كتاب عربي 21

محمد محمود .. ما زال الرأس ينزف دما

1300x600
يومها كان يتملكني شعور بالنشوة، امتلأ الميدان دونهم، خرج الإخوان من الصف الثوري إلى غير رجعة، لماذا الفرح بخروجهم رغم كونه منعطف خطير في مسيرة الثورة؟، الإخوان حشد هائل، وقوة على الأرض لا يستهان بها، لماذا رضوا أن يتركونا، ولماذا فرحنا بتركهم، أو فرح بعضنا، بذلك؟

وجودهم من الأساس كان مصدر قلق أيديولوجي عند الكثيرين، - كنت من هؤلاء -  كنا ننتظر لحظة الخلاص منهم، حتى إن البعض أصر على استدعاء موقفهم من النزول في 25 يناير دون غيره، بوصفه كل موقفهم من الثورة، لم ينزل الوفد الليبرالي، ولا التجمع اليساري، ولم ينزل آخرون، لكن عدم نزول الإخوان وحده كان الحكاية، ربما لأنهم أخذوا أكثر مما يستحقوا فيما بعد، ولم نملك ازاء ذلك سوى الحكايات الناقصة.

"الإخوان باعونا في محمد محمود"، لا شك في صدق العبارة، موقف الإخوان كان مخجلا، تصريحات خيرت الشاطر حينها كانت أكثر خسة ونذالة، لا مزايدة على سجين، لكن هذا ما حدث، هنا أتذكر أسماء البلتاجي أيضا، إحدى بطلات محمد محمود، رغم أنف الجماعة، بعض الإخوان يفهمون جيدا أن الجماعة وسيلة، وأن الوطن هو المقصد، إلا أنني أسأل نفسي الآن، ما الذي حدث في هذا اليوم ولم يتكرر مع تبادل الأدوار، لا شيء تقريبا، تركناهم في رابعة بدعوى أن خطاب المنصة طائفي، ونحن لا ننزل مع إخوان، تجاوزنا خطاب المنصة إلى خطاب أكثر طائفية ودموية ووصولا بالدولة المصرية إلى أسفل سافلين، يوم خرج السيسي يطلب تفويضا بالقتل، لو كان ميزان محمد محمود يعمل، حساسيتنا من مجرد اقتراب العسكر من مساحات سيطرة وسلطة، لأدركنا أن رجال مبارك في طريقهم للقضاء على غريمهم التقليدي، وسحق المعتصمين تحت دبابات ماسبيرو "مرة أخرى"، هذه المرة سيموت الآلاف، أحمد سيف الإسلام، رحمه الله، أدرك خطورة ذلك على مستقبل الوطن كله ونبهنا، ولم نسمع، زينب المهدي أدركت ذلك وذهبت إلى رابعة لتكثيرهم، بعضنا كان يتمتع بضمير غير مؤدلج، لا يكذب عينيه إذا رأت، سمعوا، ورأوا، وتحركوا، لكنهم بطبيعة الحال كانوا "أقلية"!

الثوار باعونا في رابعة والنهضة .. لم يستطع الإخوان صك شعار مضاد بدورهم، هم أبله خلق الله في الإعلام، بالإضافة إلى أن شعارنا وجد من يروج له وفقا لمصالحه وأهوائه، حتى توفيق عكاشة كان يخبرنا مرارا أن الإخوان باعونا في محمد محمود.

انعزل الإخوان عن الصف الثوري من يومها، أكلوا الطعم، شربوها، كسبنا تحديد موعد للانتخابات، وكسب العسكر ما هو أثمن، انعزل الإخوان عنا، لكن لم ينعزلوا عن الشارع، أسقطاناهم من حساباتنا وضمائرنا لكن الناس انتخبوهم، تصوروا أنهم كسبوا، إلا أن المكسب الحقيقي لم يكن في الصندوق، قلنا لهم ذلك ولم يسمعوا، بعضهم كان يعايرنا بالنتائج، ست استحقاقات انتخابية، مبارك عليكم، لعلهم الآن أدركوا كم هو الصندوق مضلل في ظل ثورة، لن يحميك من عنفوانها إلاها.

في محمد محمود، استطاع العسكر أن يعزلوا الإخوان، وفي رابعة استطاعوا أن يعزلوا بقية الصف عن بعضه البعض، لا الإخوان ظلوا ثوارا، ولا التيار المدني، الجميع تلوث، الجميع رأى الدم ولم يحرك ساكنا، الجميع وافق على السحق، طالما للآخرين، هنا تتدخل السفسطة، "واللت والعجن" كي يجد كل فريق لنفسه حججه، وما يبرر به لنفسه أن انسحابه لم يكن كانسحاب الآخرين، وأن تلوثه كان أنقى من الآخرين، وأنه حافظ على شرفه وطهره فيما باع الآخرون، وأن الفعل ليس كرد الفعل، تتوه الحقيقة، ويبقى أننا جميعا، نحن والإخوان، ما تبقى من محمد محمود، وما تبقى من رابعة، كلنا الآن متفرج.

الآن يحكمنا مجرمو محمد محمود، الذين قاموا بجرائم حرب صريحة، اعترف بها العالم، الذين قصدوا عمدا إحداث عاهات مستديمة لدى شباب البلد، فقد الكثيرون أعينهم، ليعيشوا ما تبقى من حياتهم دون بصر، "جدع يا باشا"، فيما فقد الآخرون حياتهم، وألقوا بجثثهم في صناديق القمامة، هؤلاء من يحكموننا الآن، فمن باع من، ومن اشترى؟، من يحمل فينا عبء الهزيمة؟، هذا سؤال في عجزنا عن إجابته كل ما للعسكر علينا من سلطة، وفي إجابته الصادقة ثورة.