ملفات وتقارير

ما حقيقة اتساع ظاهرة الانتحار بمصر ووجود مروجين لها؟

مصر هي الأولى في عدد حالات الانتحار بقارتي آسيا وأفريقيا خلال 2016- CC0

في أقل من أسبوع، شهدت مصر 13 حالة انتحار، عشرة منهم فارقوا الحياة في الحال، وثلاثة تم إنقاذهم، ليزيد عدد المنتحرين منذ بداية شهر كانون الأول/ ديسمبر الجاري إلى 14 حالة، كان أبرزهم طالب كلية الهندسة، نادر طوسون، الذي ألقى بنفسه من أعلى برج القاهرة.


وفي آخر حالة شهدتها مصر، نشر الموسيقي الشاب، وأحد أعضاء فرقة "إستبينا" الموسيقية العازف محمود محمد، صورته عبر حسابه الخاص بـ "فيسبوك" وهو ملقى على الأرض، وكتب: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، يارب سامحني"، واستطاع أصدقاء محمود إنقاذه في اللحظات الأخيرة.


وقبل ساعات من محاولة انتحار الموسيقي الشاب، شهد السبت حالتي انتحار لسيدتين، الأولى تبلغ من العمر 54 عاما ألقت بنفسها من الطابق السادس بمحافظة الإسكندرية، والثانية في العقد الخامس من عمرها، ألقت بنفسها من شرفة شقتها بالطابق الثالث، بحي العجوزة بمحافظة الجيزة.


وفي ذات اليوم، انتحر شاب في المرحلة الثانوية بحي بولاق الدكرور بمحافظة الجيزة، عن طريق شنق نفسه بالمروحة المعلقة بسقف غرفته، وفي محافظة أسوان أنقذ الأهالي أمين شرطة حاول الانتحار بحرق نفسه، ونفى مصدر أمني الأنباء التي تداولها أهالي محافظة الشرقية عن انتحار ضابط شرطة داخل قسم شرطة مركز بلبيس، بإطلاق الرصاص على نفسه من سلاحه.

 

اقرأ أيضا: "#الانتحار منتشر بسبب".. السيسي ونظامه أبرز المسببات

 

ويعد الجمعة الماضي هو الأكثر في حالات الانتحار التي تشهدها مصر، حيث لقيت ربة منزل بمحافظة الشرقية حتفها، بعد قيامها بشنق نفسها، كما أقدمت ربة منزل أخرى بمحافظة المنوفية على الانتحار بتناول ثلاثة أقراص سامة تستخدم في حفظ الغلال، وبنفس الطريقة لقيت طالبة في الصف الثاني الثانوي مصرعها بمحافظة البحيرة، ولقي موظف بمحافظة كفر الشيخ مصرعه، لتناوله عقارا ساما، وانتحر شاب بمدينة حلوان بالقاهرة، الخميس الماضي، بإلقاء نفسه من الطابق العاشر، بسبب مروره بضائقة مادية.


وطبقا لتقرير منظمة الصحة العالمية في أيلول/ سبتمبر 2019، فإن مصر هي الأولى في عدد حالات الانتحار بقارتي آسيا وأفريقيا، إذ بلغ فيها عدد حالات الانتحار 3799 خلال عام 2016، وسجلت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، أكثر من 150 حالة انتحار منذ بداية العام الجاري فقط.


وكانت والدة طالب الهندسة نادر طوسون، الذي انتحر قبل أيام من أعلى برج القاهرة، كشفت أن نجلها انتحر بسبب انضمامه لجمعية على شبكة الإنترنت تسمى "جمعية المنتحرين"، تقوم بتشجيع الشباب على التخلص من حياتهم بعدة وسائل منها "السم والغاز والقفز من أماكن عالية، مثل البرج والبنايات المرتفعة"، وأنها تستغل حالة الإحباط التي يعاني منها البعض، في دعوتهم للخلاص من حياتهم مع وعدهم بالجنة والنعيم في الآخرة.

تشجيع الانتحار


وعن حقيقة هذه الجمعية، يؤكد الخبير النفسي والباحث السابق بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، وائل السويفي لـ"عربي21"، أنه قام بالبحث بالفعل عن الجمعية ونشاطها على شبكة الإنترنت، وقد وجد واحدة تحمل هذا الاسم، ولكنها مهتمة بمواجهة حالات الانتحار، بينما كانت صفحات أخرى سرية، تحمل نفس الاسم.

وأوضح أن هذه الجمعية "كانت تقدم بالفعل العون لكل من يرغب في الانتحار لإنهاء حياته بدون تردد، ولكنها أغلقت حسابها، بعد تزايد الحديث عنها على خلفية ما ذكرته والدة الطالب طوسون".

ويرى الخبير النفسي أن هذه الجمعيات هي "تطور لمنظمات وجمعيات أخرى عرفها المجتمع المصري خلال العشرين عاما الماضية، منها عبدة الشيطان، ودعاة الماسونية، ومجموعات الإلحاد، وغيرها، ولكن الخطر هذه المرة، أن جمعيات المنتحرين، ربما تجد منضمين لها بسهولة، في ظل تزايد الضغوط النفسية على المجتمع المصري، وخاصة فئة الشباب".

 

اقرأ أيضا: مخرج مصري فكر بالانتحار والسبب فنانة مشهورة

ووفق الخبير النفسي، فإن "تزايد معدلات الانتحار في مصر، له أكثر من سبب، أبرزها الحالة الاقتصادية والاكتئاب الذي أصاب المصريين، خلال السنوات الماضية، وفقدان الأمل في أي تغيير حياتي على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي يمكن أن يحدث على المدى القريب، ما يجعل المصريين عرضة فعلا لمثل هذه الجمعيات المشبوهة".


ويشير السويفي إلى أن "المنتحرين يشجعون بعضهم البعض، لأن المنتحر يكسر حاجز الصمت والخوف، وبالتالي فإن نجاح حالة يمكن أن يجر غيرها، وهو ما يبرر تشابه حالات الانتحار خلال الأيام الماضية وانحصارها في ثلاثة أساليب، وهي السم أو القفز من أماكن مرتفعة أو الحرق".

مسؤولية النظام


ويحمل البرلماني المصري السابق، طارق مرسي في حديثه لـ "عربي21"، نظام الانقلاب العسكري برئاسة عبد الفتاح السيسي، جزءا كبيرا من المسؤولية عن تزايد معدلات الانتحار، بين مختلف فئات الشعب المصري، موضحا أنه بكتابة كلمة "الانتحار في مصر" على أي محرك بحث بشبكة الإنترنت، ستكون النتيجة مفجعة بشكل كبير.


وحسب مرسي، فإن الانغلاق السياسي، والكبت الذي يعيشه المجتمع، وتزايد القبضة الأمنية، أدى لتراجع كل معدلات الاقتصاد والأمن المجتمعي، وهو ما كان له تأثير مباشر على الحالة النفسية لعموم المصريين، الذين أصبح معظمهم زبائن دائمين في المحاكم بسبب المشاكل التي يعانونها، وفي المستشفيات بسبب الأمراض التي أصابتهم.


وانتقد البرلماني السابق تعامل أجهزة النظام العسكري، مع تزايد الانتحار، ومحاولتهم التقليل من أسبابها، وعدم الاعتراف بأن طريقة إدارته للدولة جزء من المشكلة، مستدلا بمحاولات النظام البحث عن شماعة لتعليق فشله عليها، مثل الشائعات التي توجه ضده، وتعرضه لحروب الجيل الرابع والخامس.