أثار
انفتاح حزب التجمع
اليمني للإصلاح في محافظة
تعز، جنوب غرب البلاد، على نجل شقيق الرئيس
الراحل علي صالح،
طارق صالح، قائد ما يسمى "المقاومة الوطنية" المدعومة من
الإمارات، الذي زار مركز المحافظة في الأيام الماضية، أسئلة عدة عن دوافع وسر هذا التحول
في موقف الحزب.
ويعد
حزب الإصلاح ( توجه إسلامي) القوة الأكبر والأكثر تنظيما وحضورا في المشهد العام في
مدينة تعز المحاصرة منذ 2015، والتي صمدت في وجه الآلة العسكرية لتحالف الحوثي وصالح -قبل انفراط عقده بمقتل الأخير أواخر 2017-، وتواصل صمودها في مواجهة الضغوط عليها
من أطراف في الحكومة اليمنية المعترف بها، ودول التحالف الذي تقوده السعودية.
وفي
السياق، رحب حزب الإصلاح عبر رئيس الدائرة السياسية للحزب في تعز، أحمد عبد الملك المقرمي،
بزيارة طارق صالح.
"وحدة
الصف"
وقال
المقرمي الذي حضر اللقاء مع نجل شقيق صالح، الأربعاء الماضي، إن "خلافاتنا سياسية
ولها سقف يعقبه اتفاق.. أما من وصفه بـ"عدونا الحوثي"، فيريد أن يستأصلنا فكراً
وثقافة وتاريخاً وحضارة"، مضيفا: "نريد أن يكون هذا اليوم تاريخياً يصنع
لليمن تحريراً كاملاً".
وقال
المقرمي في تصريح آخر بثته قناة "سهيل" المقربة من حزب الإصلاح: "نحن
نعول على مثل هذه الزيارات في وحدة الصف واتحاد الكلمة، ولا نريد أن يتشظى اليمن إلى
مقاطعات ومناطق نفوذ تكون متصلة بشخص ما أو بعضو ما، وإنما نريد أن تكون اليمن كلها
في إطار الجمع والكل والوحدة والاتحاد".
وبحسب
رئيس الدائرة السياسية في حزب الإصلاح في تعز، فإن "مثل هذه الزيارات لأعضاء مجلس
القيادة الرئاسي نريدها أن تعمل بصف واحد وبجهود متلاحمة مع رئيس المجلس، وأن تكون جهود
الجميع في اتجاه تحرير الوطن بشكل عام، وإسقاط مشروع الكهنوت الحوثي المدعوم من إيران".
"تضييق
ونقاط مشتركة"
من جهته،
قال الخبير اليمني في الشؤون الاستراتيجية، علي الذهب، إنه يجب النظر إلى أن حزب الإصلاح
واجه تضييقا شديدا بعد إزاحة الرئيس عبدربه منصور هادي من سدة الحكم، رغم منحه بعض
مراكز النفوذ داخل مجلس القيادة الرئاسي الذي نقلت إليه السلطة من هادي.
وأضاف
الذهب في حديث لـ"عربي21" أنه جرى التضييق على الحزب في محافظتي شبوة وحضرموت،
شرقا، ولذلك، أبدى حالة من التعامل المرن مع هذا المتغير، خصوصا أن تعز واقعة تحت ضغط
المقاومة التي يقودها طارق صالح في منطقة الساحل الغربي من جهة والحوثيين من جهة أخرى.
وأشار
إلى أن صعود طارق صالح إلى مجلس القيادة كان متغيرا أثر على موقف حزب الإصلاح، إذ
بات خاضعا لسلطة من كان يعده أحد خصومه، بعدما بات جزءا من السلطة التنفيذية ممثلة بالمجلس
الرئاسي، فكان واجبا عليه أن ينحو هذا المنحى.
ويرى
الخبير الاستراتيجي اليمني أن هناك نقطة مشتركة تجمع بين حزب الإصلاح ونجل شقيق صالح، تكمن في موقف المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا -المنادي بانفصال جنوب البلاد
عن شماله- من الطرفين.
وأشار
الخبير الذهب إلى أن الانتقالي يبدي عداء واضحا مع الإصلاح، ولديه سجالات كثيرة في
المحافظات الجنوبية التي تمكن من إزاحته إما بالقتل أو النفي أو منع دخول قيادات الحزب
إلى العاصمة عدن ومحافظات أخرى.
وتابع:
أيضا، المجلس الانتقالي يبدي تحفظه الشديد في التعامل مع طارق صالح، ويحاول بناء على
ضغوط إماراتية عمل هدنة بينهما؛ حتى لا يحدث بينهما صدام.
وقال
إن الصدام بين صالح والانتقالي مؤجل"، مؤكدا أنه كان لا بد على نجل شقيق صالح أن يبحث عن شريك قوي على الأرض يتجاوز فيها ضغائن الماضي، ضد المجلس الجنوبي، وهذا
الشريك هو "الإصلاح"، الذي هو شريك في السلطة الحالية.
وأوضح
الذهب أن صالح يتمركز أيضا، في منطقة الساحل الغربي، وهي منطقة متاخمة لنفوذ حزب الإصلاح
في تعز، وكان لا بد من هذا التقارب.
وأردف
قائلا: "وعندما أصبح الرجل عضو مجلس رئاسي، باتت تعز بقوة القانون خاضعة لأي قرار
يمكن أن يصدره، لافتا إلى أن التملص من مثل هذه القرارات والأوامر أو مواجهتها في تعز
سيعتبر تمردا.
وحسب
المتحدث ذاته، فإن كلا الطرفين بحاجة للآخر، سواء في مواجهة الحوثي أو الانتقالي الذي
يعتبر خطرا مؤجلا في المستقبل.
"خيار
لحسم الحرب"
من جانبه،
قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، إن حزب الإصلاح يستند في انفتاحه
على جماعة العميد طارق صالح السياسية على مبدأ الاحترام الكامل للشرعية ومن يمثلها.
وتابع
التميمي في حديثه لـ"عربي21" بأن العلاقة بين الطرفين مرت بأطوار عدائية، وخضعت
في مرحلة تموضع طارق في مدينة المخا بالتكتيك والمناورة والمواجهة الخشنة.
وأضاف
أنه في ذروة التحريض الممول من التحالف والإمارات على القوات العسكرية والأمنية والمقاومة
الشعبية المدافعة عن تعز، والتي لطالما نظر إليها على أنها تعكس نفوذاً طاغياً للإصلاح
رغم الأثمان الباهظة التي دفعها ولا يزال المدافعون عن المدينة، لتبقى حاضرة المحافظة
بعيدة عن سيطرة الحوثيين.
وأشار
الكاتب التميمي: "لقد جاء العميد طارق إلى تعز كعضو مجلس قيادة رئاسي، واستقبل
على هذا الأساس". لكنه قال إن الرجل جاء ليحمل معه هدية ثمينة من الإمارات، وهو
مشروع مياه لمدينة تعز، التي هي في أمس الحاجة إليه، ليشكل مع مطار المخا والطرق الموصلة
إليه خدمة مهمة من الخدمات التي تعيد صياغة العلاقة الموتورة بين المحافظة والإمارات.
ورأى
السياسي اليمني أن انفتاح الإصلاح على التركة السياسية لعلي عبد الله صالح لطالما
اعتمد كخيار أساسي للحسم مع الحوثيين، إلا أنه جاء بعد بلوغ العلاقة مع التحالف مرحلة
متقدمة من التأزم.
وقال:
"وكان الأمر يتوقف في الأساس على مدى استعداد جماعة صالح السياسية للتعامل مع
قوى فبراير (في إشارة إلى قوى ثورة 11 فبراير ضد نظام صالح 2011) كشركاء وطنيين، معنيين
بإعادة فرض المشروع الوطني الجمهوري وحمايته".
وخلال
زيارته الأربعاء الماضي إلى مدينة تعز، قال طارق صالح في كلمة له، إن الجميع أخطأ،
ومن لم يعترف بأخطائه فهو مخطئ، فيما يبدو أنه اعتراف بخطأ مشاركته في التحالف مع الحوثي
الذي ارتكب أبشع الجرائم ضد سكان هذه المحافظة، وفق مراقبين.
وأكد
صالح على أن المعركة واحدة ضد الحوثي الذي يراهن على زرع الفتن بيننا، وفق تعبيره.
وتكتسي
محافظة تعز أهمية استراتيجية، فهي تحتل الركن الجنوبي الغربي من اليمن، وتهيمن على
مضيق باب المندب وعلى الجانب اليمني من جنوب البحر الأحمر، في وقت ما تزال محاصرة من
قبل الحوثيين من معظم منافذها منذ مطلع 2015، ما تسبب في تدهور أكبر للوضع الإنساني
والصحي، وفق تقارير حكومية وحقوقية.