حذر حقوقيون وسياسيون في
لبنان؛ من تفاقم
فوضى السلاح في لبنان، في ظل عجز الدولة اللبنانية عن الإمساك بزمام الأمور.
وطالب حقوقيون تحدثوا لـ"
عربي21"؛ بضرورة التوقف عن إصدار تراخيص السلاح، إلا لمن تنطبق عليه معايير خاصة، وذلك بهدف التقليل من نسبة تعريض اللبنانيين للمخاطر، لا سيما أن
حزب الله غير قادر على ضبط سلاح بعض العائلات في مناطق نفوذه، وخصوصا في الضاحية الجنوبية، فيما اعتبر البعض أن سلاح الحزب دفع بعض الأطراف المناوئة له إلى التسلح المضاد.
يأتي ذلك، إثر تصاعد المخاوف من ارتفاع نسبة القتل عبر السلاح الناري، وذلك بعد مقتل شابين في بلدة قب الياس في البقاع؛ بمسدس شاب آخر لأسباب وصفتها وسائل إعلام لبنانية بأنها "تافهة".
وكان طلال العموري (في العقد الخامس من عمره) وهو بائع قهوة في سوق الخضار بالبلدة، وصديقه خليل القطان (في العقد الخامس أيضا)؛ قد قتلا برصاص أطلقه مارك يمين (24 سنة)، فجر الاثنين الماضي، على خلفية مشادة كلامية، وذُكر أن يمين كان تحت تأثير الخمر والمخدرات عندما جاء لطلب زجاجة من الخمر بادئ الأمر قبل أن يطلب قهوة بعدما أعلمه البائع أنه لا يبيع الكحول. وعندما هب القطان لمساعدة صديقه؛ فأطلق يمين النار عليه أيضا.
وقد أثارت الحادثة توترات في المنطقة، اتخذ بعضها شكلا طائفيا، لا سيما أن العموري من أبناء عشيرة عربية يحمل أبناؤها الجنسية اللبنانية.
من المسؤول؟
من جهته، قال الحقوقي والمحلل السياسي سماح المهدي، في حديث خاص لـ"
عربي21": "إن وزارة الدفاع هي الجهة المانحة لرخص السلاح"، كاشفا عن أن "هناك عددا كبيرا من تراخيص السلاح منحت لمواطنين، بالرغم من تشديد الإجراءات في الفترة الأخيرة للحد من انتشار هذه الظاهرة".
ولفت إلى أن "اقتناء السلاح يجب أن يقتصر على مرافقي الشخصيات، وأصحاب محال الصيرفة والمجهورات وبعض الحالات الخاصة، ولذلك يتوجب حجب منح التراخيص على من لا تنطبق عليه المعايير"، على حد قوله.
وعن دور الدولة في ضبط ظاهرة السلاح غير المرخص، قال: "يجب تشديد إجراءات المراقبة، وفي الوقت عينه تغليظ المحاكم لعقوباتها بخصوص قضايا إطلاق النار".
وتابع: "الأحكام القاسية بإمكانها أن تكون وسيلة رادعة لفوضى إطلاق النيران في مناسبات مختلفة؛ والتي ذهب ضحيتها العديد من الأبرياء"، مضيفا: "كم من حالات فرح تحولت إلى مأساة بفعل رصاص الابتهاج"، بحسب تعبيره.
أين الدولة؟
وعن تأثير حزب الله في الدفع نحو تفاقم فوضى السلاح بين اللبنانيين، أكد المختص في حقوق الإنسان هاني سليمان؛ أن هذه الظاهرة تأخذ "أشكالا متعددة، مع المليشات والأحزاب"، مشددا على أن "السلاح الذي لا تكون وجهته العدو الإسرائيلي ليست له حاجة"، على حد قوله.
وأردف: "الدولة تتحمل مسؤولية الإمساك بزمام الأمور في البلاد، ولكن عندما ينتصر المجتمع على الدولة تصبح مفاهيمه هي السائدة بسلبياته وإيجابياته".
وأكد في حديث لـ"
عربي21"؛ أن "انتشار السلاح من الظواهر السلبية التي اتسعت رقعتها في المجتمع اللبناني، دون أن يكون لحاملي السلاح مبرر واقعي، أو معايير تحدد أوجه استخدام سلاحهم"، وفق تقديره.
واعتبر أن "لجوء كثير من المواطنين إلى التسلح يأتي بفعل الشعور بالغبن والقهر الاجتماعي والتهميش، في ظل افتقادهم لأبسط مقومات الحياة وعدم وجود فرص للتطور ضمن دولة تكفل للجميع حقوقهم كما تطلب منهم واجباتهم".
وعن انتشار ظاهرة المليشيات العائلية، قال: "النزعة العائلية ليست مستجدة في لبنان، وهي من الظواهر التي رافقت لبنان منذ مدة، وهي موجودة ضمن العادات والتقاليد".
وحول الحلول المتاحة أمام الدولة اللبنانية لضبط انفلات السلاح، رأى أن "الحد من ظاهرة السلاح يبدأ من خلال رؤية شاملة، غير أن الاتجاهات الاجتماعية في لبنان ليست بالمستوى لمعالجة ظاهرة بلغت مداها في الفترة الأخيرة"، كما قال.
ما دور "حزب الله"؟
بدوره، اعتبر رئيس تجمع اللجان والروابط الشعبية في لبنان، معن بشور أن "تفشي ظاهرة التسلح في لبنان تعود إلى أسباب عدة، ومن ضمنها ضعف الدولة"، ورأى أن "بروز السلاح مع المقاومة الفلسطينية في السبعينات وأوائل الثمانينات، ومن ثم مع المقاومة الإسلامية، كانا سببين لبعض الأطراف للجوء نحو التسلح المضاد"، وفق تقديره.
وحذر بشور، في تصريحات خاصة لـ"
عربي21"، من خطر "فوضى انتشار السلاح"، مطالبا بأن يكون السلاح مصوبا نحو الاحتلال الإسرائيلي "ضمن معادلة الجيش والشعب والمقاومة".
وعن أسباب عجز الدولة اللبنانية في ضبط الوضع الأمني، قال: "هناك استنزاف، وما يجري هو تقاسم للنفوذ من خلال الطوائف والأحزاب"، وطالب بمحاسبة "كل من يطلق النار خلال خلافات داخلية أو في مناسبات مختلفة"، مضيفا: "عليه أن يدفع الثمن على مستوى العقوبة وتعويض المتضررين".
ودعا بشور إلى دور تكاملي بين القوى السياسية والدولة اللبنانية، معتبرا أن "ضبط الأوضاع يتطلب غطاء شرعيا ودورا تكامليا بين أبناء الوطن الواحد"، كما قال.
وعن عجز حزب الله في ضبط ما يمسى بحرب بعض العائلات في الضاحية الجنوبية التي تبسط نفوذها عليها، قال:"القوى السياسية والحزبية ليست مطالبة باستخدام القوة لضبط السلاح، بل لديها نفوذ وعلاقات قادرة على محاصرة والحد من هذه الظاهرة".
وأشار إلى أن ظاهرة فوضى السلاح منتشرة على مستوى العالم، ولفت إلى أن "دولا كبرى تعجز عن معالجة أزمات الفوضى لديها، ومن بينها الجريمة المنظمة"، على حد قوله.