ساد التفاؤل أجواء المفاوضات التي جرت بين
السعودية وجماعة أنصار الله" (
الحوثيين) برعاية عمانية، حيث يتفق الطرفان على أن تقدما كبيرا حققته هذه الجولة، إلا أن ثمة نقطة خلاف قد تنسف ما تم التوصل إليه من تفاهمات بينهما.
جوهر الخلاف بين الرياض وجماعة الحوثي المدعومة من إيران يكمن في "تفسير الدور السعودي، إذ ترى الجماعة أن السعودية طرف في الصراع وليست وسيطا، بينما تسعى الأخيرة إلى تجاوز هذه النقطة"، وهو أمر يفتح الباب واسعا أمام أسئلة عدة حول مآلات هذا الخلاف.
وبناء على ذلك، فإن مساعي الرياض الأخيرة من الدخول في مفاوضات علنية بعيدا عن الغرف المغلقة، وزيارة وفد منها إلى صنعاء، في وقت سابق من الشهر الحالي، توحي بأنها تحاول إعادة التموضع في معادلة الصراع
اليمني، لتتحول من طرف فيه إلى وسيط.
ويتفق معلقون في الشأن اليمني على أن دور الوسيط من شأنه أن يعفي السعودية من بعض الالتزامات المتعلقة بإعادة الإعمار ودفع التعويضات، ويمكنها من التموضع من جديد في معادلة الصراع في اليمن، ويضعها في موقع قوة لا موقع ضعف".
وبدأ الخلاف هنا جليا بين جماعة الحوثيين والسعودية، خلال زيارة وفد الأخيرة إلى العاصمة صنعاء، في 8 أبريل/ نيسان الجاري، الذي تعرض لهجوم شديد من قيادات في الجماعة.
وقال السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، الذي ترأس الوفد إلى صنعاء، في تغريدة على تويتر: "أزور صنعاء وبحضور وفد من سلطنة عمان الشقيقة؛ بهدف تثبيت الهدنة، ووقف إطلاق النار، ودعم عملية تبادل الأسرى، وبحث سبل الحوار بين المكوّنات اليمنية للوصول إلى حلّ سياسي شامل ومستدام في اليمن".
وأضاف: "وقفت المملكة حكومة وشعباً منذ عقود مع الأشقّاء في اليمن في أحلك الظروف والأزمات السياسية والاقتصادية، ولا تزال الجهود الأخوية مستمرة منذ عام 2011 لتحقيق تطلّعات أبناء اليمن الشقيق بعودة الأمن والاستقرار والازدهار الاقتصادي".
"قائدة العدوان"
فيما رد عضو المجلس السياسي التابع للحوثيين، محمد علي الحوثي، بالقول: "إن الحوار مع السعودية يجري باعتبارها تقود العدوان بعد الولايات المتحدة، وهو قائم على هذا الأساس".
وأضاف الحوثي، وفق ما نقلته قناة "المسيرة" الناطقة باسم الجماعة، أن الحوار لم يبرح الملف الإنساني، وفي مقدمها الرواتب التي ظل قطعها أحد أسلحة التحالف لتدمير الدولة اليمنية ومعاقبة الشعب اليمني.
وفي السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، وعضو اللجنة العامة بحزب المؤتمر الشعبي الحاكم سابقا، عادل الشجاع، أن السعودية تحاول عبثا أن تتنصل من واجبها القانوني في تحمل كلفة إعادة الإعمار في اليمن.
وقال الشجاع في حديث خاص لـ"عربي21": "لذلك تحولت من قائدة للتحالف العربي الذي شن عدوانا على الشعب اليمني رغما عنه إلى وسيط بين الحوثيين ومجلس القيادة الرئاسي الذي انقلبت به على شرعية اليمنيين المتمثلة بالرئيس هادي، المتوافق عليه من قبل اليمنيين، والذي لم تنتقل السلطة من خلاله إلى رئيس منتخب".
وأشار إلى أن إصرار الحوثي على أن تكون السعودية طرفا في الحرب وليس وسيطا، الهدف منه هو الحصول على أكبر قدر من الغنيمة، وتحويل قيمة الإعمار إليه".
وتابع بأنه من مصلحة الحوثي أن تكون السعودية وسيطا؛ لكي يحصل على ثمن قبوله بذلك، ويصبح الطرف المحظي لدى المملكة.
"أقرب لبعض"
وحسب الأكاديمي اليمني، فإن الرياض بالتأكيد ستحصل بالمال على ما تريد، لأنها دائما تشتري مواقف الآخرين بالمال، والحوثي أقرب للسعودية من أي قوى أخرى.
وأردف: "كما أن السعودية أقرب للحوثي من القوى الأخرى، وما تجهله المملكة، أنها مهما دفعت من مال للحوثيين، فإنها ستظل طرفا رئيسيا في الحرب وشريكة لهم في العدوان على الشعب اليمني"، مؤكدا على أن اليمنيين سيلاحقون السعودية والحوثيين على حد سواء أمام المحاكم الدولية، ووفق القانون الدولي.
" لن يكون هناك حل"
من جانبه، قال الكاتب والباحث السياسي اليمني عدنان هاشم، إن السعودية إذا في إقناع الحوثيين بدورها كوسيط وليس طرف في الصراع، فلا أعتقد أنها ستقبل بأي حل مع الحلول مع الجماعة.
وأضاف هاشم خلال حديثه لـ"عربي21" أن الأمر له تبعات متعلقة بالعلاقات الدولية والمستقبل على المدى القريب والبعيد، بما أنها خاضت حرباً في دولة جارة، بغض النظر عن الهدف الذي قدمت من أجله".
وأكد الباحث السياسي اليمني على أن قبول السعودية كوسيط لا طرف في الصراع، يعني أن لا تبعات للحرب على المملكة بموجب المواثيق الدولية.
ويعتقد المتحدث ذاته، أن السعوديين سيستجيبون لمعظم ما يطلبه الحوثيون؛ من أجل يكون دورها وسيطاً، وأن الحل في اليمن جاء بمبادرة منها.
وتوقع الكاتب اليمني أن يوافق الحوثيون على هذا الدور السعودي الجديد، إذ سبق أن وافقوا على دور كهذا في اتفاق ظهران الجنوب -قبل سنوات- رغم أن الاتفاق كان يخص الحدود بين البلدين.
"عقبات عدة"
أما الخبير اليمني في علم الاجتماع السياسي، عبدالكريم غانم، فيؤكد أن الحوثيين يدركون أن السعودية تسعى لإعادة التموضع السياسي في الأزمة اليمنية، لتتحول من كونها طرفا في الصراع إلى وسيط بين الفرقاء اليمنيين.
وقال غانم في حديثه لـ"عربي21" إن هذا المسعى يصطدم بعدة عقبات، أهمها: "السردية التي يقوم عليها الخطاب السياسي للحوثيين بشأن الحرب التي دارت رحاها على مدى 8 سنوات، باعتبارها (عدوانًا سعوديًا)، أو حربا بين اليمن ممثلا بأنصار الله (الحوثيين)، وقوات التحالف بقيادة السعودية.
وتابع بأن تخلي الحوثيين عن هذه السردية لن يتم دون فوائد مجزية، لا سيما أنهم يدركون مغزى حرص السعودية من إعادة توصيف دورها في الأزمة اليمنية، من طرف إلى وسيط، وما يترتب على بقائها كطرف، من تكلفة إعادة إعمار ما دمرته الحرب، بمبالغ قد تصل لعشرات المليارات من الدولارات، إضافة إلى التبعات القانونية للحرب، ودفع تعويضات لما نجم عنها من ضحايا مدنيين وعسكريين، وانهيار اقتصادي وتمزق اجتماعي وسياسي.
وبحسب الخبير اليمني، فإن نجاح الرياض في تجاوز نقطة الخلاف هذه مع "الحوثي" الذي يرون فيها طرفًا في الحرب، وليس وسيطًا كما ترى المملكة، سيتطلب تقديم المزيد من المكاسب للحوثيين، على حساب حق اليمنيين في إعادة بناء ما دمرته الحرب، وحقهم في الحصول على الدعم والعون الإنساني الذي يمكنهم من تجاوز الأزمة بجوانبها المختلفة.
كما سيتطلب ذلك ممارسة السعودية للمزيد من الضغط على الحكومة المعترف بها دوليا، لتقديم المزيد من التنازلات التي تصب في مصلحة الحوثيين، وفق غانم.
ومضى الخبير في علم الاجتماع السياسي قائلا: "وبما أن آلية اتخاذ القرار لدى الحوثيين ليست مرتبطة بمؤسسات الدولة الرسمية، من حكومة ومجلس نواب، فلا يُستبعد أن تنجح السعودية في تجاوز نقطة الخلاف، حول إعادة توصيف دورها في الأزمة، مقابل تحقيق فوائد كبيرة للحوثيين".
إلا إن قبول الحوثيين بذلك -بحسب المتحدث ذاته- سيترتب عليه قبولهم بالحوار اليمني اليمني، والتخلي عن سرديتهم المعتادة، في أحقيتهم باحتكار تمثيل الشعب اليمني.
أين تكمن مشكلة الحوثي؟
ويرى غانم أن المشكلة تكمن في تخلي جماعة الحوثي عن ادعاء تحقيق النصر، وإجبار (العدو السعودي) -وفقا للسردية الحوثية- على الاستسلام، والخضوع للأمر الواقع، والمطالبة بإنهاء الحرب، والدخول في مفاوضات، مضيفا أن هذه السردية تخفف من استياء الأهالي، في مناطق سيطرة الحوثيين، وتهون عليهم ما دفعوه من أثمان باهظة، من أرواح أولادهم وذويهم وممتلكاتهم.
وقال إن قبول الحوثي بإعادة التموضع السياسي للسعودية في الأزمة اليمنية من طرف أساسي إلى مجرد وسيط، يعني التنازل المجاني عن المكاسب التي يترقبها الحوثيون، تحت مُسمى إعادة إعمار، وتعويضات...الخ.
وأردف: فالحوثيون رغم حداثة تجربتهم السياسية، فإنهم في جني الأموال يعرفون من أين تؤكل الكتف.
"ضغوط و مكاسب"
وأوضح خبير علم الاجتماع السياسي أنه يمكن النظر لما تقوم به السعودية من ضغوط متواصلة على حلفائها في اليمن كجزء من الفوائد التي تتقرب بها للحوثيين، لترويضهم على القبول بإعادة تموضع دورها في الأزمة اليمنية.
وبما أن المفاوضات السعودية الحوثية عادةً ما تدور خلف الأبواب المغلقة، ولا يظهر منها للإعلام إلا النذر اليسير، فلم يستبعد المتحدث ذاته أن يحصد الحوثيون مكاسب مالية، يتم تقديمها إما على شكل دعم نقدي أو منح عينية، كمشتقات نفطية أو غيرها، وهو نهج ليس بالجديد في التعامل بين الجانبين.
وأجرى وفدان سعودي وعماني، في وقت سابق من الشهر الحالي، محادثات مع الحوثيين في صنعاء، ضمن المساعي التي تضاعفت مؤخرا، لإحياء عملية السلام في اليمن، بعد التقارب الأخير بين الرياض وطهران.