لم تحقق الصهيونية أكبر اختراقاتها في المنطقة العربية إلا تحت غطاء السلام والحوار والتعايش وهي الكيان الذي لا يؤمن بغير القتل والاحتلال واغتصاب الأرض. لم تحترم دولة الكيان ولو قرارا أمميا واحدا لصالح الشعب الفلسطيني كما أنها رمت بكل قرارات مجلس الأمن في سلة المهملات مستفيدة من الفيتو الأمريكي..
النظام الرسمي العربي هو الذي سلّح الثورات وجرّها إلى مربع العنف وهو الذي أثبت زيف مقولة الأمن التي لم تكن تعني في الحقيقة عنده غير قمع الشعب والتنكيل به إذا طالب بحقوقه. هكذا سقطت أكذوبة الأمن والأمان فلا أمن مع الاستبداد ولا أمان..
الهجرة عامة سواء كانت متجهة شمالا أو جنوبا شرقا أو غربا هي ظاهرة ملازمة لتكوّن المجتمعات ولصعود الحضارات وأفولها وهي كذا ملازمة لنشأة الأمم ونشأة الدول والمجتمعات. لم تكن ظاهرة الهجرة لتطرح مشكلة في مرحلة ما قبل نشأة الدولة..
المشهد التونسي يتغيّر بشكل متسارع ولا يتوقف فيه الفرز لحظة واحدة وهو ما يفسر التحوّل السريع للوعي الجمعي القاعدي رغم قدرة أذرع الدولة العميقة على الإيهام والتخدير والمناورة..
إنّ أولى الأوليات اليوم إنما تتمثل في تفكيك أداء النخب السياسية والفكرية التي شاركت في المسارات الانتقالية العربية. وهو الأمر الذي يستوجب تحديد المسؤوليات من أجل منع تجدد الانكسارات لأن الموجة الثورية الثانية يمكنها أن تتجدد في كل حين فشروط الانفجار لا تزال قائمة بل هي اليوم أشدّ منها بالأمس.
تأسس الحكم في ما سُمّي بالدولة الوطنية على منطق الزعامة وعلى صورة الزعيم وهو الفرد الخارق المنقذ القادر وحده دون غيره على الإبحار بسفينة الوطن بين الأمواج المتلاطمة. تأسس الحكم زمن عبد الناصر والقذافي وبورقيبة والأسد وصدام..
فجأة صار الجميع بما فيهم دول الجيوش الغازية المتواجدة على الأرض الليبية يؤكدون فشل الخيار العسكري وأنّ الحل في ليبيا لا يمكن أن يكون إلا سياسيا. بعضهم يريد العودة إلى مخرجات مؤتمر برلين والبعض الآخر يطرح عدم الخروج عن اتفاقية الصخيرات..
لم يكن مستبعدا أو غير منتظر أن تغفل قوى الثورة المضادة عن مهد ثورات الربيع العربي تونس. بل إنّ الأصل في كل موجات الثورات المضادة عبر التاريخ أن تستهدف المركز النشط والعصب الفاعل للتغيرات الاجتماعية والسياسية والحضارية الكبرى من أجل وأد التغيير في المهد..
القول بأن الحرب في ليبيا هي حرب استعمارية جديدة بالوكالات لا بوكالة واحدة ليس قولا مبالغا فيه. فقد كان لسقوط قاعدة الوطية الجوية في الغرب الليبي دور حاسم في تغيّر النظرة إلى طبيعة الصراع هناك وأثره على المنطقة والإقليم برمّته..
ليست الإمارات وليس النظام الانقلابي في مصر ولا بقية الدول العربية المتورطة في الصراع الليبي بما فيها الأردن إلا أدوات دولية عالمية من أجل صياغة نماذج ما بعد الربيع وهو ما يجعل من هذه المعركة معركة محورية وعلى قدر كبير من الخطورة والأهمية..
هل من المبالغة القول بأن الشعوب العربية تعاني من مرض القطيع؟ هل طورت شعوب المنطقة مناعة القطيع ضد التغيير وضد رفض الظلم وضد مقاومة الاستبداد؟ هل استكانت ورضيت بالأمر الواقع أم هي لا تزال تقاوم؟
إن تحرر الشعوب في المنطقة سيؤدي حتما إلى استعادتها سيادتها وقرارَها بشكل سيلغي تبعيتها التلقائية لقوى استعمارية امتصت ثرواتها وشوهت تاريخها وتسببت في تخلفها وفي قتل ملايين الشهداء.
ستكون ليبيا حتما بوابة الحرية الجديدة نحو نظام عربي وليد يُلغي زمن الحاكم بأمره وزمن القائد الأممي ويفرض إرادة الإنسان بقوة الثورة وبقوة إرادة الحياة وبقوة السلاح متى فُرض عليه ذلك..
سيذكر التاريخ رئيس تونس غدا إما باعتباره رجلا قد حقق مكاسب انتقالية وأنجح منعرجا ثوريا خطيرا ـ وهذا ما نتمناه ويتمناه التونسيون له ـ وإما أن لا يذكره التاريخ إلا كخيال باهت مرّ ذات يوم على المشهد التونسي. وله وحده تحديد أي النموذجين..
لا تبدو الأزمة الليبية قد شارفت على النهاية رغم ترنح المشروع الانقلابي لكنها قد تجد بعد أزمة الوباء الأخيرة طريقها إلى الحل أو خفض التصعيد، خاصة بسبب النزيف القوي الذي تعرفه خزائن الانقلابات..
لا يمكن مبدئيا فصل نتائج الوباء العامة عن تلك المحلية والإقليمية، لأن العالم كله سيتأثر بذلك بحسب طبيعة كل دولة وبحسب خصائصها السياسية والديمغرافية والاقتصادية خاصة..