كتاب عربي 21

إيران تُفدرِل لبنان

1300x600
برز خلال مؤتمر الحوار اللبناني الذي عقد في مدينة "سان كلو" في فرنسا عام 2007 بمشاركة ممثلين لفريقي 8 و14 آذار إضافة إلى قوى وشخصيات وسطية، إبان أزمة انسحاب وزراء حزب الله من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة آنذاك، كلامٌ نوعي اعتُبر غريبا في حينه وردد مشاركون أنهم سمعوه في كواليس المؤتمر من الموفد الفرنسي "جان كلود كوسران" بُعَيد عودته من العاصمة الإيرانية طهران، ومفاده أن الأخيرة تعتبر مثالثة الحكم في لبنان إطاراً مقبولاً لمعالجة ملف سلاح "حزب الله".

ومعلوم أن نظام المحاصصة الطائفية في لبنان يقوم على المناصفة بين الطوائف "المحمدية" والطوائف المسيحية، في اقتسام مواقع الحكم والإدارة في الدولة، أما المثالثة التي نُسِبت فتواها إلى طهران، فتقوم على تغيير المعادلة بحيث يتم تقسيم المواقع إلى ثلاث سلالٍ متساوية للمسيحيين من جهة، والسنة ومعهم الدروز من جهة ثانية، والشيعة ومعهم العلويون من جهة ثالثة.

في زمن شحذ سكين الغرب لإعادة تقطيع المنطقة العربية والشرق الأوسط عموماً، بعد انتهاء مدة صلاحية كيانات القسمة البريطانية الفرنسية السابقة التي عُرفت باسم الدبلوماسيَّين "سايكس" و"بيكو" أو بعضها، بحسب برنامج الولايات المتحدة الأمريكية وشركائها الجدد. ماذا عن لبنان وهل تجد إيران الفرصة سانحة وهي في مرحلة صعودها التوسعي لتطبيق حلمها بتثليث لبنان، ليس تحت سقف اتفاق الطائف والدستور الجمهوري، بل وفق دستور جديد يقوم على فيدراليات الطوائف الثلاث الكبرى.

لتشكيل مناخ الإجابة على هذا السؤال الدقيق، لا بد من التوقف عند إشارتين بالغتي الدلالة، صدرتا بالتزامن عن الحليفين الأساسيين لإيران، حزب الله وتيار الجنرال ميشال عون.

الإشارة الأولى والصريحة جاءت على لسان عون الذي دعا إلى اعتماد الفيدرالية (الطوائفية) بدل مركزية الدولة القائمة حالياً في نصوص الدستور، وما التظاهرات التي نفذها تيار عون أمس الخميس اعتراضا على عدم توافق القوى السياسية على تعيين أحد أصهار ميشال عون قائداً للجيش، إلا بدايةً لتحرك أوسع كما صرح بذلك نواب الكتلة العونية، يهدف إلى تحقيق ما يصفونه بإشراك المسيحيين فعلياً وليس صورياً في حكم البلاد، وإلا فالفيدرالية تقي الجميع شر المواجهة.

أما الإشارة الثانية التي لا تقل صراحة عن الأولى، فهي ترويج مجموعة من المحللين والمعلقين السياسيين المحسوبين على حزب الله، بأن تقسيم سوريا لو تم فإنه يستتبع لزاماً تقسيم لبنان؛ لأن المسيحيين السوريين سيُهَجَّرون إلى لبنان لينضموا إلى الدويلة المسيحية المقبلة، ولأن "الأقليات الدينية" ستجد نفسها مضطرة للانعزال داخل مجتمعات مغلقة تؤمن لها الحماية المطلوبة.

علما أن هناك من يعتقد أن حزب الله ومن خلفه إيران يقبل بالفيدرالية تحت سقف اتحاد جمهوري، بديلاً عن تقسيم لبنان في حال تقسيم سوريا، وذلك وفق رزمة شروط من بينها أن تكون مقاطعته الفيدرالية حدودية مع فلسطين المحتلة جنوباً أو بقاعاً، وكذلك حدودية مع الدويلة العلوية "الموعودة" المطلة على البحر المتوسط.

وإذا كانت واشنطن جادة في إعادة تقسيم الخارطة السياسية للشرق الأوسط، فإن إيران تبدو متلهفة وبالخدمة للمساعدة على تفقيس دويلات الطوائف والأعراق؛ لأن بينها من يدين لها بالولاء وينتظم في مسارها السياسي والعسكري والاقتصادي. وليس من طرف إقليمي سيستثمر التقسيم الجديد أكثر من إيران إلا "إسرائيل" التي ليس من المطروح دولياً تعديل حدود احتلالها، وبالتالي ستكون كل الدويلات الناشئة جارات جديدة لديها تأسست بعدها وستبدو بينها قوةً عظمى مرعبة، سيسعى الكثيرون إلى تجنب شرها في أحسن الأحوال.

إذن، لإيران مصلحة في "فدرلة" لبنان لكنها ليست لاعباً وحيداً فيه، فهل لخصومها شركاء النفوذ على بلاد الأرز مصلحة في الفرز والضم، وإذا لم تكن لديهم مصلحة هل يملكون المرونة والقدرة على عرقلة هذا المشروع الذي يُعتقد بأن دوائر "الشيطان الأكبر" وافقت عليه؟