قضايا وآراء

مصالح العرب بعد التمدد التركي في أفريقيا

1300x600

لم تكن زيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان للسودان؛ هي الفصل الأول أو الأخير في دور الديبلوماسية التركية في القارة الأفريقية، والذي بدأ قبل أكثر من عشر سنوات. وفي هذا الإطار، ينبغي أن نفهم خطوات تركية، مثل إدارة جزيرة سواكن على البحر الأحمر، أو إنشاء قاعدة عسكرية في الصومال. فرغم أن السودان هو بوابة العرب والمسلمين على القارة السمراء، إلا أن الأتراك ربما فضلوا أن يبدأوا علاقاتهم الأفريقية بطريقة غير تقليدية، ليكون ترتيب السودان، وقبله الصومال، في مرتبة متأخرة، بعد علاقاتهم مع كينيا وتنزانيا، وغيرها من الدول الأفريقية غير العربية.

العلاقات التركية الأفريقية مفيدة قطعا للدولة التركية، على المستويات السياسية والاستراتيجية والعسكرية والاقتصادية. فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا والدول الأفريقية العام الماضي؛ 67 مليار دولار، بحسب وكالة الأناضول الرسمية. لكن السؤال هنا يتعلق بمصالح الدول العربية، وسط هذا التمدد الاستراتيجي التركي في القارة التي يسكن العرب شطرها الشمالي.

لا شك أن هناك فراغا في النفوذ الاستراتيجي من الدول الإسلامية بشكل عام في أفريقيا. هذا باستثناء الدور الإيراني في بعض الدول الأفريقية، خاصة ما يسمى بالحزام الإسلامي الغربي للقارة، والذي يشمل موريتانيا والنيجر ونيجيريا، والذي يهدف في المقام الأول للحفاظ على المصالح الإيرانية، بمفهومها الضيق، فضلا عن التمدد المذهبي الشيعي. ولا يزال الدور المصري غائبا عن القارة؛ لأسباب معروفة، وقد كان حاضرا خلال فترة الستينات وسط موجات التحرر من الاستعمار، والتمدد جنوبا خلال الحقبة الناصرية.

 

هناك فراغ في النفوذ الاستراتيجي من الدول الإسلامية بشكل عام في أفريقيا، هذا باستثناء الدور الإيراني في بعض الدول الأفريقية


هذه الفراغات ملأتها إسرائيل عبر علاقات طويلة وممتدة مع عدة دول أفريقية، وتحاول الإمارات العربية المتحدة أن تتمدد في بعض محاورها، مثل محاولتها إنشاء قاعدة عسكرية بجمهورية أرض الصومال. والدور الإماراتي في هذا السياق محدود في مناطق ضيقة، ومن ناحية أخرى متماهِ مع السياسات الإسرائيلية في المنطقة بشكل عام، وبالتالي لم يمكن التعويل عليه في خدمة مصالح الدول العربية. ومن هنا، فإن الدول العربية مهددة بشكل حقيقي من ضفتها الجنوبية، سواء مصر أو السودان أو اليمن  وغيرها. وليس هذا بسبب الدول الأفريقية، ولكن بسبب التمدد الاستراتيجي لقوى ذات مصالح متناقضة مع مصالح الدول العربية. وخير مثال على هذا التهديد هو أزمة بناء إثيوبيا لسد النهضة، وتهديده للأمن المائي لأكبر كتلة سكانية عربية في مصر.

 

هذه الفراغات ملأتها إسرائيل عبر علاقات طويلة وممتدة مع عدة دول أفريقية، وتحاول الإمارات العربية المتحدة أن تتمدد في بعض محاورها

وفي ظل هذه الأجواء، يأتي الدور التركي كطوق نجاة للعديد من الدول العربية في العلاقة مع أفريقيا، بشكل مباشر وغير مباشر. وهذا الأمر لا يمكن فهمه إلا إذا أخذنا كل ملف أفريقي على حده. ونكتفي هنا ببعض الأمثلة، فالوجود التركي في جزيرة سواكن السودانية يعني إقامة توازن استراتيجي في البحر الأحمر مع إسرائيل التي فتح الباب أمامها، أكثر مما هو مفتوح، بعد تنازل النظام المصري المشين عن جزيرتي تيران وصنافير، وتدويل مياه خليج العقبة. وأمن البحر الأحمر يعني أمن مصر والسودان واليمن والسعودية والأردن والصومال وجيبوتي.

 

يأتي الدور التركي كطوق نجاة للعديد من الدول العربية في العلاقة مع أفريقيا، بشكل مباشر وغير مباشر


من ناحية أخرى، فإن الوجود الإيراني، متمثلا في الحوثيين في اليمن، يعني سيطرة مؤجلة شبه كاملة على مضيق باب المندب، الأمر الذي يعني أن تتحول اليمن والدول المطلة على البحر الأحمر لمشاريع تنازع طائفي وسياسي، على غرار العراق وسوريا ولبنان واليمن، كي يتمدد النفوذ الإيراني، كما هي عادة الجمهورية الإسلامية في التعامل مع مثل هذه الملفات. ومن هنا، يكون الوجود العسكري التركي في الصومال عامل توازن آخر يعرقل هذه السيناريوهات.

إن هذا الوضع ليس مثاليا للدول العربية التي يفترض أن تصيغ نظرياتها الخاصة بالأمن القومي، ويكون لها الوجود الاستراتيجي المستقل والمتفاعل مع عمقها الجغرافي على قاعدة المصالح المشتركة. لكن في ظل المعطيات الحالية والمشاكل القائمة في أكثر من بلد عربي من المحيط إلى الخليج، تبقى الرهانات على التوازنات الاستراتيجية بين القوى الكبرى كخيار مؤقت للحفاظ على البقية الباقية من مصالح الشعوب العربية.