لم ينعم اللاجئون الفلسطينيون في
العراق بطعم الراحة والأمن منذ سقوط النظام العراقي السابق عام 2003، فمع انتشار الفوضى التي أعقبت الغزو الأمريكي، تعرضوا إلى حملة اجتثاث واضطهاد عنصرية ممنهجة، مورست عليهم من جهات عدة، على خلفية انتمائهم المذهبي (سنة).
ويبرز الاعتقال والملاحقة المستمرة كأحد العوامل التي دفعت فلسطينيي العراق إلى الهروب بحياتهم خارج البلاد، حتى تقلص عددهم إلى 3 آلاف فقط، من أصل نحو 35 ألفا كان معظمهم يتخذ من "حي البلديات" في بغداد مأوى له.
اخفاء قسري
وسُجّلت العديد من حالات الاعتقال والاخفاء للفلسطينيين سواء في السجون العراقية أو في سجون الميليشيات الطائفية، وتمكنت جهات حقوقية من توثيق (47) حادثة اعتقال السجون على الأقل، بينهم (5) ما زالوا قيد الإخفاء القسري، وآخرين صدرت بحقهم أحكام عالية، ترواحت بين الإعدام والمؤبد، بموجب اتهامات "ملفقة" حسب متابعين.
وعلى مدار سنوات، تعرض الفلسطينيون المعتقلون في السجون العراقية لتعذيب بشع من جلد وكي وصعق بالكهرباء، وأجبروا على الاعتراف بتهم وجرائم لم يقوموا بارتكابها، جميعها تتعلق بممارستهم "الإرهاب"، تحت مزاعم القيام بالتخطيط وارتكاب أعمال تفجير.
ولم تقتصر معاناة
المعتقلين الفلسطينيين في العراق على تقييد حريتهم وتلفيق اتهامات مفبركة لهم، وحرمانهم من الحق في المحاكمة العادلة، بل قامت السلطات العراقية باحتجازهم في ظروف غير آدمية، حيث تم تعريضهم للتجويع بمنع الطعام والشراب عنهم لفترات طويلة، وحرمانهم من الأدوية والعلاج اللازم، بالإضافة إلى تعرضهم للتعذيب البشع بصورة مستمرة، ومنع ذويهم من زيارتهم، ولم يمكن محاموهم من الالتقاء بهم، أو المرافعة عنهم في المحاكمات.
وفي هذا الصدد لفت المتخصص في شؤون فلسطينيي العراق حسن أبو الوليد إلى أن مسلسل اعتقال الفلسطينيين في العراق قد بدأ في العام 2006 على يد ما يسمى قوات المغاوير، "وهي قوات ذات سمعة سيئة"، دأبت على شن عمليات اعتقال وملاحقة.
وأكد أبو الوليد في حديث لـ"
عربي21"، أن العدد حاليا إلى وصل (47) بين معتقل ومختطف، سواء على يد القوات الحكومية أو المليشيات الطائفية، كان آخرها اعتقال ما يسمى بعصائب أهل الحق لأربعة لاجئين من منازلهم في حي البلديات أمام ذويهم.
تهم ملفقة
وحول حادثة الاعتقال هذه أضاف: "فوجئنا بعد فترة وجيزة من اعتقالهم بظهورهم على قناة شيعية وقد بدت آثار التعذيب واضحة عليهم، حيث أجبروا على الاعتراف بارتكاب جرائم أمام شاشات التلفزة، ومن ثم اختفوا جميعهم بعد ذلك، ولا يعرف عنهم شيء حتى اللحظة".
ولا تخلو مأساة المعتقلين من طرائف قد تحصل، حيث روى أبو الوليد قصة 4 من الأشقاء اعتقلوا من مدينة الموصل أفرج عن اثنين منهم لاحقا، فيما حوكم الآخران بالإعدام بتهمة قتل رجل تبين فيما بعد أنه حي يرزق، ليخفف الحكم بعد ذلك عنهم إلى المؤبد رغم انتفاء أسباب الإدانة".
ولفت أبو الوليد إلى أن تلفيق التهم للمعتقلين الفلسطينين وغيرهم "أمر دارج" في العراق، وسط حالة الفوضى التي تعيشها البلاد، وقال: "من السهل أن يوجه قاض إلى متهم العديد من التهم بعد أن يكون قد اتفق مع محام على إسقاطها تباعا نظير مبلغ من المال يدفع لإسقاط كل تهمة على حدة".
الفلسطيني متهم أول
وأشار إلى أن الفلسطيني إذا كان متواجدا في أي مكان قد يحدث فيه حادث أو تفجير؛ فإنه يكون بمثابة المتهم الأول حتى وإن كان مصابا، وتابع: "حدث هذا بالفعل مع اللاجئ الفلسطيني صالح محمد كايد الذي يسكن حي السلام في بغداد، حيث اعتقل مصابا من موقع أحد الانفجارات القريبة من منزله، بعدما تبين لدى قوات الأمن أنه فلسطيني".
ولفت أيضا إلى حالات الابتزاز التي تتعرض لها العائلات الفلسطينية من قبل عصابات تقدم نفسها على أنها جهات مقربة من الحكومة، وتتحصل من العائلات على مبالغ مالية كبيرة مقابل إجلاء ومعرفة مصير أبنائهم.
وعن دور السفارة الفلسطينية في تحريك هذا الملف وإجلاء مصير المختطفين قال أبو الوليد: "دورها سيء ولا أثر له.. المعتقلون يواجهون مصيرهم بمفردهم، ولا أحد يهتم بهم أو يحرك ساكنا لإطلاق سراحهم أو حتى إجلاء مصيرهم".
وفيما يلي بعض الصور للمعتقلين الفلسطينيين في العراق: