ملفات وتقارير

"COP28" يمهّد لعالم بلا وقود أحفوري.. ماذا سيفعل العراق النفطي بنفسه؟

يعتمد العراق على أكثر من 90 في المئة من عائداته المالية على تصدير النفط- أ ف ب

للحفاظ على البشرية وكوكب الأرض، اتفقت أخيرا 198 دولة، شاركت في عضوية اتفاق ضمن إطار الأمم المتحدة لتغير المناخ "COP28"، احتضنته مدينة دبي الإماراتية، بعد صولات طويلة من النقاشات، للوصول إلى الاتفاق النهائي.

وكانت الإمارات، قد اضطرت إلى تأجيل الإعلان النهائي إلى اليوم الأربعاء، بعد أن كان مقررا إقراره أمس الثلاثاء، وذلك نظرا إلى ما لمس المؤتمر من خلافات على عدد من النقاط التي تُعدّ مصيرية، أبرزها ما يرتبط بـ"الوقود الأحفوري".

ووصف الاتفاق الحاصل بين هذه الدول بـ"اتفاق الإمارات" التاريخي، والذي يعتبر "نقطة تحول استثنائية للعمل المناخي الدولي؛ لكن من المقرر أن تستضيف رئاسة "COP28"، الجلسة الأخيرة، في وقت لاحق من اليوم الأربعاء، لإعلان نتائج المفاوضات النهائية.

اظهار أخبار متعلقة

ويتضمن نص الاتفاقية النهائية، 196 بندا، موزعا على 21 صفحة؛ فيما تشير المسودة إلى إطلاق مؤتمر الأطراف "COP28" المنعقد في الإمارات، لسياسة التحول عن استخدام "الوقود الأحفوري" في نُظم الطاقة، ابتداء من العقد الحالي.

وفي الجلسة الختامية، لمؤتمر المناخ COP28، قال رئيس المؤتمر، سلطان الجابر: "حققنا الكثير معا في زمن قصير، وخلال أسبوعين، عملنا بجد وإخلاص لبناء مستقبل أفضل لشعوبنا وكوكبنا، وكان العالم بحاجة إلى مسار جديد للعمل، ومن خلال التركيز على هدفنا الرئيسي توصلنا إلى ذلك المسار، وقدمنا استجابة شاملة، لنتائج الحصيلة العالمية، وأنجزنا جميع المتطلبات التفاوضية اللازمة".

 وقدم المؤتمر، وفقاً لسلطان الجابر: "خطة عمل محكمة، لتفادي تجاوز الارتفاع في درجة حرارة الأرض مستوى 1.5 درجة مئوية"، وذلك من خلال خطة وُصفت بـ"المتوازنة"، تساهم في "الحد من الانبعاثات، ومعالجة الثغرات الموجودة في موضوع التكيف، وتطوير وإعادة صياغة آليات التمويل المناخي العالمي، وتحقيق متطلبات معالجة الخسائر والأضرار".

كذلك، يدعو المؤتمر الأطراف، إلى تحقيق انتقال منظم ومسؤول وعادل ومنطقي لمنظومة الطاقة الخالية من كافة مصادر الوقود التقليدي (الأحفوري)، الذي لا يتم تخفيف انبعاثاته وذلك بهدف تحقيق الحياد المناخي، بحسب "وام".

إلى ذلك، فإن الميثاق يُلزم الموقعين عليه، بخفض انبعاثات قطاع النفط والغاز، من خلال إزالة انبعاثات غاز الميثان، ووقف عمليات حرق الغاز بحلول عام 2030، وتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050 أو قبله.

العراق معارض.. لماذا؟


قبيل الاتفاق النهائي، أعلنت جمهورية العراق، عن رفضها لإدارج "التخلي" عن الوقود الأحفوري ضمن المسودة النهائية، لمؤتمر المناخ العالمي المنعقد في دبي. 

ويوم الأحد الماضي، الموافق لـ10 كانون الأول/ ديسمبر، قال وزير البيئة العراقي، جاسم عبد العزيز حمادي، خلال جلسة في مؤتمر "كوب28"، إن "التخفيض التدريجي والتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري والإلغاء التدريجي لإعانات الوقود الأحفوري، تتعارض مع مبادئ اتفاق باريس".

واعتبر الوزير العراقي، أن "خفض الوقود التقليدي، سوف يُحدث اضطراباً للاقتصاد العالمي، ويزيد أوجه عدم المساواة في العالم"؛ وذلك في موقف متوافق مع الجانب السعودي، الرافض للتخلي عن النفط، والذي رحب بالاتفاق النهائي، قائلاً إن "نجاح مخرجاته يؤكد تعدد المسارات والنهج بما يتماشى مع ظروف وأولويات كل دولة في سبيل تحقيق التنمية المستدامة".

وسبق أن أعلن المتحدث باسم وزارة النفط العراقية، عاصم جهاد، أن وزير النفط، حيان عبد الغني، قد رفض محاولات استهداف الوقود الأحفوري، ويعتبرها "انتهاكا لحقوق الدول المنتجة وشعوبها".

بغداد: ملتزمون باتفاق باريس وخفّضنا الانبعاثات الحرارية 2%
على غرار "كوب28"، قال وزير النفط العراقي، خلال مشاركته في مؤتمر الطاقة العربي الـ12 الذي انعقد في دولة قطر: "إن العراق نجح في تقليل الانبعاثات الحرارية بنسبة  2 في المئة بفضل المشاريع التي تم تدشينها في نهاية العام الماضي". 

وأوضح وزير النفط العراقي، أنه "بفضل أحد مشاريع شركة غاز البصرة، بطاقة 200 مليون قدم مكعب من الغاز، استطاع العراق أن يخفض الانبعاثات الحرارية بنسبة 2 في المئة"، مشيراً إلى أن "هناك مشروعا مماثلا سيتم تدشينه في نهاية الفصل الأول لعام 2024، ويسهم في تقليل الانبعاثات الحرارية بنسبة (2 في المئة)". 

كما أكد حيان عبد الغني، التزام العراق، باتفاق باريس، حيث انضم رسميا في عام 2021، إلى جانب 194 دولة، لـ"اتفاق باريس للتغيرات المناخية"، وتعد أول اتفاقية دولية خاصة بمكافحة تغيرات المناخ على مستوى العالم، والتي تهدف لتفادي ارتفاع درجة الحرارة بصورة خطرة. 
 
وذكر أن العراق "قطع شوطاً كبيراً في مجال دعم مشاريع الطاقة النظيفة والصناعات الكيماوية والأسمدة وغيرها من خلال استثمار الغاز المصاحب"، لافتاً إلى أن بلاده "تمتلك طاقة كبيرة من إنتاج النفط والغاز". 

توجه أوروبي "مرفوض"
في بلد مثل العراق، الذي يعتمد بأكثر من 90 في المئة على النفط في تمويل الدولة سنويا، يبدو قرار التخلي عن الوقود الأحفوري، فكرة جنونية.

يأتي ذلك بعد إقرار ميزانية ثلاثية للأعوام 2023، 2024، 2025، التي اعتبرت الأضخم في البلاد، وهي المعتمدة بأكملها على النفط، حيث سعّرت برميل النفط بـ70 دولاراً، وأن يصدر العراق شهرياً قرابة 100 مليون برميل من النفط.

ولم يخف النائب العراقي وعضو لجنة النفط والغاز والثروات الطبيعية النيابية، علي المشكور، خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "قرار التخلص من الوقود الأحفوري، مرفوض من قبل العراق جملة وتفصيلا".

وأشار إلى أن المقترح الذي وعد بالتخلي عن النفط، "توجه أوروبي" مغاير للمتفق عليه سابقا، مضيفا أن "هذا الطرح سوف يؤدي إلى خسارة دول، مثل العراق، اقتصاديا على حساب فائدة دول أوروبية"، وفقا لقوله.

يذكر أن مجموعة الدول الصناعية السبع، بينها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان وفرنسا، تعهدت في منتصف شهر نيسان/أبريل الماضي، بـ"تسريع" عملية خروجها من الاعتماد على الوقود الأحفوري وتحقيق الحياد الكربوني بحلول العام 2050 "على أبعد تقدير".

وبيّن البرلماني العراقي أن "الخطوات الحكومية الحالية تسير فعليا باتجاه تقليل الانبعاثات الحرارية. فيما تعد إمكانية وجود بدائل للعراق، حال اعتماد القرار مستقبلا، خيارات ستكون في وقتها، ومن المؤكد أن هناك أكثر من بديل"، وذلك دون أن يحدد أي قطاع بإمكانه تعويض النفط في البلد الذي يعاني موجة جفاف قاسية.

وبيّن علي المشكور، أن "قرارات العراق في هذا الصدد ستكون داعمة للرأي الفني الصادر من خبراء وزارتي البيئة والنفط".

وأضرّ التغير المناخي، الذي خلف جفافا وعواصف رملية، بـ 43 مليون نسمة في العراق، خاصة منطقة الأهوار، التي اضطر سكانها للهجرة إلى المناطق الحضرية. فيما أدرجت الأمم المتحدة، العراق، ضمن الدول الخمس الأكثر تأثرا بالتغير المناخي.

وسبق للعراق أن ذاق خلال عام 2020 مخاطر اعتماد اقتصاده على النفط، الذي تراجعت أسعاره حينها، مع انتشار فيروس كورونا، وتضاعفت "معدلات الفقر بين ليلة وضحاها تقريباً".

"قد يخفض العراق اعتماده 5 في المئة فقط على النفط حتى 2050"

من جانبه، عدّ الخبير النفطي العراقي، حمزة الجواهري، الاستغناء عن الوقود الأحفوري خلال الـ27 سنة المقبلة "ضربا من الخيال"، مشيرا إلى أن "محاولات العالم منذ 120 سنة في توفير طاقة نظيفة وبديلة للفحم الحجري والوقود الأحفوري، وتمويل هذه العمليات بمئات مليارات الدولارات لم تحقق تقدما سوى 5-7 في المئة فقط في مجال الطاقة النظيفة".

وأوضح أن "الدول المتقدمة، بينها أمريكا والصين، وعلى الرغم من امتلاكها للأدوات التكنولوجية والكيميائية المتطورة، لم تستطع حتى الآن التخلي عن الطاقة التقليدية"، مستفسرا: "كيف لدول متخلفة أو نصف متحضرة وبلدان العالم الثالث أن تتخلى عن استخدام الوقود الأحفوري في إنتاج الطاقة؟".

ولفت الجواهري، إلى أن العراق "يحاول منذ 20 عاما معالجة الغاز المصاحب، والذي يتعرض للاحتراق أثناء عملية إنتاج النفط، وقد فشل في ذلك، وكذلك روسيا أيضاً"، في إشارة إلى أن تحقيق الطموح العالمي في التخلي عن الوقود الأحفوري في 2050، أمر أشبه بالمستحيل.

وأضاف لـ"عربي21" أن "محاولة العراق النفطي، الالتزام بتخفيض إنتاج الذهب الأسود خلال السنوات القادمة، يعني الحكم على الشعب العراقي بالموت، لأن خبزه من إنتاج النفط"، مبرزا أن "موافقة الحكومة على القرار، يعتبر قتلاً للشعب".

وأكد أن بلاده لا تمتلك أية بدائل من قطاعات أخرى، من أجل تعويض الفاقد المالي حال اعتماد القرار، سواء من ناحية الزراعة أو الصناعة أو السياحة. مردفا: "مهما كنا (العراق) نشطين أو حريصين خلال الـ27 عاما، لا يمكن تنويع الاقتصاد في العراق، بحيث يقل اعتماده على واردات أو عائدات تصدير النفط".

ورجّح أنه "قد يتمكن العراق خلال هذه الفترة المحددة من تقليل اعتماده على النفط 5 في المئة فقط"، منبّها إلى أن "الخطر الأكبر من الوقود الأحفوري على العالم والمناخ، يكمن في الطاقة الذرية التي يجري "التعتيم" على آثارها في كل من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة"، حسب رأي الخبير النفطي حمزة الجواهري.