استقالة بطعم الإقالة، تلك التي تقدم بها "أحمد النجار"، رئيس مجلس إدارة مؤسسة "الأهرام" الصحفية، إلى "كرم جبر" رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، التي أناط بها القانون مهمة الإنابة عن "المالك" في إدارة المؤسسات الصحفية القومية!
"النجار"، عين في موقعه في مرحلة "زواج المتعة" بين اليسار بأطرافه المختلفة والانقلاب العسكري، وفي مرحلة ترأس فيها "الناصري" جلال عارف رئاسة المجلس الأعلى للصحافة، قبل إلغاء المجلس، كما تولى منصب الأمين العام "الشيوعي المتقاعد" صلاح عيسي، وفي الحكومة فإن ثلاثة ناصريين تم تعيينهم في مواقع وزارية، هم "كمال أبو عيطة"، و"حسام عيسى"، و"أحمد البرعي"، هذا فضلا عن أن المجلس القومي لحقوق الإنسان، تشكل في مجمله من اليسار، وبرئاسة وزير إعلام عبد الناصر "محمد فائق"، ومن حافظ أبو سعده "ناصري"، إلى عبد الغفار شكر "شيوعي" والأخير هو أحد إفرازات التنظيم الطليعي، الذي أسسه جمال عبد الناصر، في مرحلة الحزب الواحد!
ولأن زواج المتعة بطبيعته، زواج محدد المدة، وهو جواز في أحد تعريفاته منفصل يجوز له أن يتصل، فكان طبيعيا بعد أن يقضي السيسي منهم وطرا، أن يستغني عن خدماتهم، وكانت البداية بإعادة تشكيل الحكومة خالية من الشوائب اليسارية، التي احتاجها السيسي "لمسافة السكة" وكغطاء مدني لانقلابه العسكري، وقد كانت الخطوة التالية، التي تأخرت كثيرا هي إقرار القانون المؤسسي للإعلام ومن ثم إعادة تشكيل الكيانات الإعلامية الثلاثة، من عناصر دولة مبارك، ومن الاختيار الحر المباشر للأجهزة الأمنية لهذه الدولة، فقد كان متوقعا أن تتم الإطاحة بالعناصر الناصرية والشيوعية التي دفع بها المجلس الأعلى للصحافة بتشكيله اليساري لقيادة المؤسسات الصحفية القومية (المملوكة نظريا للدولة وعمليا للسلطة الحاكمة)!
ومنذ البداية كان من المتوقع أن تتم الإطاحة بـ"أحمد النجار"، لاسيما بعد أن قل شاكروه، وكثر لاعنوه، وهو شخصية مفتعلة، ونتاج النفخ اليساري فيها، منذ أن وقع التنافس بينه وبين "وحيد عبد المجيد" على رئاسة التقرير الاستراتيجي السنوي للأهرام، في منتصف التسعينات، ومن طبيعة اليسار أنه يفخم في ذاته والمنتمين إليه؛ فهذا شاعر الشعب، وهذا ضمير الأمة، وذلك مطرب الجماهير. وهي صفات تطلق على "أعضاء التنظيم"، من"الأهل والعشيرة"، حتى وإن كانوا لم يعرفوا على أي صعيد شعبي أو جماهيري!
والحال كذلك، فقد كانت "مشاجرة حوارية" بين رئيس مجلس إدارة "الأهرام" وعمال المطابع بالمؤسسة، قضية وطنية كبرى عندما قيل إنه كتب مقالا معارضا للسلطة وصدرت التعليمات بوقف طباعة العدد إلى حين رفعه، وذلك في الوقت الذي علم فيه القاصي والداني أن الأمر لم يكن على هذا النحو، فرئيس مجلس الإدارة تدخل في شأن من شؤون رئيس التحرير، ليرفع مقالا كتبه الكاتب "أحمد عبد التواب" لأنه اعتبر أن فيه همزا ولمزا في شخصه!
ثم إنه في بيان الاستقالة، كتب عن انجازاته الخالدة، فإذا بها تقوم على أساس التوفير، وخفض المرتبات، دون النهوض بالمؤسسة، والعمل على رد الاعتبار إليها بعد سنوات الفشل والضياع!
وتربص السلطة به، ليس لمشاجرته الصغيرة، أو لفشله في تحقيق إنجازات جادة، ولكن لأنه ثمرة "زواج المتعة" بين اليسار والانقلاب العسكري، وقد كانوا يظنون أنه زواج متصل، ولم يكونوا يعرفون نية عبد الفتاح السيسي الذي كان يريدهم فقط "لمسافة السكة"، فجاء تشكيل الحكومة بعد مرحلة "المتعة" على قواعد الاختيار التي معمولا بها في عهد حسني مبارك، وكذلك فعل في الكيانات الصحفية المستحدثة، فقد انتهت مرحلة "جلال عارف" و"صلاح عيسي"، لتعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل الثورة، فكل من تم طردهم من مؤسساتهم الصحفية بقوة الدفع الثوري، قام عبد الفتاح السيسي بتعينهم من جديد، وكأنه يرد الاعتبار لهم، ويطمئن بوجودهم إلى أنه تمكن من هزيمة الثورة ودحرها!
إن موظفا إداريا بالمجلس الأعلى للصحافة كان معروفا بأنه رجل مباحث أمن الدولة، وظلوا يمدون له بعد خروجه على المعاش، إلى أن تم إنهاء عمله في عهد الرئيس محمد مرسي، لأن بقاءه في موقعه كان يعني أن شيئا لم يتغير، عاد من باب "الشخصيات العامة وأهل الخبرة" وكيلاً للهيئة الوطنية للصحافة، فقد صار قياديا وليس فقط مجرد موظف يعد جدول الأعمال ويشرف على تقديم المشروبات لأعضاء المجلس الأعلى للصحافة في اجتماعهم؛ الساخن منها والبارد.
إن تحمس اليسار للانقلاب العسكري، مرده إلى أن القوم يعلمون أنهم بالاحتكام لإرادة الجماهير فلن يحصلوا على شيء، وكانوا يعتقدون أن الانقلاب العسكري لن يحكم بشكل مباشر من باب استشعار الحرج، لذا فإنهم التيار الوحيد البديل الذي يمكن أن يكون "في الواجهة" فليس معقولا بعد الثورة أن تعود دولة الحزب الوطني للواجهة، ومن هنا فقد دافعوا عن السيسي وقدموه للرأي العام على أنه عبد الناصر الذي جاء على قدر ليتبنى قضية الاستقلال الوطني!
مبكرا كتبت عن "الاستدعاء القسري لعبد الناصر"، لأثبت لهم أن السيسي لم عبد الناصر، ولم يقل هو نفسه شيئا من هذا، ولم يكن قد ذكر عبد الناصر على "طرف لسانه"، وبعد ذلك لم يذكره إلا في مجال حديثه عن الإعلام وكيف أن عبد الناصر كان محظوظا بإعلامه!
كنا نشاهد تمثيلا بجثة عبد الناصر، لإعطاء منطق لتحالف اليسار مع الثورة المضادة، واليسار ليس مشغولا بقضية الديمقراطية، وليس في أدبياته ما يجعله يرفض الحكم العسكري، فهذا النمط من الحكم تأسس في مصر بحركة ضباط الجيش في 1952، ومن ثم فإذا كانت "الثورة" تعني بعضهم، فلم يكن يدور بخلدهم أن "الثورة المضادة" قد انتصرت، وكيف تنتصر وقد آل الحكم إليهم بقوة السلاح!
بيد أنهم أخطؤوا التقدير، فلم يكن هناك ما يمنع دولياً أن يحكم العسكر حكماً مباشراً، وكان ولاء السيسي لدولة مبارك وخصومته مع الثورة سبباً في عودة هذه الدولة، ليخرجوا هم "من المولد بلا حمص"، فلن يبقى لهم إلا المجلس القومي لحقوق الإنسان، وطردهم منه هى مسألة وقت!
للدقة، فلم يكن ما جرى بينهم وبين العسكر "زواج متعة"، ولكنه كان زواج بنية الطلاق، فقد توقعت مبكراً أن يستغني السيسي عنهم بعد أن يقضي منهم وطراً.
وللمعلومات العامة فإن "قضى منهم وطراً" يعني بلغ مراده وقضى حاجته، حتى لا يظن بنا أحد ظن السوء،،
والعاقبة عندكم في المسرات.
ما يدهشني وانا الغير متمرس في السياسة هو أن اليسار العربي عموما بكل فصاءله واجنحته استورد التجربة من الخارج فشوهها وفشل فشلا مدويا في تكوين امتداد جماهيري له و زاد فصار علقة تقتات من فضلات الأنظمة الشمولية الدكتاتورية لا بل ويزايد عليها بالتحريض على كل نفس وطني وأبرز إنجازاته تخريب وهدم والإسهام في وءد اي محاولة لتثبيت الديمقراطية في بلداننا العربية وكأنه ينتقم من الجماهير التي لم تقتنع باطروحاته الفكرية البالية التي لم يحاول تطويرها وظلت رهينة الخمسينيات من القرن الماضي
طارق فكري
الجمعة، 21-04-201709:12 م
لم توفق في هذا العنوان
فالقرآن الذي ذكر فلما قضى زيد منها وطرا
لا يجوز أن تشبه هاؤلاء الرعاع بحب رسول الله زيد
وأم المؤمنين زينب بنت جحش