ما إذا كان النظام قد قرر من يجب أن يكون الفائز في الانتخابات".
ويلفت الكاتب إلى أن "الحملة الانتخابية الرئاسية تحولت في الأسابيع الأخيرة إلى تراشق اتهامات، حيث اتهم المتشددون حكومة الرئيس بالنخبوية الاقتصادية، وسوء الإدارة، والضعف أمام الضغوط الغربية، والتسامح مع الفساد، وردا على ذلك هاجم روحاني جنرالات الحرس الثوري وفرع القضاء، وعناصر أخرى من أجهزة المخابرات".
ويبين فاتانكا أن "روحاني بدأ بالتساؤل صراحة عن السلطات التي تتمتع بها مؤسسات غير منتخبة، ومع ذلك فإنها تتمتع بسلطات واسعة في السياسة الداخلية والخارجية، وأصبحت رسالته رسالة بسيطة: إنه يريد أن يحدث تغييرات جادة في أسلوب الحكم في إيران، لكنهم لا يسمحون له بذلك، ولا أحد في إيران يعرف من (هم) الذين لا يسمحون له بذلك، وقال روحاني في هجوم على رئيسي وقاليباف ومؤيديهم: (إن الشعب الإيراني سيرفض أولئك الذين لم يعرفوا على مدى 38 عاما سوى بكونهم جلادين وسجانين)".
ويرى الكاتب أن "قرار روحاني أن يلجأ إلى هذا الأسلوب في الهجوم كان ينطوي على مخاطر، حيث تسبب برد فعل قوي من الزعيم الروحي خامنئي، لكنه مفهوم، وإن أراد الرئيس الإيراني أن يكسب الانتخابات فإن عليه أن يثير الحماسة لدى العدد الكبير من الناس، الذين يرغبون في رؤية إصلاحات ليبرالية لاقتصاد البلد وسياسته".
وينوه فاتانكا إلى أن "لدى المحافظين المتشددين سجل حضورا جيدا أيام الانتخابات، أما المصوتون الإصلاحيون فيعتمد حضورهم على المرشحين، ويعاني روحاني من هذه الناحية، حيث لم يصنف نفسه على أنه إصلاحي، ولم يصنفه أي من الإصلاحيين كذلك، وكان أستاذه آية الله أكبر هاشمي رفسنجاني خسر الانتخابات عام 2005، لصالح مرشح اسمه محمود أحمدي نجاد؛ لأن معظم الإصلاحيين لم يذهبوا للتصويت، ويحاول روحاني أن يتجنب هذا المصير".
ويفيد الكاتب أنه "لذلك، اختار روحاني أن يترشح نائبه إسحاق جاهنغيري للرئاسة، حيث أعلن أنه يحمل راية الإصلاح، ولم يقصد أبدا أن يكون بديلا عن روحاني، لكن ليكون المهاجم نيابة عن الرئيس، فهاجم رئيسي وقاليباف في المناظرات الرئاسية الثلاث، وعندما انسحب قاليباف قام جاهنغيري بالانسحاب، بعد أن أظهر صورة قاليباف ورئيسي بأنهما عملاء لدولة داخل الدولة تعيش في الظل، ولا يحاسبها أحد".
ويقول فاتانكا: "يبدو أن المصوتين الإصلاحيين أكثر تحمسا مما كانوا عليه قبل عدة أسابيع، وقام مؤيدو روحاني بعدة تجمعات صاخبة، وكانت تغطية الإعلام الإصلاحي تحتوي على الحماس السياسي الذي شاهدناه عام 2009، ويبقى أن نرى إن كان ذلك كله سيترجم على أرض الواقع بمشاركة المزيد من الناخبين، لكن يبقى الخطر هو أن يكون هناك حراك مشابه على الجانب الآخر".
ويذهب الكاتب إلى أن "محاولة ظهور كل من رئيسي وقاليباف على أنهما رجال تغيير لا يؤيده الواقع، فكلاهما انضم للنظام قبيل العشرين من العمر، ولم يكونا سوى جنود للنظام، وعلى عكس روحاني، فإن المناصب التي تسلماها لم تحظ بالدعم الشعبي، وإنما بالدعم السياسي الذي يحصلان عليه من المؤسسات غير المنتخبة التي يمثلانها، ولطالما قسم مكتب الزعيم الروحي والحرس الثوري الناس إلى قسمين (منا) و(ليس منا)، وهذا ما يساعدهم على السيطرة على الحكومة والسلطة بشكل عام في إيران".
ويخلص فاتانكا إلى القول إن "الحدث الذي حصل في 19 كانون الثاني/ يناير، عندما انهارت بناية بلاسكو، المؤلفة من 17 طابقا في طهران، يعكس فساد منافسي روحاني، فالمسؤول عن البناية منذ 1979 هو مؤسسة (بنياد مستضعفان)، وهي مؤسسة أوجدت أصلا بعد الثورة لتقوم بتوزيع أعدل للثروة، بما في ذلك ثروة نخبة ما قبل الثورة، التي صادرتها الثورة، ثم تحول المشروع الملياري إلى صندوق لأموال الترضية".