أثارت
زيارة عضو مجلس القيادة الرئاسي،
طارق صالح، قائد ما تسمى "المقاومة الوطنية"
في الساحل الغربي من
اليمن المدعومة من الإمارات، إلى محافظة
تعز (جنوب غرب) في الأيام
الماضية، أسئلة عدة حول أهمية ودلالات هذه الزيارة.
وتأتي
الزيارة في وقت لا تزال المحافظة الأكثر كثافة سكانية في البلاد، مثقلة بجراحات الحرب
التي كان نجل شقيق صالح، طارق، شريكا بارزا مع جماعة الحوثي فيها على مدى سنوات من
التحالف بينهما، قبل انفراط عقده أواخر العام 2017، كما يقول مراقبون.
وقال
طارق صالح في كلمة له في الزيارة، إن الجميع أخطأ، ومن لم يعترف بأخطائه فهو مخطئ،
مضيفا أنه شعر بدفء تعز منذ وصوله.
وأكد
نجل شقيق صالح على أن "المعركة واحدة ضد الحوثي الذي يراهن على زرع الفتن بيننا"،
وفق تعبيره.
"أهمية
وثقل تعز"
وفي
السياق، قال الخبير وأستاذ علم الاجتماع السياسي اليمني، عبدالكريم غانم، إنه من المؤكد
أن محافظة تعز بما تمثله من توق للتغيير، وسعي لتعميق الوحدة الوطنية، واستعادة الدولة،
لا تقف ضد أشخاص بل ضد مشاريع سياسية.
وأضاف
غانم في حديث لـ"عربي21": "طارق صالح الذي كان قبل كانون الأول/ ديسمبر
2017 جزءٌ من مشروع القوى المتحالفة مع الحوثي لم يعد كذلك اليوم".
وأشار
إلى أن الزيارة تأتي في وقت يُعوًّل على المجلس الرئاسي في استكمال مهام توحيد التشكيلات
العسكرية، المناهضة لمشروع الحوثي، والاستعداد لما هو محتمل من معارك متوقعة، في حال
فشلت جهود المفاوضات غير المباشرة في مسقط في إحلال السلام والتوصل لحل شامل، وهو ما
يترقبه أبناء تعز لإنهاء معاناتهم المستمرة جراء الحصار منذ أكثر من سبع سنوات.
وتابع
الخبير اليمني بأنه يستحيل حسم المعركة ضد الحوثيين وفك الحصار عن مدينة تعز من دون
الوحدة بين صفوف المقاومة، الأمر الذي يجعل من زيارة طارق صالح "بارقة أمل في
توحيد الصفوف، بعد أن كادت المناطق المحررة أن تتحول إلى كانتونات معزولة عن بعضها
البعض".
كما أن تعز المدينة المحرومة من الخدمات الأساسية،
والتي تعرضت للتهميش، وكانت الأقل حظًا في سُلم اهتمامات الحكومة تتوقع أن في جعبة
طارق صالح، المدعوم من الإمارات، ما يمكن أن يسهم في تخفيف معاناة سكانها، على غرار
ما حظيت به المخا من مشاريع، حسبما ذكره غانم.
وقال
أستاذ علم الاجتماع السياسي اليمني إن لمحافظة تعز ذات الثقل السكاني أهمية اقتصادية
للمخا التي صارت تتمتع بمطار إلى جانب مينائها الاستراتيجي، مؤكدا أنه من دون فتح جسور
التواصل يفقد الميناء والمطار أهميتهما.
ومما
يعزز البعد الاقتصادي لهذه الزيارة، وفقا للأكاديمي اليمني، "ما يقوم به طارق
صالح من شق للطرق التي تصل مدينة المخا بالمديريات المجاورة".
كما
لفت إلى أن أهمية تعز بالنسبة لمدينة المخا ( تتبع إداريا المحافظة ذاتها) ليست
اقتصادية فقط، بل لها أهمية عسكرية، كونها تحيط بالساحل الذي تتمركز فيه قوات طارق
من جهتي الجنوب والشرق.
وأردف
قائلا: "فمن شأن مد جسور التواصل مع تعز تأمين خطوط إمداد القوات المتمركزة هناك
بالمقاتلين، وعلى الرغم من اختلاف الفصائل العسكرية الموالية للإمارات عن التشكيلات
العسكرية الموالية للحكومة اليمنية المدعومة من السعودية، إلا إن طارق صالح، الذي خالف
التوقعات بزيارة لمدينة تعز، الواقعة تحت سيطرة محور تعز العسكري، المحسوب على التجمع
اليمني للإصلاح، قد نجح إلى حد ما في فتح قنوات تواصل قد تتطور إلى تنسيق عسكري".
واستمر:
"فهذا التحرك يأتي تحسبًا لفشل المفاوضات الجارية بين السعودية والحوثيين في مسقط،
والتي تنذر بانسداد فرص الحل السلمي".
وبحسب
الخبير والأكاديمي في علم الاجتماع السياسي فإن فشل المفاوضات، تتطلب التأهب لاحتمالات
خوض صراع مسلح قد تشنه قوات الحوثي، موضحا أنه من المهم أن تجد قوات المقاومة الوطنية
في الساحل الغربي الدعم والإسناد من قوات محور تعز، ومن المخزون السكاني الهائل في
هذه المحافظة التي يناهض معظم سكانها المشروع الحوثي.
"ترتيبات
سعودية"
من جانبه،
كشف مصدر عسكري مسؤول في الجيش اليمني أن ما يحصل في تعز له علاقة بما يجري في العاصمة
المؤقتة عدن، جنوبا، ومحافظة مأرب، شرقا، وأرخبيل سقطرى ( الواقع في المحيط الهندي
قبالة سواحل اليمن الجنوبية).
وقال
في تصريح لـ"عربي21" طلب عدم كشف هويته، إن زيارة طارق صالح إلى تعز، تزامنت
مع عودة محافظ سقطرى السابق، رمزي محروس إلى الجزيرة ـ بعد سنوات من مغادرته عقب انقلاب
ميليشيات المجلس الانتقالي بدعم إماراتي عليه في العام 2020 ـ إضافة إلى ترتيبات أخرى
منها عودة "لعكب" ( قائد قوات الأمن الخاصة المقال في شبوة، شرقا)، مؤكدا
أن كل ذلك يأتي في سياق ترتيب ولملمة الشتات السعودي في المناطق المحررة.
وأشار
المصدر إلى أن الرياض ربما تريد أن تنتهي من عبئ الملف اليمني المرهق لها ولخزينتها،
مؤكدا أن دخول طارق صالح إلى مدينة تعز، كانت مع عدنان رزيق، قائد اللواء الخامس (حرس
رئاسي)، المقرب جدا من السعودية.
وقال
المصدر العسكري المسؤول إن رزيق، هو العراب الحقيقي لهذه الزيارة.
وتابع
بأن المملكة ربما أدركت عبث الإمارات ومحاولاتها الاستئثار بالجنوب، ودفعها ذلك إلى
أن تعيد حسابات كثيرة لها.
ولفت
المصدر إلى أن أبوظبي تلقت صفعات عدة منذ أشهر، بدءا بمحافظة حضرموت، شرقا، بإعلان
الدولة الكثيرية بدعم سعودي، ومرورا بقرار تشكيل قوات "درع الوطن" من قبل
رئيس مجلس القيادة الرئاسي.
"وجهان
للزيارة"
من جهته، قال الكاتب والباحث اليمني مصطفى ناجي، إن زيارة عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح إلى تعز، أحيت المناخ السياسي في هذه
المحافظة التي باتت علي قيد النسيان السياسي، بينما لم تنسها المواجع والآلام والمعاناة
سيما والحوثي اختارها كمكان مفضّل لخرق الهدنة والتزامات التهدئة والتنكيل بأطفالها
قنصا وتفجيرا.
وأضاف
ناجي في منشور له عبر صفحته بموقع "فيسبوك"، السبت: "لقد أًهملت تعز
من سلم أولويات التشاور والمفاوضات طيلة سنوات الحرب ولولا جهود نواة الجيش والمقاومة
لما تحقق لتعز المدينة أن تعتق رقبتها من ظلامية الحوثي وهمجيته".
ويمكن
قراءة زيارة طارق صالح إلى مدينة تعز، وفقا للباحث اليمني، على وجهين، الأول أن طارق
جاء يتوسل تعز لإدراكه لأهميتها في المشهد اليمني وأهميتها له شخصيا في مشروعه العسكري
السياسي.
أما
الوجه الثاني، فيؤكد أنه يكمن في أن الزيارة تكليل لهيمنة طارق صالح على جنوب غرب اليمن،
وتشكيل منطقة نفوذ من البحر إلى الجبل ونهاية سيطرة الإصلاح وطمس 11 فبراير (الثورة
التي اندلعت في العام 2011 ضد نظام صالح).
كما
أعتبر أن زيارة نجل شقيق صالح إلى تعز بأنها خطوة شجاعة وتحسب له، لكنه يرى أنها تأتي
على حساب الرئيس (رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي) ورئيس الوزراء ( معين عبدالملك)،
في عيون تعز.. وإن كان الرجل قد أعلن حضوره باسم المجلس وباسم رئيس المجلس.
فيما
استدرك الكاتب والباحث اليمني قائلا: "لكن طارق صالح، مدين بالاعتذار لتعز، لأنه كان شريكاً في أشد لحظات
وحشية الحوثي عليها لحظة تحالف حوثي صالحي تعامل مع المدنيين بإجرام مفتوح".
وتحظى
محافظة تعز، بأهمية استراتيجية، فهي تحتل الركن الجنوبي الغربي من اليمن وتهيمن على
مضيق باب المندب وعلى الجانب اليمني من جنوب البحر الأحمر، في وقت يحاصرها الحوثيون
من معظم منافذها منذ مطلع 2015، ما تسبب في تدهور أكبر للوضع الإنساني والصحي، وفق
تقارير حكومية وحقوقية.