في حوار جمع بين الصراحة والتوقير، دارت حلقة نقاشية منذ أيام، بين الشباب والشيوخ في مدينة (اسطنبول)، كان عنوانه: حوار صريح بين الشباب والشيوخ.. ماذا يأخذ الشباب على الشيوخ والعلماء؟ وماذا يأخذ العلماء على الشباب؟ نظمت اللقاء: هيئة علماء فلسطين بالخارج، جمعت فيه عشرين من الشباب، وعشرين من الدعاة والعلماء، واستمر اللقاء لما يقارب الأربع ساعات، وكان ثريا ومهما، وتركز أهم ما أخذه الشباب على الدعاة والشيوخ كالتالي:
1ـ يأخذ الشباب على الشيوخ أنهم لا يرونهم بين الشباب في أماكن تجمعهم، فهم يريدون الشباب يجلسون بين أيديهم في المساجد، إما لحضور درس، أو مقرأة للقرآن الكريم، في زمن لم تعد هذه الوسيلة العلمية على فضلها تجتذب الشباب، ولا تلبي طموحاتهم العلمية، ولا يطيقون صبرا عليها، بل ربما خجل كثير منهم في الجلوس فيها، ليوصم بين أبناء جيله من الشباب بأنه درويش أو تقليدي، يعيش بطريقة مشيخية أشبه بالكهنوت، الذي يسلم فيه الإنسان نفسه، لينال البركة الكهنوتية، بينما المفروض أن يذهب الشيوخ والدعاة للشباب، فكل صاحب بضاعة ومتجر يجتذب الزبون بما يناسبه، وربما ذهب للزبون في عقر داره.
2ـ ويأخذون كذلك على الشيوخ: أنهم لا يلمون بالطرق الحديثة للتربية، فهم يمارسون الوعظ والنصح، دون أي إلمام بطرق التربية، ولا بقراءة أنماط الشخصية، واختلاف كل شخص عن الآخر، فخطابهم للشباب واحد، دون مراعاة لمن يصلح معه الخطاب العقلاني، ولا من يصلح معه الخطاب العاطفي، وكل تصنيف من هذه التصنيفات يعود لدراسة أنماط وطرق التربية، وعلم أنماط الشخصية، وكلها علوم إنسانية لا يلم بها كثير من الشيوخ.
3ـ ويضاف إلى ما سبق: عدم إلمام المشايخ بعلوم معاصرة أخرى، وسطحيتهم في تناول أمور تتعلق بالعلم، وذلك عند مناقشة قضية خطيرة كالإلحاد مثلا، ونظرية التطور، فنرى طرح المعلومات سطحي جدا، ويُضحك الشباب الذي لديه اطلاع بسيط على الإلحاد، وعند عرض نظريات علمية كنظرية التطور، يقولون كلاما مضحكا، من نحو أن النظرية تنص على أن الإنسان أصله قرد، وإذا تحدثوا عن أمور اقتصادية أو سياسية فنفس الكلام، يكون تناولهم سطحي، ويضر أكثر مما ينفع.
ومآخذ أخرى تكلم فيها الشباب، تدور معظمها حول تقصير الشيوخ والدعاة نحو الشباب، في تناول قضاياهم، وجمود عدد من الشيوخ في علمه، وفي الوسائل التي يستخدمها، ويقف عندها، ويريد لعجلة الحياة أن تقف معه عندها، وينسى أن التقنيات الحديثة، والحياة بكل منجزاتها غيرت من طبيعة وسلوك هذا الجيل، سلبا وإيجابا، وعلى المشايخ دراسة ذلك، وملاحظته، ووضعه في عين الاعتبار. وما ذكره الشباب من مآخذ، يحتاج إلى شرح وتفصيل، من حيث أسباب هذه المآخذ، ولماذا وقع فيها كثير من الشيوخ، وسبل العلاج، وهو ما يحتاج إلى مقالات منفصلة.
لقد أثبت اللقاء، حقيقة مهمة، وهي وجود فجوة بين الشيوخ والشباب، بل بين الشيوخ والناس تزداد يوما بعد يوم، وأن هناك مآخذ عدة يأخذونها على الشيوخ، وصورة ذهنية لدى الشباب عن الشيوخ. ولا شك أن هناك بعض العلماء والدعاة يسلمون من هذه المآخذ، ولا تنطبق عليهم، لكنهم قلة قليلة جدا تعد على أصابع اليد، وهم قلة لا تكفي لإشباع نهم الشباب من التزود من العلم، والامتلاء بالتدين الصحيح، في ظل وجود مغريات كثيرة، وتحديات أكثر تمارس على شبابنا، ليس الهدف من ذكر هذه المآخذ، ذكر سلبيات، بل هي أشبه بجرس يقرع آذان المشايخ، ليعيدوا التفكير في أدواتهم ووسائلهم وعلومهم، ليكونوا أقرب للنجاح في احتواء الشباب، والوصول بهم إلى طريق النجاة والنجاح.
[email protected]