ظهرت انقسامات حادة في موقف القضاة من
قانون الهيئات القضائية الجديد، الذي أقره برلمان الانقلاب في
مصر الأسبوع الماضي، والذي يمنح رئيس الجمهورية حق اختيار رؤساء تلك الهيئات، بعد أن كان يتم اختيار رؤسائها بالأقدمية، دون تدخل من السلطة التنفيذية.
وفي حين تزعم
نادي القضاة المعسكر الرافض القانون، اتخذ المجلس الأعلى للقضاء موقفا مؤيدا للنظام، وأعلن أنه ملتزم بالقانون الجديد بعد تصديق قائد الانقلاب عبدالفتاح
السيسي عليه، مؤكدا أنه سيرشح ثلاثة من أقدم سبعة نواب لرئيس محكمة النقض؛ لتقديمهم للسيسي في أول تموز/ يوليو المقبل، ليختار من بينهم من يتولى رئاسة المجلس الأعلى للقضاء.
وانصاع المجلس الأعلى للنيابة الإدارية للقانون الجديد، وأعلن في اجتماع له، السبت، ترشيح أقدم ثلاثة نواب بالهيئة للسيسي، ليختار منهم رئيسا جديدا لهيئة النيابة الإدارية؛ "إعلاء لمبدأ سيادة القانون، وتقديما لمصلحة الوطن دون سواها"، حسب بيان صادر عنه الأحد.
القضاة مستهدفون
وفي المقابل، أرسل رئيس نادي
قضاة مصر، المستشار محمد عبدالمحسن، رسالة إلى عموم القضاة، نشرتها عدة صحف يوم الأحد، هاجم فيها مجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل في حكومة الانقلاب، وقال إنهما "لم يساندا النادي في القرارات التي اتخذها، وعلى رأسها الدعوة لجمعية عمومية غير عادية للقضاة يوم الجمعة المقبل؛ للإعلان عن رفضهم القانون".
وأكد وجود انقسام حاد بين القضاة "يهدد عقد الجمعية، ويقلل من فرص اتخاذ قرارات حاسمة كتلك التي سبق أن اتخذوها من قبل، كوقف العمل أو تعليقه"، مرجعا ذلك إلى "اختلاف الظروف والأحوال في البلاد عما سبق".
وأعلن أن السيسي تجاهل طلب القضاة عقد لقاء معه، قائلا إن "نادي القضاة، أثناء محاولاته حل الأزمة، تقدم بطلب لمقابلة عبدالفتاح السيسي، إلا أن النادي لم يتلق أي رد من رئاسة الجمهورية، ولو بالاعتذار".
وأضاف عبدالمحسن: "أصبح واضحا من تلك الأزمة أن قضاء مصر مستهدف بلا شك من مؤسسات عديدة بالدولة"، مشددا على أنه "بات واجبا على القضاة توحيد الصفوف، ووأد الفتن، وتصفية النفوس، لتكون إرادتهم هي الغالبة".
ميول سياسية
من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية، مصطفى كامل، إن "موقف كثير من القضاة له علاقة بميولهم ومدى قربهم من النظام الحالي"، مضيفا أن "هناك خلطا بين الدفاع عن استقلال السلطة القضائية، وبين الدفاع عن النظام السياسي كله، حيث تغلب ميول وولاءات عدد من القضاة للنظام على المصلحة العامة".
ورأى كامل في حديثه لـ"عربي21" أن "الحل الوحيد هو تقديم طعن أمام المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية القانون، وعلى أساسه تقرر المحكمة مصير هذا القانون"، مؤكدا أنه "على الرغم من أن هذه الخطوة ستستغرق وقتا طويلا بين جلسات ومناقشات، إلا أن القضاة ليس أمامهم سوى هذا الحل؛ لأن القانون تم إقراره ونشر في الجريدة الرسمية، وأصبح واجبا تطبيقه والالتزام به، حتى لو كان مخالفا للدستور".
القضاة خاضوا المعركة وحدهم
من جانبه، قال المحامي الحقوقي إسلام مصطفى، إن "صدور هذا القانون يعد تدخلا صارخا في شؤون السلطة القضائية ومخالفة صريحة لنصوص الدستور"، مشيرا إلى أن "السيسي وأعضاء البرلمان يعلمون جيدا هذا الأمر، ولكنهم صمموا رغم ذلك على تمرير هذه التعديلات؛ للانتقام من عدد من القضاة في مجلس الدولة".
وأضاف لـ"عربي21" أن "الرئيس الراحل أنور السادات حاول في حقبة السبعينات أن يتدخل في عمل السلطة القضائية؛ من خلال تعيين رؤساء المحاكم، إلا أن نادي القضاة وقتها رفض بشدة، وهاجم السادات بشكل علني، ووقف القضاة وقفة رجل واحد ضد تغول السلطة التنفيذية عليهم، وفي النهاية رضخ السادات لهم، وتم إلغاء القانون".
وأوضح أن "السبب الرئيس لتراجع القضاة أمام النظام ورضوخهم بهذه السهولة، هو أنهم دخلوا هذه المعركة بمفردهم، دون دعم من باقي قوى الشعب، أو تواصل مع كيانات سياسية مختلفة، مثلما كان يحدث في السابق، فضلا عن اختلافهم فيما بينهم على طريقة معارضة مشروع القانون".
ورأى مصطفى أنه "لا يوجد حل أمام القضاة سوى الحل القانوني"، متوقعا أن "لا يكون هذا الحل ناجعا؛ لأن إلغاء القانون يحتاج إلى إرادة سياسية، وهي غير موجودة عند السيسي، بل على العكس، هو سعيد بأن البرلمان أقر القانون بهذه السرعة".