قضايا وآراء

العرب وعام جديد

1300x600

من ميزات سنة 2017 التي نعيش لحظاتها الأخيرة؛ أنها كانت بمثابة شريط خيال طويل.. فقد شهدنا خلالها ما كنا نظن أنه يحصل فقط في إطار الفانتازيا، على كل المستويات، أو على الأقل كانت تقديرات أغلبنا تحيل ما شهدناه إلى زمن بعيد قادم، وفي حال توفر شروط من الهرطقة الفكرية والسياسية والاقتناع بالسيناريوهات الأكثر سوءا.

غير المتوقع هو أساس كل ما حصل.. فكيف يمكن لأحد أن يتوقع ماذا سيحصل سنة 2018؟ لذلك أقترح منهجية للتعامل مع استشراف التطورات التي يمكن حصولها في العالم العربي في العام القادم تقوم على الانطلاق من نقطة المستحيل تحققه، تحت أي ظرف ومكان، بدلا من التركيز على القضايا القابلة للتحقق من عدمه بنسب متقاربة أو حتى متباعدة بعض الشيء، بعد أن ثبت أن كل تقديراتنا خضعت بدرجة كبيرة إما للرغبوية، أو كانت مشحونة بالعواطف والآمال.

 

غير المتوقع هو أساس كل ما حصل.. فكيف يمكن لأحد أن يتوقع ماذا سيحصل سنة 2018؟

- البداية من النظام الدولي ومنظماته ومؤسساته، بوصفه الجهة التي تنضوي تحتها معظم قضايا العالم العربي الصراعية، سواء مع اللاعبين الإقليميين أو الفاعلين الدوليين.. وليس سراً أن العرب لديهم حظوظ مع الجمعية العامة للامم المتحدة التي تعتبر قراراتها غير ملزمة، فيما لم ينصفهم مجلس الأمن صاحب السلطة والقرارات الملزمة، ومن غير المتوقع أن يتغير هذا الحال؛ إلا اللهم للأسوأ، في ظل صراع دولي محتدم، وعدم وجود كتلة عربية فاعلة تسطيع الدفع بالقضايا العربية والانتصار لها، فهذه اللحظة الدولية ليست زمن الانتصار للقضايا والمظلومين.

- ليس النظام العربي، وجامعته ومؤسساته، بأحسن حالا، وليس ثمة مؤشرات على إمكانية تحسن أوضاعه، بل الأرجح أن يستمر في مساره الانحداري، نتيجة الخلافات العربية العربية، وإصرار معظم أعضاء النظام العربي على تهميش دور الجامعة وتعطيل مفاعيل العمل العربي المشترك، وتوجههم شرقاً وغرباً للبحث عن حلول لأزماتهم.

- من الصعب تصوّر أن تكف الأطراف الدولية والإقليمية عن تدخلها الفج في الشؤون العربية، حيث ستبقى بلدان المنطقة العربية تشكل فرصة بالنسبة لهذه الأطراف، إما بوصفها مؤشراً على قوة وصعود الدولة المتدخلة، أو كونها تشكّل تكريساً لقوتها ونفوذها، او لاعتبارها فرصة أتاحتها ظروف الفوضى ولا بد من استثمارها إلى أبعد الحدود. وهذا الوضع يدفعنا لإستشراف أمرين يعتبران بغاية الأهمية بالنسبة لشعوبنا العربية:

أولاً: عدم إمكانية حصول حروب بين الأطراف المتنافسة على الأرض العربية، على عكس ما تحاول تلك الأطراف إيهامنا به، والأرجح أن جميع هذه الأطراف تعمل وفق قواعد لعب مضبوطة وتراعي التوازنات الحاصلة بينها، وبالتالي فإن حركتها في المجال العربي تبقى مضبوطة ومشدودة بقوة إلى منطق التوازنات والمصالح، أقله في المدى المنظور وفي أفق 2018.

ثانياً: ينعكس ذلك بشكل سلبي على النزاعات في العالم العربي التي يصعب تحريكها أو حلحلة عقدها، ذلك أن حال الاستاتيكو السائدة بين الأطراف المحركة للصراع ستبقي هذه القضايا محلها، بل من المتوقع ان تشهد هذه النزاعات هبات ساخنة وباردة حسب مصالح الطرف المشغّل، وبما يتناسب مع تكتيكاته الصراعية، ما يعني أن الحرب بالوكالة ستبقى عنوان صراعات المنطقة في السنة الجديدة.

 

في الخلاصة، لم تحصل في سنة 2017، وعلى جميع المستويات أية تطورات إيجابية يمكن البناء عليها وتطويرها للأفضل في السنة القادمة


لا يعني ذلك أن التفاعلات في المنطقة وصلت إلى الذروة، ولم يعد ممكناً حصول تطورات خارج السياق الحالي، وخاصة وأن هناك قضايا وصراعات حصلت فيها تطورات لم تأخذ مداها بعد، ولم يجر استهلاك بدائلها وخياراتها، مثل الهبة الحاصلة في الأراضي الفلسطينية والتي قد تتطوّر إلى إنتقاضة ثالثة، أو الخلاف المصري الإثيوبي على سد النهضة، في ظل انسداد أفق ممكنات التوافق بين البلدين، أو حتى الصراع في منطقة كردستان، ناهيك عن الصراعات المشتعلة في سوريا واليمن وليبيا.

في الخلاصة، لم تحصل في سنة 2017، وعلى جميع المستويات أية تطورات إيجابية يمكن البناء عليها وتطويرها للأفضل في السنة القادمة. وفي المقابل ثمّة، انهيارات وشروخ وتصدّعات قابلة لأن تتحوّل إلى وقائع أكثر سوءاً، وليس في الأفق ما يشير إلى إمكانية إصلاحها، ولا حتى الرغبة في تجاوزها. ولعل ما هو أسوأ حتى من تلك الانهيارات؛ مراوحة الذهنية العربية في إدارة الأزمات في مكانها وعدم تطويرها بما يتناسب مع التحديات التي تطرحها البيئات الإقليمية والدولية، وحتى الداخلية. وتفيد خبرة خمس سنوات سبقت أنه لا الثورات انتصرت، ولا الأنظمة حافظت على كيانات دولها، ولا شيء يوحي بأن القادم سيكون مختلفاً.