كشف مصدران يمنيان عن تفاصيل مثيرة تتعلق بالتحركات التي تقوم بها دولة
الإمارات المشاركة في التحالف العربي الداعم للشرعية بقيادة السعودية، للهيمنة على أهم وأكبر الجزر الواقعة في المحيط الهندي قبالة سواحل
اليمن.
المعلومات التي حصل عليها "
عربي21"، تميط اللثام عن الدور الإماراتي المتشابك في
جزيرة "سقطرى" بين ما هو إنساني وعسكري وسياسي، إلى جانب الاستحواذ على مساحات شاسعة من شواطئ وأراضي الجزيرة ذات الموقع الاستراتيجي.
المصدران اللذان اشترطا عدم الكشف عن هويتهما أكدا أن "أبوظبي" قامت عبر مندوبين متعددي المهام، يقيمون حاليا في الجزيرة، باستقطاب عدد من المسؤولين والوجهاء والمشايخ بأساليب متنوعة يأتي "المال السياسي" في مقدمتها.
وأضافا أن الإمارات نجحت في "شراء ولاءات" شخصيات مؤثرة في الجزيرة، من خلال "إغرائهم بالمال والسيارات الفخمة"، إلى جانب تنظيم زيارات ورحلات سفر إلى "أبوظبي" للقاء ولي عهدها، محمد بن زايد.
ومن أبرز الزيارات وفقا للمصدرين، زيارات قام بها حاكم الجزيرة، وعدد من أركان السلطة المحلية، بالإضافة إلى شخصيات أخرى أهمها؛ رئيس ما يسمى بـ"الحراك الجنوبي" فيها، الذي يزور الإمارات حاليا.
هادي غير راض
وبحسب المصدرين فإن
التحركات المكثفة للإماراتيين على كافة المستويات لا تحظى برضى من قبل الرئيس عبد ربه منصور هادي، بل تعد إحدى ركائز الخلاف والتوتر القائم بينه وبين حكام أبوظبي.
وقال إنه من وجهة نظر الرئيس هادي فإن الحضور الإماراتي في جزيرة "سقطرى" الذي يتخفى خلف الجهود الإنسانية والخيرية التي تقوم بها بعض المؤسسات الخيرية والإنسانية، أصبح حضورا مدفوع الثمن، عقب انكشاف سياساتها وأطماعها.
وأوضح المصدران، أحدهما في الرئاسة اليمنية، أن حراك الإمارات أوجد هوة بين الحكومة الشرعية والسلطة المحلية للجزيرة، التي انبرت للدفاع في أحيان كثيرة عن مواقفها "رغم الشبهات التي تحوم حولها".
وأشارا إلى أن هناك شخصيات إماراتية منها عسكرية وأخرى شيوخ مقربون من صناع القرار في قصور" أبوظبي"، متواجدة في الجزيرة، بعناوين إنسانية وخيرية تنفذها مؤسسات كـ"الهلال الأحمر الإماراتي" ومؤسستي الشيخ خليفة بن زايد والشيخ سلطان بن خليفة.
ويستند الإماراتيون في تحركاتهم على اتفاقية وقعها أبرز حلفائهم، خالد بحاح، نائب الرئيس هادي، ورئيس الحكومة السابق، في شباط/ فبراير 2016، مع منظمة الهلال الأحمر الإماراتي، لتولي عملية إعادة إعمار الجزيرة التي تعرضت لإعصارين متتاليين نهاية العام 2015.
وتقع جزيرة "سقطرى" ضمن أرخبيل مكون من أربع جزر على المحيط الهندي قبالة سواحل القرن الأفريقي بالقرب من خليج عدن، على بُعد 350 كيلومترا جنوبي شبه الجزيرة العربية، ويتكون الأرخبيل من جزر: "درسة" و"سمحة" و"عبد الكوري"، بالإضافة إلى جزيرتين صخريتين أخريين. ولهذا الأرخبيل أهمية استراتيجية كبيرة بسبب موقعه وإطلالته على المحيط.
استيلاء إماراتي
من جانب آخر، أوضح المصدران أن أرخبيل جزيرة سقطرى، ذات الموقع الجغرافي الفريد، تتعرض شواطئها وأراضيها طول الشريط الساحلي الذي يبلغ طوله 300 كم، والقريبة من الميناء، للاستيلاء من قبل شخصيات إماراتية، لم يعرف طبيعة نشاطها، فتارة يكون إنسانيا عبر جمعيات ومنظمات خيرية، وتارة أخرى استثماري/ عسكري، دون أي قوانين منظمة لذلك.
وكشف المصدران أيضا عن قيام إماراتيين بشراء مناطق من الأرخبيل تقع ضمن محميات بيئية، "لكن عملية الشراء تتم مع عدم الالتزام بالآثار البيئية المترتبة على الأعمال الإنشائية التي بدأوا العمل عليها".
وأصدرت الحكومة اليمنية الشرعية توجيهات في وقت سابق من العام الماضي، لمحافظ الجزيرة، العميد السقطري بإيقاف التصرف بشواطئها وأراضيها غير الواقعة في المناطق السكنية، حتى إصدار قوانين وقرارات منظمة للأمر، بعد الكشف عن نشاط إماراتي واسع في هذا الجانب.
نشاط إنساني وعراقيل
وعلى صعيد الجهود الإنسانية، تحدث المصدران عن قيام السلطات الإماراتية بترميم عدد من مقار التعليم والمراكز الصحية، وبناء وحدات سكنية للمتضررين من إعصاري "ميغ" و"تشابالا" اللذين ضربا الجزيرة نهاية العام 2015، بالإضافة إلى توزيع مواد غذائية على السكان المحليين.
وذكرا أن "الصورة لا تبدو وردية في هذا الجانب، بل إن جمعيات خيرية تواجه عراقيل، بالإضافة حالة الغموض التي تكتنف كثيرا من الخطط للعمل الإغاثي وضعف وبطء الاستجابة لجوانب إنسانية أخرى ملحة".
رحلات وتصدير
وتفيد معلومات بأن هناك نشاطا استثماريا إماراتيا فاعلا في قطاع الثروة السمكية عبر تشغيل مراكز للتصنيع، وإنشاء خط تصدير مباشر للأسماك الطازجة من الجزيرة إلى "أبوظبي"، وبشكل أسبوعي.
وتشير إلى أن الإمارات تتحكم بإدارة مطار ومرفأ الجزيرة، حيث تفرض حظرا على رحلات قادمة إليها، باستثناء تلك القادمة من "أبوظبي". كما أنها قامت بإنشاء خط ملاحي جوي مباشر، حيث يتم تسيير رحلات جوية لطيرانها بين عاصمتها وسقطرى وبواقع رحلتين إلى ثلاث أسبوعيا دون التنسيق مع السلطات الشرعية.
وتضيف أيضا أن المندوب العسكري الإماراتي، رفض استقبال رحلات جوية تجارية على متنها عدد من السياح الأوروبيين عبر سلطنة عمان بطائرات تجارية وتم إرجاع بعضها، بمبرر "عدم حصولها على ترخيص من التحالف العربي الذي يفرض حظرا على أجواء اليمن".
كما لفتت إلى أن الحاويات التي يقوم الإماراتيون بإدخالها وإخراجها من الجزيرة، لا تخضع لأي رقابة أو تفتيش من قبل الشرطة المحلية، مع وجود شبهات تحيط بتلك المواد في أحيان كثيرة.
تجنيد المئات
من زاوية أخرى، أفصح المصدران عن قيام النظام الإماراتي بتسليح وتشكيل قوة عسكرية من أبناء الأرخبيل تقدر بنحو "ألف جندي" تلقى نصفهم التدريب في العاصمة "أبوظبي" والنصف الآخر في محافظة مأرب شرق اليمن.
فيما يؤكدان أن عملية التجنيد واختيار أفراد هذا التشكيل، أوكلت إلى قيادات الحراك الجنوبي في الجزيرة.
في الوقت نفسه، تكفلت الإمارات بصرف رواتب (المستحقات الشهرية) لمختلف الأجهزة الحكومية هناك من شرطة وقوات مسلحة، وأجهزة المخابرات (الأمن السياسي والقومي)، أضف إلى ذلك، القطاعات الإدارية المدنية بأرخبيل سقطرى.
الموالون للإمارات
وفي السياق ذاته، أكد المصدران أن السلطات الإماراتية نجحت في تكوين شبكة من الحلفاء المحليين السقطريين، يتقدمهم أحد أبناء سلاطين سقطرى الذين حكموها قبل 1967، حين كانت سقطرى ومحافظة المهرة الحدودية مع عمان سلطنة يحكمها آل عفرار المتحدرين من الجزيرة.
ويعتبر السلطان هذا الشخص، أحد أهم رجالات الإمارات في الجزيرة، فإلى جانب حمله "جنسيتها" يحظى بدعم سخي منها، وبات مقيما فيها، بعدما كان هناك في "أبوظبي".
إلى جانب هذا الرجل، يعد رئيس الحراك الجنوبي في سقطرى، المسؤول المباشر لتسجيل واختيار الجنود وتدريبهم في الإمارات، كما يعتبر أيضا مسؤولا عن قطاع العمالة من أبناء الجزيرة الذين يتم إرسالها للعمل هناك.
ويقول المصدران إن رئيس الحراك الذي يزور أبوظبي حاليا، تحوم الشبهات والشكوك حول ارتباطه وتبعيته بالرئيس المخلوع علي صالح ونجله أحمد المقيم في الإمارات.
الإماراتيون في سقطرى.
في المقابل، كشف المتحدثان عن أسماء قيادات وشخصيات إماراتية فاعلة متواجدة في جزيرة سقطرى تمارس أدوارا متعددة فيها.
ولعل أبرز هذه الوجوه المندوب العسكري، المسؤول عن تسيير الأمور في الجزيرة، خصوصا أن سلطته تتركز في المطار والإشراف على الملفين الأمني والعسكري والمنتمين لهذين القطاعين بعد تلقيهم التدريب في العاصمة الإماراتية وفي مدينة مأرب اليمنية.
كما أنه المسؤول عن منع استقبال أي رحلات طيران عبر سلطنة عمان أو من غيرها بحجة الترخيص من التحالف وأجواء اليمن كلها محظورة.
في حين يبرز شخص إماراتي ثان وهو رجل أعمال، يجمع بين العمل الإنساني والاستثماري، حيث يعد مسؤولا عن تنسيق الدعم الإنساني للجزيرة، فيما يتردد عن توليه عملية حجز مساحات واسعة من الأراضي على الشريط الساحلي وشرائها من المواطنين اليمنيين.
وحسب المعلومات فإن شخصا ثالثا إماراتيا وهو شخصية ومهمة، بحكم قربه من حكام الإمارات، يتردد على الجزيرة، ويقال إنه يعمل في مكتب الشيخ منصور بن زايد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير شؤون الرئاسة، الذي يرأس أيضا، مجلس إدارة مؤسسة خليفة بن زايد للأعمال الخيرية.
ولم يستبعد المصدران أن يكون طموح الإمارات تحويل الجزيرة الأهم في اليمن، مركز نفوذ لها في منطقة خليج عدن والقرن الإفريقي.