صحافة دولية

نيويورك تايمز: هكذا تبدو حرب الظل الإسرائيلية مع إيران

نيويورك تايمز: الصراع الإيراني الإسرائيلي يتصاعد في ظل الحرب الأهلية السورية- أرشيفية

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمراسلها في الشرق الأوسط بن هبارد ومدير مكتبها في القدس ديفيد هالبفينغر، يقولان فيه إنه يبدو أن إسرائيل قامت يوم الاثنين برفع وتيرة حرب الظل التي تشنها في سوريا ضد إيران.

 

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن إسرائيل قامت بشن غارات جوية ليلية ضد قاعدة عسكرية تنسق مع المليشيات التي تدعمها إيران، وقتلت أربعة مستشارين إيرانيين، لافتا إلى أنه كان من بين القتلى عقيد رفيع المستوى، كان يعمل في برنامج الطائرات دون طيار الذي تديره إيران.

 

ويجد الكاتبان أن مهاجمة تلك القاعدة الجوية السورية، بالقرب من مدينة تدمر الصحراوية في وسط سوريا، لفتت الانتباه إلى الصراع بين إيران وإسرائيل، الذي تتزايد حدته بانتظام، في الوقت الذي يبدو فيه مخفيا في ظلال الحرب الأهلية السورية، مشيرين إلى أن إيران استغلت الفوضى التي تسببت بها الحرب لإنشاء بنية عسكرية جيدة، وقامت إسرائيل بشن العديد من الغارات؛ لمحاولة وقف، أو على الأقل، إبطاء تلك الخطوات.

 

وتذكر الصحيفة أن المسؤولين الإسرائيليين رفضوا تأكيد أو نفي أن إسرائيل قامت بالغارة الجوية، التي جاءت بعد أن تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرد على الهجوم الكيماوي الذي قامت به الحكومة السورية بالقرب من دمشق يوم السبت، لكنها لم تبد أنها رد على الهجوم، ما رفع من احتمال كون إسرائيل استغلت الفرصة لضرب ما تعده تهديدا لأمنها.

 

ويورد التقرير نقلا عن خدمات الأخبار الروسية والإيرانية، قولها إن طائرتي "أف – 15" إسرائيليتين قامتا بالغارة الجوية، التي قال راصد للصراع بأنها تسببت بمقتل 14 شخصا، فيما قال الجيش الروسي بأن الطائرات قدمت من فوق البحر الأبيض المتوسط قبل أن تطلق صواريخها من الأجواء اللبنانية، وقام نظام الدفاع الجوي السوري بإسقاط خمسة من الثمانية صواريخ التي أطلقتها الطائرتان، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء الروسية "إنترفاكس"، مشيرا إلى أن الصواريخ الثلاثة الأخرى أصابت قاعدة عسكرية سورية، تعرف باسم "تي 4" أدت دورا مركزيا في توسيع الأنشطة العسكرية الإيرانية في سوريا.

 

ويفيد الكاتبان بأن إيران كانت لفترة طويلا حليفا لرئيس النظام السوري بشار الأسد، حيث ترى البلدان أنهما جزء من "محور الممانعة"، وهو عبارة عن تحالف قوى تعارض الهيمنة الإسرائيلية والأمريكية في الشرق الأوسط، لافتين إلى أن إيران ساعدت الأسد ابتداء عن طريق حزب الله الذي تدعمه، ثم رتبت لنقل مليشيات جويا من عدد من الدول لدعم جيش الأسد.

 

وتبين الصحيفة أن ما يقلق إسرائيل هو أنه في الوقت الذي يزداد فيه وضع الأسد استقرارا، فإن إيران تحول تركيزها على القوة العسكرية التي تبنيها، لتساعده في أي حرب مستقبلية مع إسرائيل.

 

ويلفت التقرير إلى أن القادة الإسرائيليين عادة ما يهددون بقصف إيران، فوجود وكلاء عسكريين أقوياء لإيران بالقرب من إسرائيل يعطي إيران بعض الحماية، مشيرا إلى أن طريقة التفكير الإيرانية هي إن هاجمت إسرائيل إيران فإنه يمكنها أن تتوقع ردا موجعا من حزب الله في لبنان، أو ربما الآن من المليشيات التي تعمل في سوريا.

 

وينوه الكاتبان إلى أن إسرائيل هاجمت قاعدة "تي 4" مرة سابقة على الأقل في شباط/ فبراير، بعد أن اعترضت إسرائيل ما قالت إنه طائرة دون طيار إيرانية اخترقت الأجواء الإسرائيلية، وقالت إسرائيل وقتها إنها ضربت مركز القيادة والتحكم الذي استخدمته إيران لإطلاق الطائرة دون طيار، وقامت الدفاعات الجوية السورية بإسقاط طائرة "أف – 16" مقاتلة وقعت داخل إسرائيل. 

 

وتشير الصحيفة إلى أن تلك كانت الطيارة الإسرائيلية الأولى التي يتم إسقاطها من عدو منذ عقود، وردت إسرائيل بموجة واسعة من الضربات ضد عدد من الأهداف السورية والإيرانية في سوريا.


ويذهب التقرير إلى أن التقارير الإخبارية القائلة بأن أحد الإيرانيين الذين قتلوا يوم الاثنين كان عقيدا في برنامج إيران للطائرات دون طيار، تدل على أن إسرائيل أصبحت قلقة من إمكانيات إيران في مجال الطائرات دون طيار.

 

وينقل الكاتبان عن المحلل المتخصص في الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية أوفر زالزبيرغ، الذي يراقب الأعمال القتالية بين الإيرانيين والإسرائيليين في سوريا، قوله: "كلما رأينا المزيد من مثل هذا الهجوم، فإنه يبدو كأنه ضربة موجهة للإمكانيات الإيرانية في تشغيل طائرات دون طيار في سوريا، ضد إسرائيل في الغالب". 

 

وتبين الصحيفة أنه نتيجة لخشية إسرائيل من أن إيران تستخدم غطاء الحرب لتقوية حلفائها في سوريا، فإنها قامت بشن غارات جوية على ما اعتقدت أنها قوافل أسلحة لحزب الله، الذي خاض حربا ضروسا ضد إسرائيل عام 2006، ذهب ضحيتها مئات الأشخاص.

 

ويلفت التقرير إلى أن الحكومة الإسرائيلية لا تعترف بالغارات بعينها، كما أن الحكومة السورية وحزب الله لا يعترفان دائما عندما يتم ضربهما، إلا أن إسرائيل اعترفت في شهر آب/ أغسطس بأنها قامت بحوالي 100 غارة جوية على قوافل منذ 2012.

 

وينوه الكاتبان إلى أن ضربة يوم الاثنين جاءت بعد يوم من وصف ترامب للأسد بأنه "حيوان"، وحذره من أنه وحلفاءه الروس والإيرانيين سيدفعون "ثمنا  كبيرا"؛ بسبب الهجوم الكيماوي المزعوم، الذي قتل العشرات بالقرب من دمشق يوم السبت، مشيرين إلى أن روسيا لم ترد مباشرة على الاتهام، مع أن المتحدث باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ديميتري بيسكوف، رفض اللغة التحريضية التي استخدمها ترامب، وقال:"إن الأسد هو الرئيس القانوني للجمهورية العربية السورية.. وليس من المقبول أن تستخدم تلك الكلمات النابية مع رئيس".                               

 

وتقول الصحيفة إن روسيا كانت هي الأولى التي قالت إن إسرائيل هي من قام بالغارة الجوية يوم الاثنين، وهو تحول عما قال المحللون إنها كانت سياستها السابقة في غض الطرف عن ضرب إسرائيل للأرصدة الحربية الإيرانية في سوريا، حيث يقول زالزبيرغ: "قررت روسيا أن تكون القاضي والمحلفين، وأن تنحاز لجانب الأسد وحزب الله، اللذين قالا إن الهجوم إسرائيلي، بدلا من الانحياز لجانب إسرائيل في إبقاء الأمر مبهما".

 

وبحسب التقرير، فإن هذا التصعيد الأخير يأتي في وقت مفصلي بالنسبة لأمريكا، في وقت يقوم فيه ترامب برسم طريق له في سوريا، حيث قال الأسبوع الماضي إنه يعتزم سحب حوالي 2000 جندي أمريكي من شرق سوريا، مستدركا بأن تهديده بالرد على الهجمات الكيماوية سيجره إلى سوريا بطرق أخرى، فيما يعتقد بعض مستشاريه أن تحجيم طموحات إيران في سوريا هو أحد الأسباب التي تدعو أمريكا لأن تبقي وجودا عسكريا لها في سوريا. 

 

ويستدرك الكاتبان بأنه بالرغم من وعد ترامب بالرد على الهجوم الكيماوي، الذي قتل ما لا يقل عن 49 شخصا في دوما في ريف دمشق، فإنه يبقى من غير الواضح ماذا سيفعل، وكيف يمكن ربط ذلك بالسياسة الأوسع في سوريا، فبعد هجوم مشابه في خان شيخون في شمال غرب سوريا قبل عام، فإن ترامب أمر بإطلاق مجموعة صواريخ على القاعدة الجوية السورية التي انطلقت منها الطائرات التي قامت بالهجوم الكيماوي.

 

وتفيد الصحيفة بأن ما يقلق إسرائيل، التي لها حدود مع سوريا، هو استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيماوية، حيث شجب حاخام السفارديم الأكبر في إسرائيل يتسحاق يوسف يوم الأحد الهجوم الكيماوي، وقال في بيان له: "لقد قلت في الماضي وأقول مرة أخرى: ما يحصل في سوريا هو إبادة جماعية للنساء والأطفال في أبشع أشكالها، وباستخدام أسلحة الدمار الشامل.. وعلينا التزام أخلاقي بألا نبقى صامتين تجاه هذه المذبحة".

 

وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أنه مع أن الحاخام الأكبر لا يحدد سياسة، إلا أنه يعكس مشاعر الكثيرين في إسرائيل.