كتاب عربي 21

تونس وإسرائيل والسياحة

1300x600

كان تعيين رئيس الحكومة يوسف الشاهد رجل الأعمال التونسي (من الطائفة اليهودية) روني الطرابلسي وزيرا للسياحة مصدرا للجدل بنفس القدر الذي كان بالنسبة للتعديل الحكومي الأخير. وقد تجاوز تعيين الطرابلسي، الاهتمام المحلي وأصبح مجال تعليقات وصلت حتى الصفحة الرسمية للخارجية الإسرائيلية بالعربية. وذلك في الحقيقة ليس إلا مؤشرا لتاريخ طويل يربط تونس ما بعد الإستقلال بالأوساط اليهودية العالمية عبر قطاع السياحة.

لا يجب أن يكون المشكل، كما كان واضحا في وسائل التواصل الإجتماعي في الايام الاخيرة، عقيدة روني الطرابلسي اليهودية فهو مواطن تونسي اولا واخيرا ويتمتع بكافة حقوقه الدستورية مثل بقية المواطنين (ومنها حرية الضمير) ومن المؤسف التركيز على موضوع أي كتاب مقدس سيقسم عليه الرجل، إذ من البديهي أنه سيقسم على الكتاب السماوي الذي يؤمن به وإلا لا معنى للقسم أصلا. وهذا أمر مثبت في مجلة الالتزامات والعقود التونسية في فصلها 495. لكن من الواضح أن الشاهد يريد توظيف عقيدته اليهودية لتوسيع غطائه الدولي، وهذا منسجم مع توجهه العام في التعديل الحكومي: حكومة دورها دعائي وتمهيد الظروف لانتصار حزبه في 2019. 

اختيار توافقي

كما يبدو اختيار روني طرابلسي محل توافق بين الشاهد والنهضة إذ من المهم أيضا أن نتذكر ما تناقلته مواقع قريبة من الأوساط اليهودية، أن أول من اقترح روني الطرابلسي لحقيبة السياحة هو حمادي الجبالي وذلك في سياق المفاوضات على التعديل الحكومي آخر سنة 2012 وأنه لم يستطع تمرير مقترحه بسبب رفض مجلس الشورى.
 
المشكل الأول الذي يجب أن يطرح في علاقة بروني الطرابلسي هو طبيعة علاقته بإسرائيل، إذ من المعروف أن شركة الرجل Royal First Travel (الناشطة بين تونس وفرنسا) لها تقريبا سيطرة كاملة على رحلات السفر السنوية للحج لمعبد الغريبة اليهودي في جزيرة جربة، وهي رحلات يتم تسييرها أساسا بين إسرائيل وتونس قبل وبعد الثورة. 

السؤال هنا: لماذا يتمتع الطرابلسي بحق حصري، تقريبا، لتسيير هذه الرحلات؟ هل لذلك علاقة برباط خاص يربط الطرابلسي بإسرائيل؟ 

لا أعتقد أنه من المصادفة أن ينشر الحساب الرسمي الاسرائيلي بالعربية "اسرائيل تتكلم بالعربية" تهنئة خاصة للطرابلسي والحكومة التونسية بتعيينه وزيرا للسياحة والتذكير بأنه المشرف على "الجمعية" التي تسير رحلات الحج للغريبة.

علاقات قديمة


إن أحد أهم أركان علاقة الدولة البورقيبية بالولايات المتحدة هي العلاقة مع الأوساط اليهودية العالمية وإسرائيل تحديدا. لا يتعلق الأمر هنا بتخيلات مؤامراتية بل بمعطيات وردت في الأرشيف الإسرائيلي ونشرها ديفيد لاسكيير المؤرخ الإسرائيلي المتخصص في العلاقات المغاربية الإسرائيلية. 

التصور التونسي لدور إسرائيل للتقرب من واشنطن والحصول على دعمها المالي بدأ قبل حتى الحصول على الإستقلال. ففي شهر شباط/فبراير 1956 وخلال المفاوضات الدائرة في فرنسا حول الإستقلال التقى بورقيبة السفير الإسرائيلي بباريس ياكوف تسور، وبعد سماعه ملاحظات عديدة لبورقيبة تتلخص في "كرهه" لعبد الناصر وسياسته في المنطقة، نصح السفير الإسرائيلي بورقيبة أن عليه "ضمان دعم اليهود الأمريكيين للحصول على دعم اقتصادي أمريكي". 

ففي أيار/مايو 1965، أي بعد أقل من شهرين من خطاب أريحا الشهير وجولة بورقيبة المثيرة في المشرق العربي في آذار/مارس 1965، سافر بورقيبة الإبن والذي كان وزير الخارجية التونسي وحامل أسرار أبيه آنذاك إلى واشنطن في زيارة هدفها طلب الدعم المالي الأمريكي. واستجابة لطلبه فقد طلبت وزارة الخارجية الأمريكية من إسرائيل التوسط للجانب التونسي مع حكومتي فرنسا وألمانيا الغربية للحصول على دعم مالي يقدر بـ20 مليون دولار، كما طلب الأمريكيون في نفس الإطار من إسرائيل شراء الخمور التونسية. وتلاحظ الوثائق الإسرائيلية في هذا الإطار أن موافقتها على الإستجابة للمطالب الأمريكية كان في إطار أملها أن تساهم الحكومة التونسية في تشجيع حكومات عربية "معتدلة" أخرى من أجل "إفشال أو تخريب الجهود المصرية والسورية للوحدة العربية".

السياحة ركن الزاوية

لكن عدى الدعم المالي كانت السياحة ركن الزاوية للعلاقة التونسية ـ الإسرائيلية السرية آنذاك، ويمكن القول إن التأسيس للسياحة التونسية كان مترابطا مع الدعم الإسرائيلي لهذا القطاع. وقد "تفاعلت إسرائيل"، حسب ما ورد في الوثائق الأرشيفية، مع رغبة الجانب التونسي في مساعدته من أجل توسيع استثماراته السياحية، وذلك بدعم خطوات تم بدؤها منذ الأشهر الأخيرة لوجود غولدا مائير في منصبها بوزارة الخارجية الإسرائيلية، حيث طلبت من السفير الإسرائيلي بواشنطن حث اليهود الأمريكيين على إضافة تونس إلى قائمة رحلاتهم السياحية، وحسب هذه الوثيقة فقد وصلت وفود منهم الى تونس منذ نهاية سنة 1965.

وفي لقاء السفير التونسي في باريس محمد المصمودي يوم 4 تشرين الأول/أكتوبر 1966 مع السكرتير السياسي للمؤتمر اليهودي العالمي ألكسندر ايسترمن، حيث طلب المسؤول التونسي دعم اليهود في الغرب لتونس ماليا واقتصاديا عموما، وذلك لتجنب علاقة مباشرة ومكشوفة بين الطرفين وهو الأمر الممكن في حالة الاعتماد على يهود يحملون جنسيات أخرى غير الإسرائيلية. 

المسألة ليست إن كان للطرابلسي جنسية إسرائيلية بل تتجاوز ذلك لتشمل علاقة عميقة بين تونس وإسرائيل أحد أهم أركانها قطاع السياحة. إذ تم التأسيس للسياحة التونسية ضمن رؤية تستند إلى دعم غربي يمر عبر دعم إسرائيلي. هكذا فقط يمكن أن نفهم الاحتفاء العلني الاستثنائي للخارجية الإسرائيلية بتعيين روني الطرابلسي.
 
ويمكن أن نذهب إلى أن أهم غطاء للتعديل الحكومي الذي قام به الشاهد والذي أثار انقساما داخل منظومة الحكم هو الدعم الدولي وتحديدا الإسرائيلي، إذ هذه المرة الأولى التي تتلقى حكومة تونسية علنا دعما اسرائيليا. وكأنها تؤكد ما كان قاله وزير التخطيط المصري في عهد الرئيس أنور السادات، اسماعيل صبري عبدالله "إن كنا نريد علاقة جيدة مع واشنطن، نحتاج إلى قضاء الليلة في تل أبيب".