قضايا وآراء

مبادرة الإخوان في مصر.. ومعارضة الخارج

1300x600

بمناسبة مرور ثمانية أعوام على الثورة المصرية، أطلقت جماعة الإخوان المسلمين يوم الأحد الموافق 27 من كانون الثاني (يناير) 2019، مبادرة وجهتها لمن أسمتهم، "رفقاء الثورة"، أوضحت فيها مجموعة من الأهداف المشتركة لدى المعارضين لتوحيد جهودهم.
 
ودعت الجماعة في هذه المبادرة إلى "إقامة كيان مصري واحد للمعارضة في الخارج لا يلغي الأحزاب والقوى والهيئات العاملة التي استنكرت الانقلاب العسكري في تموز(يوليو) 2013، عقب وقوعه".

وأوضحت شكل الكيان الموحد الذي طالبت بتأسيسه، بأن يتكون من 30 عضوًا يمثل هيئة تأسيسية في الخارج بالتوافق مع كل قوى الثورة، على أن تكون القيادة لثلاثة من القضاة خارج مصر، ويختاروا من بينهم رئيسًا منهم ليكونوا قيادة للهيئة التأسيسية، وتنتهي مهمتهم بانتهاء عمل الهيئة.
  
وأوضحت الجماعة أنه سيتم "تكوين أمانة عامة للهيئة التأسيسية من بين أعضائها يحق لها الاستعانة بغيرهم من خارجها لمعاونتهم في أداء مهامها"، وحددت أن "تكون مدة عمل الهيئة التأسيسية 6 أشهر على أقصى تقدير، ويمكن بقرار منها تجديد عملها لمدة شهرين آخرين".

 

إقرأ أيضا: مبادرة من الإخوان لـ"رفقاء الثورة" في الذكرى الثامنة لثورة يناير

ومن الأهداف التي ذكرتها الجماعة في تلك المبادرة: 
 
تحرير مصر من مقولة، تعمل بمقتضاها القوى الإقليمية والعالمية، بأن حاكم مصر يجب أن يكون عسكريًا، وكما يقولون بلا خفاء أنه أطوع عندهم من غيره.

وتحرير مصر من سيطرة أية قوة فيها على مقدرات الشعب وعلى حريته خارج إطار الدستور والقانون والذي تعبر عنه كلمات مدير أمن محافظ البحيرة أثناء اشتعال ثورة 25 يناير على الهواء مباشرة "احنا أسياد البلد".. ثم ما قاله قائد الانقلاب الغادر نفسه بأنه لن يحاسب أي ضابط يقتل أي مواطن!!

وتحرير إرادة الشعب المصري من الأغلال التي طوق بها رقبته، الحكم العسكري، بقوانين الطوارئ وغيره من القوانين الاستثنائية وكذلك الأنظمة البديلة مثل النظام القضائي الموازي، وإحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية.

وتحرير الحرائر والأحرار في سجون ومعتقلات النظام العسكري ورفع المظالم الواقعة على الشعب.

وتخليص رئاسة البلاد من حكم الممثل الفاشي الجديد، وإعادتها إلى من أتى به الشعب المصري صاحب الحق الأصيل في انتخابات حرة وشريفة، وإعادة كافة حقوقه المغتصبة ومكتسباته.

 

وغير ذلك من أهداف ثورة 25 يناير في العيش والحرية والعدالة الاجتماع والكرامة الإنسانية والتي هي حق مطلق للشعب المصري.

ملاحظات على مبادرة الإخوان

أقول على الرغم من أهمية هذا الطرح وحاجة مصر إلى تكاتف الجميع في الداخل والخارج لإنقاذها من براثن العسكر وممارسات السيسي، التي أودت بكل آمال وطموحات الشعب المصري، وأهدرت كل مقدراته، إلا أنه كان يجب على الإخوان قبل إعلان هذه المبادرة فعل الآتي:

أولًا: التواصل مع كل القوى في الداخل والخارج لتهيئة الأجواء لطرح مثل هذه المبادرات قبل تقديمها في الإعلام، حتى يكون لها التأثير الأكبر، وتتفاعل معها باقي القوى بالشكل المطلوب، ولا تنضم إلى أخواتها من المبادرات السابقة، ثم بعد ذلك تُصبح من الماضي.

 

إقرأ أيضا: هل تريد قيادات الإخوان الاصطفاف الوطني؟!!

ثانيًا: كان الأولى الترتيب لمؤتمر جامع للمعارضة خارج مصر للتوافق على بنود هذه المبادرة، ومحاولة معالجة الإشكاليات التي تعترض التقارب بين القوى والتيارات السياسية الموجودة في الخارج، حيث جرت مياه كثيرة في نهر المعارضة، وتغيرت الأحوال عمّا كانت عليه في ثورة يناير.

ثالثًا: على الإخوان رأب الصدع، ولم الشمل، وإجراء مصالحة داخلية بين أفرادها، لتقوية بنيانها، لأن المتابع لواقع الإخوان الآن يرى وجود انقسامات داخلية، وخلافات بين أفرادها، زادت من إضعافها، وقللت من وحدتها.

 

فصائل المعارضة المصرية في الخارج بكل أطيافها وأصنافها تشهد، في الغالب، ضعفًا عامًا أصاب مفاصلها وأعضاءها وشلّ حركتها، ولم تعد قادرة على أداء الدور المنوط بها


رابعًا: لابد من حل إشكالية اهتزاز الثقة مع القوى السياسية الأخرى، فغالب هذه القوى ليست لديها الثقة الكافية في ممارسات الإخوان، بمن فيهم بعض الإسلاميين، وهذه المعضلة يمكن حلها بالتواصل المباشر، ووضع ضمانات يتوافق عليه الجميع.

خامسًا: تطبيق ما ورد في بيان الجماعة بتاريخ 18 من آب/ أغسطس 2018، حيث قالت: "إننا نؤمن بأن مراجعة النفس واجب كل جماعة وفصيل، وهي حق للوطن على الجميع، وتعد نقطة الانطلاق لأي تصحيح، كما تمثل قاطرة الإصلاح المنشود"، ومن ثمّ أدعو الإخوان إلى عقد مؤتمر عام تطرح فيه رؤيتها للمراجعة والتصحيح.

أداء المعارضة المصرية في الخارج

أعتقد أن باقي فصائل المعارضة المصرية في الخارج بكل أطيافها وأصنافها تشهد، في الغالب، ضعفًا عامًا أصاب مفاصلها وأعضاءها وشلّ حركتها، ولم تعد قادرة على أداء الدور المنوط بها، وتمثّل ذلك في التالي:

أولًا: غياب الرؤية الجامعة؛ التي يتوافق عليها الجميع، وكل من ينادي بإزاحة النظام الاستبدادي الذي جثم على صدر مصر لعشرات السنين، ويزداد كبرًا واستعلاءً، طالما الأمور تسير بنفس الوتيرة، وهذا التفكك الملحوظ. فالمشهد مضطرب ويفتقد إلى المشروع، وإلى الرؤية الواضحة، وما هو مطروح أرى أنه جهد متواضع لما يجب أن يكون، وبقدر غياب هذه الرؤية وعدم الاجتماع عليها، بقدر تغطرس النظام الاستبدادي وانتفاشه، وسطوته وتمكُّنه من مجريات الأمور في الداخل والخارج، وخصوصًا أنه يجد له أعوانًا على المستوى الإقليمي والدولي.

ثانيًا: عدم الوعي بطبيعة التحديات التي تواجهها المنطقة العربية، وفي القلب منها مصر؛ فنجد أن العديد من المعارضين، إلا من رحم، منشغل بقضايا فرعية، لا يمكن أن تفيد بشكل من الأشكال في حلحلة نظام مستبد يجد من يعاونه ويسانده، فلم يعد هناك من يُشخِّص الواقع، ولا من يستشرف المستقبل، بشكل يتلاءم مع قدر وعِظم التحديات التي تواجه المنطقة، من السعي الحثيث لتقسيمها، وإضعافها لكي تكون لقمة سائغة للعدو الصهيوني.

 

على كل القوى والتكتلات السياسية والشبابية والإسلامية بكل أطيافها في الداخل والخارج انتهاز الفرصة للتقارب فيما بينها وتناسي الخلافات


ثالثًا: حالة التشهي إلى التفكك والانقسام؛ فالغالب في السياق العام أنه حينما يتشكل تكتل أو مجموعة للتقارب فيما بينها، تجد من يخرج ليشتت الجهود ويصرف الأنظار إلى قضايا فرعية، وأمور هامشية، ناهيكم عن الاتهامات المتبادلة التي لا يُراعى فيها أحيانًا الخصوصية، وينقلب الأمر من السعي للتحرك نحو تجميع الجهود وتوحيدها إلى التخوين والاتهام بالعمالة. والمشكلة الجوهرية أن من يتهم فلان أو يُخوِّن علان، يعتقد أنه على كامل الصواب، وغيره على باطل على الدوام، طالما أنه بعيد عن الصورة ولم يشارك أو يُدعى!

السبيل لحل مُعضلة المعارضة المصرية في الخارج

بالرغم من كل السلبيات التي ذكرتها فيما سبق، إلا أنه يجب أن يكون هناك أمل للحل، وأفق لتوحيد تلك المعارضة، والسعي بكل السبل للم شمل المعارضة المصرية، لأن التحديات كبيرة، وخطورتها ستؤدي إلى عواقب وخيمة على الجميع، ومن ثمَّ وجب أن يكون هناك إجماع على محاور ثلاث، وهي:

ـ إجماع الرؤية، التي يسعى إلى وضعها الجميع دون استثناءٍ لأحد.
ـ إجماع الإرادة، بمعنى أن تكون إرادة الجميع معقودة على فعل متفق عليه يكون له أثر واضح.
ـ إجماع العمل، بمعنى العمل الجاد، وترك الكلام فيما لا طائل منه وتوجيه الجهود للعمل المفيد.

وختامًا أقول: إن تاريخ الثورات يؤكد على حدوث موجات جديدة ومتوقعة لثورة يناير، لما يقوم به السيسي من إهدار لكرامة ومقدرات المصريين في جميع المجالات، ومن ثمّ على كل القوى والتكتلات السياسية والشبابية والإسلامية بكل أطيافها في الداخل والخارج انتهاز الفرصة للتقارب فيما بينها وتناسي الخلافات، فالوقت مناسب لمصالحة مجتمعية واسعة بين الفئات المنقسمة، والتي كان بعضها يؤيد الانقلاب وبعضها يرفضه.


ولابد من الاتفاق على أجندة واضحة، ورؤية مستقبلية للتعامل مع الواقع الحالي، الذي صنعه السيسي ومن يدعمه، والتركيز على المشتركات وهي كثيرة، وأهمها إزاحة السيسي من المشهد، وطرح بديل مناسب يقبله الشعب المصري، ويجد دعمًا من المجتمع الدولي.


وإيجاد وتشكيل قيادة وطنية تقود هذا التغيير، وهو ما يضع واجبات مهمة على عاتق أطراف الحركة الوطنية بكل ألوانها وأطيافها للاصطفاف، وخلق هذه القيادة التي تحظى بالقبول لدى الجميع، وتدير عملية التنسيق بين كافة الأطراف.


وإن لم تفعل النخبة ذلك فسيتعداها الشعب وسيركلها التاريخ، وعليها أن تكون على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقها بحق أو لا تكون، فتعتذر للشعب وتأوي إلى الظل، وليبحث الشعب عن طليعة جادة بدلًا من أولئك الذين يستهلكون الوقت، ويمنحون الانقلاب وقتًا إضافيًا لتدمير مصر والمنطقة.

 

إقرأ أيضا: ماكرون من القاهرة: حقوق الإنسان في مصر أسوأ من عهد مبارك