قضايا وآراء

صادرات الأسلحة الغربية إلى إسرائيل مشارَكةٌ في الإبادة الجماعية

أسلحة أمريكية لإسرائيل- الأناضول
في عصر يتسم بتصاعد الصراعات والتجاهل الواضح لحقوق الإنسان، تبرز تجارة الأسلحة الدولية كعامل حاسم يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية في جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من اللوائح والأطر القانونية التي تهدف إلى تنظيم تدفق الأسلحة، تشير الأدلة إلى وجود فجوة مستمرة بين الخطاب والواقع، لا سيما في حالة صادرات الأسلحة إلى إسرائيل أثناء حرب إبادتها الجماعية ضد سكان قطاع غزة. تهدف هذه المقالة إلى تسليط الضوء على الديناميكيات المعقدة لصادرات الأسلحة، وتوضيح تأثيرها الضار على الأوضاع الإنسانية، وتحديد الدور المحوري الذي يجب أن يلعبه المجتمع المدني في الدعوة إلى التغيير.

إن تأكيدات الحكومة الإسبانية، التي عبّر عنها وزير الخارجية خوسيه مانويل ألباريز، بشأن "الحظر الشامل" على صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، تتناقض بشكل صارخ مع البيانات الواقعية الصادرة عن بوابة التجارة الخارجية الإسبانية "كومكس". يكشف البحث الذي أجراه أليخاندرو بوزو من مركز "DELAS" ونشرته صحيفة "elDiario.es" أن إسبانيا تنشط بتصدير الذخيرة، بما في ذلك القنابل والقنابل اليدوية، إلى إسرائيل بقيمة إجمالية قدرها 987 ألف يورو. وقد ساهمت هذه الصادرات بشكل مباشر في العمليات العسكرية في قطاع غزة، مما أثار مخاوف جدية بشأن التزام إسبانيا بالسلام وتواطئها في دعم إسرائيل.

حالة تصدير الأسلحة إلى إسرائيل خلال عملياتها العسكرية في غزة توضح بشكل صارخ انتهاك معاهدة تجارة الأسلحة، حيث تحظر المادة السادسة من معاهدة تجارة الأسلحة صراحة تصدير الأسلحة التي يمكن أن تسهل انتهاكات القانون الدولي، بما في ذلك الإبادة الجماعية. وبالتالي فإن الصادرات المستمرة من قبل مختلف الدول لا تتعارض مع هذه الاتفاقية الدولية فحسب، بل تورط هذه الدول أيضا في ارتكاب جرائم دولية خطيرة

وبالمثل، فإن تورط البوسنة والهرسك في تجارة الأسلحة مع إسرائيل يجسد جانبا آخر مثيرا للقلق في العلاقات الدولية. ولم تتضاعف الصادرات العسكرية إلى إسرائيل (التي تقدر قيمتها بنحو 1.2 مليون مارك أي 6 ملايين يورو) في أعقاب تصاعد العنف في غزة فحسب، بل لعبت أيضا دورا في تهجير المسلمين الفلسطينيين. وتؤكد السلع المصدرة، بما في ذلك المتفجرات والصواعق، على العلاقة المباشرة بين صادرات الأسلحة وتفاقم الأزمات الإنسانية، وتسلط الضوء على الحاجة الملحة لإعادة تقييم سياسات تجارة الأسلحة العالمية.

من جهتها، فإن النهج الذي تتبعه فرنسا في التعامل مع صادرات الأسلحة يزيد من تعقيد المشهد الأخلاقي. ففي حين تدعي فرنسا رسميا عدم بيع الأسلحة، فإنها تسهل تعزيز القدرات العسكرية من خلال تصدير المكونات "ذات الاستخدام المزدوج" إلى إسرائيل. إن التعاون التاريخي والمستمر في تطوير التقنيات العسكرية، بما في ذلك تقنيات المركبات ذاتية القيادة من قبل شركة داسو مع الشركات الإسرائيلية الناشئة، يوضح الشراكة العميقة التي تغذي اعتداء إسرائيل على غزة بشكل غير مباشر. ولا يؤكد هذا التعاون على تأثير المجمع الصناعي العسكري على العلاقات الدولية فحسب، بل يثير أيضا تساؤلات حول تواطؤ الدول في الصراعات التي تؤدي إلى نزوح السكان المدنيين في غزة وحرمانهم من حقوقهم.

ويبدو أن الولايات المتحدة، التي لا تُفوّت فرصة إلا وتؤكد فيها على أنها ملتزمة بدعم القانون الدولي وحقوق الإنسان، تنتهك "قانون ليهي" الأمريكي من خلال الاستمرار في توريد الأسلحة إلى الكيانات الإسرائلية المتورطة في انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي؛ ليس فقط في غزة بل وفي الضفة الغربية والقدس المحتلة. ولا يشكك هذا الانتهاك في الموقف الأخلاقي للولايات المتحدة على المسرح العالمي فحسب، بل يسلط الضوء أيضا على التناقضات في تطبيق أطرها القانونية الخاصة المصممة لمنع مثل هذه الصادرات.

إن حالة تصدير الأسلحة إلى إسرائيل خلال عملياتها العسكرية في غزة توضح بشكل صارخ انتهاك معاهدة تجارة الأسلحة، حيث تحظر المادة السادسة من معاهدة تجارة الأسلحة صراحة تصدير الأسلحة التي يمكن أن تسهل انتهاكات القانون الدولي، بما في ذلك الإبادة الجماعية. وبالتالي فإن الصادرات المستمرة من قبل مختلف الدول لا تتعارض مع هذه الاتفاقية الدولية فحسب، بل تورط هذه الدول أيضا في ارتكاب جرائم دولية خطيرة؛ أهمها هي المشاركة في عمليات الإبادة الجماعية في قطاع غزة. ولا يجب أن ننسى بأن إصدار محكمة العدل الدولية لقرار التاريخي في القضية المرفوعة من قبل جنوب أفريقيا ضد إسرائيل تؤكد على منع أي تدخل دولي، وتصدير الأسلحة إلى إسرائيل ذلك يعزز من حالة الإبادة الجماعية هناك، وكل أعمال تتنافى مع الأوامر القضائية الصادرة عن محكمة العدل الدولية تعد انتهاكا صارخا للقانون الدولي ومشاركة فعّالة في الجرائم المرتكبة في قطاع غزة.

وترسم هذه الحالات مجتمعة صورة قاتمة لدور تجارة الأسلحة العالمية في تفاقم الأزمات الإنسانية، فهي تكشف عن فشل منهجي في الالتزام بالمعايير والمعاهدات الدولية، مدفوعا بالمصالح الجيوسياسية والمكاسب الاقتصادية. وهذا التنافر بين القيم المعلنة والممارسات الفعلية لا يؤدي إلى إدامة الصراع فحسب، بل يقوّض أيضا الجهود العالمية الرامية إلى تحقيق السلام والأمن وحماية حقوق الإنسان.

وفي هذا السياق، يصبح دور المجتمع المدني بالغ الأهمية، ومع تعثر الحكومات والمؤسسات الدولية في الوفاء بالتزاماتها، يجب على منظمات المجتمع المدني والناشطين والمواطنين المعنيين في جميع أنحاء العالم أن يرقوا إلى مستوى التحدي. ويتطلب الطريق إلى الأمام اتباع نهج متعدد الأوجه، يشمل رفع مستوى الوعي، والدعوة، والإجراءات القانونية، والتعاون الدولي.

وتكتسي مبادرات التوعية أهمية حاسمة في وضع حقائق تجارة الأسلحة في مقدمة الوعي العام. ومن خلال الحملات التثقيفية، والمشاركة الإعلامية، والنشاط على وسائل التواصل الاجتماعي، يستطيع المجتمع المدني تسليط الضوء على الروابط بين صادرات الأسلحة والأزمات الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة وفلسطين، وحشد الرأي العام وتعزيز خطاب أكثر استنارة حول سياسات تجارة الأسلحة الدولية.

وتمثل جهود المناصرة التي تهدف إلى التأثير على السياسات وعمليات صنع القرار وسيلة حاسمة أخرى لمشاركة المجتمع المدني، ومن خلال الضغط على الحكومات، والتعامل مع المشرعين، والمشاركة في المنتديات الدولية، يستطيع المجتمع المدني الدعوة إلى وضع أنظمة صارمة بشأن صادرات الأسلحة، وإنفاذ القوانين والمعاهدات القائمة، وتعزيز الشفافية والمساءلة في تجارة الأسلحة مع دولة محتلة مثل إسرائيل.

تمثل جهود المناصرة التي تهدف إلى التأثير على السياسات وعمليات صنع القرار وسيلة حاسمة أخرى لمشاركة المجتمع المدني، ومن خلال الضغط على الحكومات، والتعامل مع المشرعين، والمشاركة في المنتديات الدولية، يستطيع المجتمع المدني الدعوة إلى وضع أنظمة صارمة بشأن صادرات الأسلحة

كما يشكل الإجراء القانوني أداة قوية في السعي لتحقيق المساءلة والعدالة. يمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تبدأ أو تدعم الطعون القانونية ضد الحكومات والشركات التي تنتهك القوانين والمعاهدات الدولية التي تحكم تجارة الأسلحة. ومن خلال التقاضي الاستراتيجي، من الممكن ليس فقط محاسبة المخالفين، بل أيضا وضع سوابق يمكن أن تردع الانتهاكات المستقبلية للمعايير الدولية.

وأخيرا، يعد التعاون الدولي بين منظمات المجتمع المدني أمرا ضروريا لتضخيم تأثير جهود المناصرة والتوعية والجهود القانونية. ومن خلال تجميع الموارد وتبادل المعرفة وتنسيق الإجراءات، يستطيع المجتمع المدني أن يشكل جبهة موحدة ضد تجارة الأسلحة غير الأخلاقية مع إسرائيل، وتعزيز حركة عالمية ملتزمة بالسلام وحقوق الإنسان.

وفي الختام، فإن الدور الذي تلعبه تجارة الأسلحة مع إسرائيل والدعم الغربي لها يسلط الضوء على التناقض الصارخ في التزام المجتمع الدولي بالسلام وحقوق الإنسان، ومع استمرار الحكومات في إعطاء الأولوية للمصالح الجيوسياسية والمكاسب الاقتصادية على الاعتبارات الأخلاقية، يقع العبء على المجتمع المدني للمطالبة بالتغيير. ومن خلال الجهود المتضافرة في رفع مستوى الوعي، والدعوة، والإجراءات القانونية، والتعاون الدولي، من الممكن تحدي الوضع الراهن، وتعزيز السلوك الأخلاقي في الشؤون الدولية، وتمهيد الطريق لنظام عالمي أكثر سلمية وعدالة.

لقد حان وقت العمل الآن، وتقع المسؤولية على عاتق كل واحد منا للمساهمة في تسليط الضوء على دور صادارت الأسلحة إلى إسرائيل بتفاقم الوضع الإنساني في غزة، ووضع الغرب أمام مسؤولياته في المشاركة بمثل هذه الجرائم.

twitter.com/fatimaaljubour