بعد عودته من مرضه، بدا اللواء المتقاعد خليفة
حفتر أكثر إصرارا وحماسة لفرض رؤيته للحل العسكري للأزمة الليبية بالقوة، ومهما كلف ذلك من ثمن، مع عدم ترك أي هامش للحل السياسي، وخصوصا بعد دعوته أنصاره لمنح الثقة لقواته لقيادة البلاد نحو الاستقرار، كما يعتقد، ونسي أو تناسى متعمدا أن التاريخ يؤكد أن العسكر لا يصنع نهضة أو تنمية. فالعسكر في أوطاننا لا يجيدون سوى الانقلابات والهزائم وقمع الشعوب، والتحالف مع الصهاينة، وممارسة الهمجية والإجرام.
وفي إطار إصراره على فرضِ بقائه داخل المشهد الليبي، سواء بقوة السلاح أو عبر انتخابات مرتقبة، سمح حفتر خلال الفترة الماضية لقيادات سياسية وعسكرية وأمنية من الحركة الوطنية الشعبية الليبية المنتمية للنظام السابق؛
بعقد ملتقى في بنغازي التي كانت مهدا للثورة الليبية وأخضعها حفتر لسيطرة الثورة المضادة الممولة من الإمارات، وكانت المحصلة النهائية لهذا الملتقى إعلانَ الدعم لمشروع حفتر لعسكرة
ليبيا وإعادة الدكتاتورية إليها، بدعم وتمويل ورعاية لم تتوقف حتى الآن من النظام الانقلابي في القاهرة ورعاة الثورات المضادة في دبي وأبو ظبي.
اللقاء (وكما هو معروف للجميع) ضم قيادات بارزة مما كان يسمى في ليبيا باللجان الثورية، وعُقد بالتنسيق مع قادة أمنيين وعسكريين موالين لحفتر، ووُصف بأنه أول تحالف معلن بين الجانبين، وسيكون مشروعا سياسيا لعملية الكرامة، في ظل إخفاق حفتر في تأسيس حركة سياسية أو تيار سياسي يمثله ويدافع عنه.
تخطيط للفوضى
فحفتر أخفق طيلة أكثر من أربعة أعوام من حملته العسكرية في إيجاد موطئ قدم له غرب ليبيا، وهذا فيما يبدو دفع مدنيين وعسكريين من حلفائه الجدد من أعوان النظام السابق، يقودهم قائد الحرس الشخصي السابق للعقيد معمر
القذافي، وهو ضابط برتبة لواء يدعى ناجي احرير القذافي، لتجهيز أسلحة وذخائر والتخطيط لأعمال عنف وتفجيرات في
العاصمة طرابلس، لضرب استقرارها، وفق ما كشفت عنه منذ عدة أيام قوة الردع الخاصة التابعة لوزارة داخلية حكومة الوفاق الوطني.
فحدوث فوضى في العاصمة، حيث مقر السلطات المنبثقة عن اتفاق الصخيرات التي تحظى بدعم دولي ويرفض حفتر الاعتراف بها، سيُفشل جهود الأطراف المحلية والدولية الداعية لعقد انتخابات برلمانية قبل نهاية العام الجاري، ويصب في صالح منح الفرصة لحفتر للتمدد عسكريا، ويمنح أنصار نظام القذافي وقتا لجمع صفوفهم داخل البلاد وخاصة طرابلس.
شن حفتر
حملة عسكرية ما زالت مستمرة على مدينة درنة التي تحاصرها قواته منذ ثلاثة أعوام، بدعوى محاربة الإرهاب، وفي الآونة الأخيرة خلّف الحصار وحملته العسكرية على درنة
وضعا إنسانيا مترديا؛ أصبحت معه المدينة تقترب من حافة الكارثة الإنسانية. فأهالي درنة يعانون وضعا إنسانيا غاية في الصعوبة ويتراجع كل يوم بشكل حاد.
أوضاع متفاقمة
فمخابز درنة أغلقت لانعدام الدقيق، والأوضاع الصحية تقترب حثيثا من الانهيار بعد إعلان المستشفى الرئيسي بالمدينة عن توقفه، والوقود منعدم في المدينة وتمنع مليشيات حفتر المسلحة دخوله، والكهرباء تنقطع لساعات، وأكوام القمامة تتكدس في جنبات الطرق، إلى جانب أن مسلحي قوات حفتر يعتقلون الخارجين من المدينة إلى المناطق والبلدات المجاورة، ويتهمونهم بالإرهاب.
تفاقمُ الأوضاعِ في درنة لم يجد حتى الآن صدى لدى
البعثة الأممية يمكن أن يترجم إجراءات فعلية على الأرض، وهو الأمر الذي جعل موقفها في دائرة الجدل، وهي التي يفترض سعيها لإيقاف الحرب باتخاذ موقف حيال استهداف المدنيين بالطيران الحربي وتجويع سكانها بموجب قرارات حماية المدنيين الصادرة عن مجلس الأمن الدولي. وهذا التقصير من البعثة الأممية قد يعتبر موافقة ضمنية منها على استهداف المدنيين في درنة، وانحيازا يشكك في مصداقيتها لدعم الاستقرار في ليبيا.