قضايا وآراء

حماية حرية الرأي والتعبير كوسيلة لتعزيز التعاون الخليجي

جدل حول حرية التعبير في الكويت- الأناضول
إنّ ظهور أي تكتل اقتصادي أو تحالف استراتيجي يستلزم بالضرورة وجود عوامل محددة مثل: الاشتراك في اللغة والتاريخ المشترك والتشابه الاقتصادي والاشتراك في القيم السياسية كنوع النظام السياسي والمشتركات الجيوسياسية وضرورة مواجهة الأخطار المشتركة. جميع العوامل السابق ذكرها، ساهمت بشكل مؤثر في تشكيل مجلس التعاون الخليجي في أيار/ مايو 1981 واعتبر من ذلك الوقت كتلة وتحالفا سياسيا واقتصاديا مهما من جهة، وساهم في رسم الخارطة السياسية للشرق الأوسط من جهة أخرى.

وعلى الرغم من هذا التقارب العميق، إلّا أن نزعة الهيمنة لا تزال تسيطر على المشهد الخليجي، وتعتبر عائقاً أمام تحوّل مجلس التعاون الخليجي إلى تحالف استراتيجي مهم يجمع الدول الخليجية ويصقل عملية صنع القرار السياسي والاقتصادي الموحد لها.

لقد أظهرت السجالات الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي جزءاً مهماً من عمق هذه الخلافات، ونخص بالذكر هنا الخلافات بين المؤثرين والأكاديميين في كل من السعودية والكويت، وقد جاء هذا الجدال سواء فيما يتعلق بالحريات ومستوى الديمقراطية أو فيما يتعلق بقضايا اقتصادية مشتركة بين البلدين.
على الرغم من هذا التقارب العميق، إلّا أن نزعة الهيمنة لا تزال تسيطر على المشهد الخليجي، وتعتبر عائقاً أمام تحوّل مجلس التعاون الخليجي إلى تحالف استراتيجي مهم يجمع الدول الخليجية ويصقل عملية صنع القرار السياسي والاقتصادي الموحد لها

الخلاف الأخير بدأ عبر تصريحات للأكاديمية الكويتية شيخة الجاسم عندما تحدثت عن ضرورة التمسك بمستوى حرية التعبير الموجودة في الكويت، وبأنه وبرغم قرار منع الاختلاط في جامعة الكويت إلّا أن مستوى حرية التعبير الموجودة في الكويت أعلى بكثير من الدول المجاورة (بحسب زعم الأكاديمية الكويتية). على الطرف الآخر، اعتبر الناشطون السعوديون هذا الكلام موجها لهم، وعليه شنوا هجوماً حاداً ضد الناشطين والأكاديميين الكويتيين إلى درجة شبّه فيها الكاتب السعودي البارز محمد الرطيان؛ الكويت بلبنان من حيث توقف التنمية وتراكم الخلافات والمشاكل مقابل وجود مستوى متقدم من حرية الرأي.

في الحقيقة ولكي نكون محايدين علينا القول بأنّ هذه النقاشات والسجالات لن تنفع مجتمع البلدين أبداً، وأن الحلول البديلة لهذا السجال هو التعاون المشترك في دفع عملية التنمية ورفع مستوى الحرية والديمقراطية في البلدين لا تسليط الضوء على خلافات من الممكن حلها بأقل التكاليف الممكنة.

عودا على بدء، قد يعتبر قرار حظر الاختلاط بين الطلاب في جامعة الكويت قراراً جدلياً، إلا أنه من الممكن تغييره عبر جهود الناشطين والفاعلين في الجامعة. ولكن ما يشكل خطراً حقيقياً على مستوى حرية الرأي في الكويت (والذي يفتخر بها الكويتيون ونحن العرب على حد سواء) هو على سبيل المثال إمكانية تمرير مشروع قانون الإعلام الجديد المثير للجدل؛ هذا القانون الذي انتقده العديد من الناشطين والنواب في مجلس الأمة الكويتي والذي يحظر في بعض مواده انتقاد شخص ولي العهد أو نائب الأمير، بعد أن كان القانون الحالي يقتصر على أمير البلاد فقط.

من الصعوبة بمكان أن يمر مشروع القانون هذا عبر مجلس الأمة الكويتي وذلك لأنه يتعارض بشكل صريح مع نص المادة 36 من الدستور الكويتي، هذه المادة التي تعتبر من أرقى مواد الدساتير حول العالم، والتي تنص على أن حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، لكن مجردّ طرح مثل هذا القانون على العلن يمس بسمعة الكويت ويفتح الآفاق في المستقبل على فرض قيود وحدود على حرية الرأي والتعبير.
السجالات عبر مواقع التواصل الاجتماعي هي سجالات عقيمة ولا تؤدي إلى تغيير في النهج والمعتقد بل هي مجرد مُعزز لعملية الانقسام والتشرذم، في الوقت الذي من الممكن أن تكون هذه الخلافات قاعدة مهمة لتعاون مشترك

على الجانب السعودي، فتجب الإشارة إلى أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يقود عملية تنمية مهمة في البلاد، إلاّ أنه اعترف وبصراحة بالغة بأنّ هناك أخطاء تجب معالجتها. تأتي هذه التصريحات عقب أحكام قاسية على مواطنيين سعوديين قاموا بالتعبير عن آرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أكد الأمير صدور حكم الإعدام بحق سعودي لمجرد نشر مادة على مواقع التوصل الاجتماعي (توتير سابقا) إلا أنه أضاف بأن هناك جهودا لتغيير هذه القوانيين.

في الختام، ما أود أن أقوله هو أن السجالات عبر مواقع التواصل الاجتماعي هي سجالات عقيمة ولا تؤدي إلى تغيير في النهج والمعتقد بل هي مجرد مُعزز لعملية الانقسام والتشرذم، في الوقت الذي من الممكن أن تكون هذه الخلافات قاعدة مهمة لتعاون مشترك. نقصد هنا بأن أكادميي البلدين يستطيعون تبادل الآراء حول القضايا الخلافية بين البلدين، ويستطيعون تبادل الخبرات لحل هذه المعضلات للنهوض بالتنمية الاقتصادية والسياسية للبلدين وتحقيق التعاون المشترك، خصوصاً في جهة حماية حرية الرأي والتعبير وحماية حقوق الإنسان والدفاع عنها والترويج للديمقراطية، وكل هذا يعتبر مكونا أساسيا في تعزيز الوحدة الاقتصادية والسياسية لمجلس التعاون الخليجي ككل

twitter.com/fatimaaljubour