قضايا وآراء

ثورة الجامعات.. علاقة أمريكا وإسرائيل على المحك

ماهر حجازي
كيف سينعكس اتساع نطاق الاحتجاجات الطلابية على السياسة الأمريكية؟- الأناضول
كيف سينعكس اتساع نطاق الاحتجاجات الطلابية على السياسة الأمريكية؟- الأناضول
ما تشهده الجامعات الأمريكية من حراكات واعتصامات واحتجاجات ضد سياسة الرئيس بايدن في دعم الاحتلال الإسرائيلي سياسيا وعسكريا في حرب الإبادة التي يشنها ضد قطاع غزة، أقل ما يقال عنها بأنها ثورة طلابية أمريكية ضد سياسة الولايات المتحدة المتجذرة تاريخيا في دعم الاحتلال الإسرائيلي.

بكل تأكيد لم تأت هذه التحركات الطلابية فقط نتاجا طبيعيا في رفض هذه الشريحة المهمة والحيوية داخل المجتمع الأمريكي لحرب الإبادة الإسرائيلية ضد سكان قطاع غزة، بل تأتي في سياق تطور الوعي الأمريكي لشرائح متعددة منها شريحة الشباب بأنه قد حان الوقت لضبط السياسة الأمريكية المتعاقبة على رئاسة البيت الأبيض سواء من الديمقراطيين أو الجمهوريين فيما يتعلق بدعم "إسرائيل".

من المؤكد أيضا فإن حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال ضد قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والمشاهد المروعة والمجازر والمقابر الجماعية وتدمير المشافي والبنى التحتية وكافة نواحي الحياة في قطاع غزة، شكلت عاملا مباشرا في تفجير هذا الحراك الطلابي المهم والمتصاعد في أمريكا جراء شعورهم بمسؤوليتها في هذه الجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.

انتفاضة الجامعات الأمريكية في هذه الآونة تقرأ في إطار تطور موقف شعبي أمريكي من شريحة الشباب على وجه التحديد، ليس في وجه الدعم الأمريكي للاحتلال الإسرائيلي وإنما كما أسلفت ضد سياسة الولايات المتحدة الامريكية مع الاحتلال منذ تأسيسه عام 1948 بعد تهجير الشعب الفلسطيني عن أرضه ووطنه
بالتالي نتحدث عن تصاعد في الحراك الشعبي داخل الولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية العدوان الإسرائيلي ضد قطاع غزة، ونرصد مواقف سياسية ورسمية وشعبية ترفض سياسة الرئيس بايدن في دعم الاحتلال الإسرائيلي رغم الخلاف الذي يبدو جليا بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو؛ ليس على العدوان بحد ذاته وإنما حول شكله، بمعنى اقتل أيها الاحتلال لكن اعرف كيف تقتل.

انتفاضة الجامعات الأمريكية في هذه الآونة تقرأ في إطار تطور موقف شعبي أمريكي من شريحة الشباب على وجه التحديد، ليس في وجه الدعم الأمريكي للاحتلال الإسرائيلي وإنما كما أسلفت ضد سياسة الولايات المتحدة الامريكية مع الاحتلال منذ تأسيسه عام 1948 بعد تهجير الشعب الفلسطيني عن أرضه ووطنه.

بالتالي هذا الحراك الطلابي الأمريكي المهم هو صاحب تأثير على بُعدين؛ الأول على المدى البعيد فيما يتعلق بالسياسات الأمريكية تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بمعنى إحداث تغيير في المنظور القادم لصالح القضية والحق الفلسطيني في السياسات الأمريكية لمن سيقود البيت الأبيض في السنوات القادمة، فالعلاقات الأمريكية الإسرائيلية بعد هذا العدوان على المحك فعليا، ولن تكون هذه العلاقات كما كانت.

أما البعد الثاني فهو التأثير في الوقت الحالي من خلال تشكيل ضغط على صانع القرار في الولايات المتحدة للعمل بشكل جاد على وقف العدوان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، والسعي لحل سياسي يمنح الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة وفي مقدمتها حق تحقيق المصير.

هذا الحراك الطلابي المتصاعد يشكل اليوم نموذجا لحراك ممتد من الولايات المتحدة الأمريكية إلى بريطانيا والعديد من الدول الأوروبية، التي بدأت باعتصامات مشابهة في جامعات ومراكز علمية، وبالتالي نتحدث عن حراك طلابي عالمي يحدث ضغطا في البعد الدولي على حكومات هذه الدول التي تجد نفسها أمام حراك يؤثر بشكل مباشر داخليا في هذه الدول، ويعطل المسيرة التعليمية، ويشكل ضغطا شعبيا وسياسيا وأمنيا على الحكومات للتحرك لوضع حد لجرائم الإبادة الإسرائيلية من جهة، ومن جهة أخرى ستدرك هذه الحكومات حجم الضرر الواقع عليها من جراء العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي إن كانت قائمة على دعمه المطلق.

لذلك فإن حجم التأثير للحراك الطلابي في الجامعات الأمريكية أوصل رسالته في أن إدارة بايدن جزء من العدوان على الشعب الفلسطيني، وهذا يفهم من اتهامات بايدن وإدارته لهذا الحراك بأنه معاد للسامية، كما إن اعتقال المئات من هؤلاء الطلاب يشير أيضا إلى نجاعة هذه التحركات.

وفي هذا الإطار تأتي قرارات عدد من المدعيين العامين في المقاطعات الأمريكية بإسقاط التهم عنهم بالاعتداء على ممتلكات الغير، كذلك مشاركة طلاب يهود في هذه الاعتصامات الطلابية، دليلا إضافيا على مصداقية هذا التحرك، وضربة للادعاءات الأمريكية وحتى الإسرائيلية بأنه معاد للسامية.

ثورة شبابية طلابية في الجامعات الامريكية مدعومة بهيئات تدريسية في هذه الجامعات، ترسم ملامح المستقبل للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية والتي ستحددها موقع القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني من هذه العلاقة
كما أن ظهور رئيس حكومة الحرب الإسرائيلية المتطرف نتنياهو متحدثا عن إدانته ورفضه لحراك الطلاب في الجامعات الامريكية، مرتجفا عابسا، هو أيضا دليل على أن هذه التحركات تشكل خطرا حقيقيا على مستقبل العلاقة بين أمريكيا وإسرائيل، كون أن هذه الشريحة الشبابية الأمريكية هي التي سترسم مستقبل هذه العلاقة.

ولم يعد خافيا وفق الاحصائيات الصادرة عن مراكز الأبحاث الأمريكية والتي تتحدث عن تراجع شعبية الرئيس بايدن بين شريحة الشباب الأمريكي، وما يجري اليوم من تحرك الطلاب في الجامعات الأمريكية رفضا لسياسة بايدن في دعم الاحتلال يؤكد بوضوح نتائج هذه الإحصائيات.

في هذه المرحلة من المهم أن يتحول الحراك الداعم لفلسطين في الجامعات الامريكية إلى حراك دولي في إطار الجامعات والمراكز العلمية، ونتائج هذا الحراك بدأت بالبروز في دول أوروبية مختلفة، ولا بد من أن يصل إلى الجامعات الإسلامية والعربية والغربية، لتشكيل قوة ضغط ثورية على الحكومات والأنظمة تفضي إلى وقف العدوان الإسرائيلي ضد قطاع غزة كمرحلة أولى، ومن ثم العمل على أن ينال الشعب الفلسطيني حقوقه كافة.

إذا هي ثورة شبابية طلابية في الجامعات الامريكية مدعومة بهيئات تدريسية في هذه الجامعات، ترسم ملامح المستقبل للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية والتي ستحددها موقع القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني من هذه العلاقة، وهي معادلة يمكن إسقاطها على علاقات الاحتلال مع دول أخرى.
التعليقات (0)