كتاب عربي 21

أكل عيش المنتقبة!

1300x600
رأيي الواضح أن الآيات التي تناولت زي المرأة في القرآن الكريم تتحدث عن تغطية الجيوب، لا الوجه، ولا حتى الرأس! وفي هذا الكلام تفصيل سبق لي ولغيري، ولا مجال لاستعراضه الآن. موقفي الواضح من النقاب، تحديدا، أنه غطاء يحرم المرأة هويتها، ويختصرها في صفتها الجنسية، بل ويجعل من هذه الصفة الفطرية عبئا عليها، تتحمل مسؤوليته وحدها، حماية لمشاعر الذكور، أولئك الذين سيفتنون لمجرد رؤية ملامحها!

رأي غيري، أن النقاب دين، فضل، مكرمة، حقه، حقها.. لا مجال هنا للكلام حول الجرائم التي يمكن للمنتقبة ارتكابها أو لرجل متنكر في زي امرأة؛ لأن الشرطي في أي مكان، من كمائن المرور إلى شباك الجوازات، مرورا بالأماكن العامة ولجان الامتحانات، يمكنه أن يطلب من المنتقبة كشف وجهها للضرورة، كما أن من حقها على مجتمعها الذي يتفهم اختياراتها توفير امرأة لهذه المهام. ولا كلام عن كون المنتقبات لا يحترمن حقوق غيرهن في السفور، وبالتالي لا حرية لأعداء الحرية؛ لأن احترامنا لحريات الآخرين مسألة مبادئية قبل أن تكون تعاقدية.

ما سبق بديهي، إلى حد السذاجة والملل، ولا يعني تكراره سوى ما نحن فيه من بؤس، يصل إلى حد عدم الاتفاق على المعلوم من الاجتماع الإنساني بالضرورة، والأكثر بؤسا هو اضطرارنا لتكرار ذلك لا لترسيخ القيمة لدى الناس، بل لتنبيه أسيادنا المشايخ، الأزاهرة المتخصصين، أصحاب الفضيلة، الأساتذة عمداء كليات الشريعة، بأن الطالبات والموظفات من خلق الله، وأنه سبحانه وتعالى وهبهن الحرية كما وهب مشايخهن ومدراءهن، وأن حريتهن ليست هبة من إدارة الكلية، ولا منة من عميدها.

الحاج مبروك عطية، الذي فوجئت أنه عميد لكلية من كليات الشريعة بالأزهر الشريف، فيما كانت توحي لي وردته ونظارته السوداء بخيالات أخرى، ظهر على الشاشة، وقال إن المنتقبة ليس فيها رائحة الأنوثة، وسخر من المنتقبة بالإشارة إلى أنها ليست جميلة إلى الحد الذي يستلزم معه تغطية وجهها.. هذا رأيه، وهو حر، رغم ابتذاله، إلا أنه لم يكتف بذلك، وقال إنه يعنف الموظفات المنتقبات، وأنه الوحيد في الكون الذي يستطيع أن يفعل ذلك، وأن الأزهر ليس فيه نقاب. وعلى من تأكل عيش من الأزهر أن تلبس كما يريد الأزهر، وإذا كانت قد أتت بدين من خارج الأزهر، أو من بره، بتعبيره، فعليها ألا تأكل عيش في الأزهر، وإذا كان لديها دين يأمرها بالنقاب، فلتخرج من الأزهر وتلبس النقاب خارجه.

لاحظ معي.. القضية هنا لم تعد دينها، الدين هنا هامشي، إنما هي المؤسسة، الأزهر، وأكل العيش.. الراتب مصدره الأزهر، إذن يجب أن يكون الدين أزهريا، خالصا لوجه العميد ومزاجه، الموقف نفسه تكرر في قناة سلفية شهيرة، لو تذكرون، حين أصر أحد نجوم المشايخ على ألا يتعاقد مع القناة قبل طرد المذيعات غير المحجبات (غير المنتقبات)، وقطع عيشهن، وقد كان. دينك يتبع جهة راتبك، وأكل العيش مر!

الشيخ مبروك لم يكتف بذلك، فحين سألته المذيعة عن قوانين الجامعة، قال آسفا إن القوانين تسمح لهم بذلك، وعلق: ديمؤراطية.. تعمد نطقها بهذا الشكل سخرية وتسفيها، وواصل: ما دمت مئتنعة، (أي مقتنعة)، بلهجة ساخرة، فلا تأكلي عيش عندنا.. مرة أخرى، الراتب ليس مقابل العمل، إنما مقابل الانصياع التام لإرادة المؤسسة التي يحق لها التدخل في اختيارات موظفيها الدينية، وإجبارهم على قراءتها لكي تتركهم يأكلون عيش!

تسفيه الشيخ من اختيارات طالباته وموظفاته، وابتزازهن بلقمة عيشهن، وسخريته من فكرة حرية الاختيار أصلا، هو جوهر نظرة المؤسسة الدينية لدورها في الدولة والمجتمع، فما كان لمواطن أو مواطنة إذا قضت المؤسسة الدينية أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، فما بالك بالموظفين والموظفات الذين يتقاضون رواتبهم من المؤسسة، وخير المؤسسة عليهم وعلى أهاليهم، أكل وشرب وكسوة، كما أشار الشيخ التلفزيوني الفضائي الصريح..!!

إذا كانت المنتقبة تعتقد أن نقابها دين، فالحرة تجوع ولا يجبرها عطية على ما لا تريد لقاء لقمة عيشها. هنا جوهر فكرة حماية الحريات الشخصية والدينية والسياسية، فما تعتقد أهميته يعتقد غيرك، من صفك ومعسكرك، أنه ليس كذلك، وقد يبذل ما في وسعه، ولو كان تهديدك في لقمة عيشك، ليحرمك منه، فما بالك بخصومك؟ وحدها الحرية الضمانة، الحرية مهما بدت فاتورتها ثقيلة.. الحرية للجميع.