كشفت دراسة حديثة عن تقنية جديدة تُعرف باسم "الرنين المغناطيسي الوظيفي لرصد نشاط المخ وقت حدوثه".
وبحسب موقع "BBC Future"، فإن هذه التقنية ستمكننا من الحصول على صور للنشاط الذي يجري داخل المخ خلال ممارستنا حيلا واستراتيجيات ذهنية، وهو ما سيتيح لنا الفرصة لتعلم كيفية التحكم -وبوعي- في مشاعرنا وأحاسيسنا والرغبات التي تجتاحنا، كما لو كنا نتحكم في مستوى الصوت في أي نظام صوتي مجسم.
وضرب الموقع مثالا، بقوله: "قد تلجأ إلى تركيز اهتمامك على الشهيق والزفير، إذا ما شعرت بضغوط، وذلك بهدف تهدئة أعصابك. كما قد تسعى إلى الاستغراق في التأمل لمواجهة آلام الأسنان المبرحة.
أما في حالة شعورك بالاكتئاب، فقد تحاول رفع روحك المعنوية، وبعث البهجة في قلبك، عبر تخيل نفسك في المكان الذي تشعر فيه بالسعادة أكثر من غيره. ويدرك من جربوا أساليب مشابهة لذلك أنها غالبا ما تؤتي ثمارها، ولكن بدرجات نجاح متفاوتة".
ومن خلال ممارسة هذه التقنية والتدرّب عليها، سيتسنى لك تعلم كيفية تعزيز قدرتك على التحكم في ذهنك وقدراتك
العقلية بشكل مماثل لما يفعله لاعبو رفع الأثقال من تركيز في تدريباتهم على مجموعات بعينها من العضلات لتقوية قدراتها. كما يزيد ذلك من احتمال أن نشهد مستقبلا نشاطا ينطوي على إمكانيات جذابة ومحيرة في الوقت نفسه فيما يتعلق بالقدرة على تطوير قدراتنا العقلية إلى آفاق أبعد كثيرا من تلك المتاحة لنا في الوقت الراهن.
وقال الموقع إنه "كان بوسع أفراد عينة دراسة ما تقليل حدة الآلام التي يشعرون بها، عبر التركيز على التحكم في النيران الافتراضية التي كانت تظهر أمامهم على الشاشة. وقد جاء البرهان الأول على أن تقنية "الرنين المغناطيسي الوظيفي لرصد نشاط المخ وقت حدوثه"، يمكن أن تشكل وسيلة فعالة لتعزيز القدرات الذهنية للبشر، من خلال دراسة أجريت عام 2005، وعَلّمَ فيها الباحثون أفراد العينة كيفية السيطرة على آلامهم والتحكم فيها".
وفي إطار هذه التجربة، استلقى ثمانية أشخاص خضعوا للفحص تحت ماسح ضوئي، بينما كانوا يتعرضون لمؤثرات تُشعرهم بحرارة موجعة على جلودهم. وعرض الباحثون أمام أفراد العينة لقطات لنيران افتراضية ترمز إلى النشاط الجاري في منطقة في الدماغ، تضطلع بدور في عملية الإحساس بالألم، وتحمل اسم "القشرة الحزامية الأمامية".
وبحسب الموقع، "وعبر إرشاد الذين يخضعون للتجربة إلى اتباع استراتيجيات وأساليب معرفية متنوعة، مثل "الشعور بالاقتراب من المنبه المثير للألم أو الابتعاد عنه"، و"محاولة تصور فعالية هذا المؤثر على أنها قوية تارة أو ضعيفة تارة أخرى"، سرعان ما تعلم أفراد العينة كيفية التحكم في حجم النيران التي يرونها على الشاشة، وهو ما قاد بالتبعية -وبشكل مباشر- إلى تغيير مستوى النشاط الكهربائي في المنطقة -التي تتعامل مع الآلام- في المخ".
وقال إنه "من المهم الإشارة إلى أن زيادة حدة هذه الإشارات العصبية أو تراجعها، ارتبط بمستوى شعور المبحوث بالألم، الذي رُصد عبر استبيان ومقياس مؤلف من 10 درجات. ومن المذهل أن تعلم المبحوثين كيفية التحكم بسهولة في النيران الافتراضية التي يرونها أمامهم، ومن ثم تقليل الآلام التي يعانون منها بنسبة تفوق 50 في المئة، لم يتطلب سوى جلسة واحدة لم تتجاوز مدتها 13 دقيقة".
ومنذ ذلك الحين، شهدت الأبحاث التي يجري في إطارها استخدام هذه التقنية طفرة هائلة. وبدا أن ثمة استخدامات علاجية وتجريبية لذلك الأسلوب تظهر للعيان كل شهر تقريبا. كما تنوعت الطرق التي يجري من خلالها التعبير عن النشاط المخي وتوضيحه للمبحوثين، لتشمل التعبير عنه في صورة أصوات، أو في شكل "مقياس رقمي للحرارة" يُرى من خلال ما يُعرف بـ"نظارات الواقع الافتراضي".
وخلال العام الجاري، نُشرت دراسة في دورية "أبتيت" أظهرت أن التدريب على استخدام تلك التقنية قد يسهم في محاربة السمنة. ففي إطار تدريب استمر أربعة أيام، حسّن أفراد العينة -وكانوا من الرجال الذين يعانون من زيادة الوزن- قدرتهم على التحكم في أنفسهم، وهو ما قاد لاختيار أطعمة مفيدة لصحتهم بشكل أكبر، وذلك عبر تعلم كيفية زيادة التفاعلات الجارية بين مناطق في المخ، بعضها مسؤول عن أداء أنشطة بعينها، بينما يتعلق البعض الآخر بالشعور بالرضا عن النفس بفعل اتخاذ قرارات سليمة.
وقد أظهرت دراسة أخرى، نُشرت خلال العام الجاري أيضا، أن بوسع المراهقين الذين يعانون من اضطراب يُعرف بـ"نقص الانتباه مع فرط النشاط"، تقليل الأعراض التي تصيبهم جراء ذلك، وتحسين قدرتهم على الانتباه بشكل مستمر، إذا اكتسبوا القدرة على التحكم في جزء من منطقة في المخ تُعرف باسم "القشرة الأمام الجبهية"، وهو جزء يضعف أثره ونشاطه، بفعل إصابتهم بهذه الحالة النفسية.
وقد أثبتت اختبارات لاحقة أُجريت بعد 11 شهرا من التجربة أن هؤلاء المراهقين لا يزالون يتمتعون بالمقدرة التي اكتسبوها خلال الدراسة، وهو ما يُظهر أن التدريبات التي خضعوا لها أحدثت تغييرات في المخ ذات تأثيرات يمكنها البقاء على المدى البعيد.
وبحسب "بي بي سي"، فقد أظهرت دراسة أُجريت العام الماضي أن القدرات الإدراكية والمعرفية لدى كبار السن تحسنت، بعد تلقيهم تدريبات على استخدام تقنية "الرنين المغناطيسي الوظيفي لرصد نشاط المخ وقت حدوثه".
ولا شك في أنه يمكن للأشخاص الأصغر سنا تحسين عمل المخ لديهم عبر السير على الدرب نفسه. وفي واقع الأمر، أظهرت دراسة أُجريت عام 2015 على أشخاص بالغين أصحاء، أن التدريبات التي تستخدم تقنيات يرى المبحوثون عبرها النشاط الجاري في أدمغتهم، في صورة لقطات ترمز إلى هذا النشاط، قد تؤدي إلى تحسين قدرتهم على التركيز وتقلص فترات تشتت انتباههم.
كما تحدث الموقع عن أن دراسات أُجريت في الآونة الأخيرة كشفت أنه يمكن الاستفادة من تلك التدريبات في معالجة اضطرابات ما بعد الصدمة لدى المحاربين القدماء، وكذلك في تحسين حالات المصابين بالاكتئاب ومن يعانون من مشاعر القلق، بل إنها مفيدة كذلك لمدمني تدخين السجائر. كما أظهرت دراسة أجراها العالم جيمس سولزر من جامعة تكساس في أوستن، وعدد آخر من الباحثين، أنه يمكن تعليم أفراد عينة البحث في كيفية تنظيم مستويات إفراز مادة "الدوبامين" الكيماوية في أدمغتهم.
وتندرج هذه المادة ضمن ما يُعرف بـ"مجموعات النواقل العصبية"، وتتفاعل في الدماغ لتؤثر على كثير من السلوكيات والأحاسيس. وتفيد دراسة مثل تلك التي أجراها سولزر ورفاقه في تدريب المصابين بداء "باركنسون" أو الشلل الرعاش على التحكم في مستويات إفراز "الدوبامين"، وهو ما يؤثر بشكل إيجابي على حالاتهم.
وتساءل الموقع: "تُرى، ما هي الاستفادة القصوى التي يمكن أن تعود علينا من استخدام تقنية "الرنين المغناطيسي الوظيفي لرصد نشاط المخ في وقت حدوثه؟".
وقال إنه ورغم ما تشير إليه الدراسات من أنه من الممكن الاستفادة من تلك التقنية بأشكال لا حصر لها، فلا نزال بحاجة إلى التعرف -وبدقة- على مدى فاعليتها على المدى البعيد، وما إذا كانت ستشكل خيارا عمليا أم لا. ونظرا للتكاليف الباهظة للمعدات والتجهيزات اللازمة لاستخدام تقنية "الرنين المغناطيسي الوظيفي لرصد نشاط المخ وقت حدوثه"، يتعين قصر استخدامها في الوقت الراهن على معالجة الحالات شديدة الخطورة، التي لا تتوافر لها طرق علاجية بأسعار معقولة بشكل أكبر. ولكن بمرور الوقت -كما يحدث مع أي تقنية جديدة- ستصبح أجهزة المسح الضوئي الخاصة بتطبيق هذه التقنية أرخص سعرا وأصغر حجما وأكثر توافرا للراغبين في الاستفادة منها.
وبيّن أن "من شأن ذلك فتح الباب أمام عالم يعج بالاحتمالات والفرص الجديدة. ولكي يتسنى لك أخذ فكرة عن تلك الإمكانيات الكامنة وغير المستغلة في الوقت نفسه، بوسعك تصور رياضي ما أو لاعب لكمال أجسام يمارس تدريباته طوال الوقت، دون أن تسنح له الفرصة لرؤية ما يطرأ على جسده من تغيير أو التعرف على الأثقال التي يرفعها".
ففي هذه الحالة، سيكون من شبه المستحيل أن يكون بوسع مثل هذا الرياضي أو اللاعب تحديد أي التدريبات أفضل بالنسبة له، ولأي درجة تحديدا، وأيها لا تفيده بأي شكل من الأشكال. فمن الناحية العملية، يتطلب شحذ أي مهارة أن ترى بعينيك نتائج ما تبذله من جهد، وهو ما يمكن أن يُقال كذلك عن التدريب على الأنشطة الذهنية، بحسب الموقع.