ملفات وتقارير

كامل تفاصيل تغطية الإمارات على فضيحة شراء لوحة ابن سلمان

لوحة لدافينشي اشتراها امير سعودي بندر بن محمد بن فرحان ب 450 مليون دولار - جيتي

تمكنت "عربي21" من رصد التفاصيل الكاملة لمحاولات الإمارات التغطية على فضيحة شراء أغلى لوحة فنية في تاريخ البشرية، وهي اللوحة التي تبين بأن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان اشتراها بعد أيام قليلة على بدء حملته في السعودية ضد الفساد واعتقاله عدداً من الأمراء والأثرياء ورجال الأعمال ومصادرة أموالهم، فيما يتبين أيضاً بأن كلا من الرياض وأبوظبي كانتا مشغولتين بالتغطية على هذه الفضيحة في الوقت الذي كان فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يُعلن القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي.


وبحسب التسلسل الزمني للفضيحة والمعلومات الجديدة التي قذفت بها جريدة "نيويورك تايمز" الأمريكية على قرائها يوم الجمعة يتبين أن الصحيفة حصلت أولاً على وثائق تفيد بأن الأمير بدر بن عبد الله بن محمد بن فرحان آل سعود هو الذي اشترى اللوحة مقابل 450 مليون دولار، إلا أنها وجدت بأن المبلغ ضخم جداً وأن الأمير ليس سوى أحد أعضاء الأسرة الحاكمة المغمورين وليس من أمراء الصف الأول، أما علامة الاستفهام فبدأت عندما علمت الصحيفة أن الأمير بدر هو أحد المقربين من ولي العهد.

 

وتقول الصحيفة إنها توجهت على الفور إلى السفارة السعودية في واشنطن (كان ذلك صباح الأربعاء الماضي) وطلبت تعليقاً من الأمير بدر حول دفعه لمبلغ مالي يقترب من نصف مليار دولار مقابل حصوله على لوحة فنية تتضمن رموزاً مسيحية تتناقض مع المبادئ التي تقوم عليها الدولة السعودية، إلا أن السفارة ماطلت في الرد، قبل أن تبلغ الصحيفة بأن الأمير لا يرغب بالتعليق.

 

وخلال فترة انتظار الصحيفة الأمريكية لرد الأمير السعودي فإن ثلاث شخصيات سعودية تواصلت مع الجريدة وحاولت إقناعها بعدم نشر الخبر، ومن ثم حاولت إقناعها بتأجيل النشر، دون أي نفي لصحة المعلومات، إلا أن المفاجأة كانت بأنه -وخلال فترة انتظار الرد- أعلن متحف اللوفر/ أبوظبي أنه سيعرض اللوحة الفنية، وهو ما دفع الصحيفة للاستنتاج بأنه يجري التغطية على الفضيحة، فما كان من الصحيفة إلا أن نشرت المعلومات التي لديها في ساعة متأخرة من ليل الأربعاء الماضي (نحو 11 ليلاً بتوقيت الشرق الأوسط) والتي تؤكد بأن أميراً سعودياً هو الذي اشترى أغلى لوحة في تاريخ البشرية. 

 

وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس ترامب يلقي بخطاب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل تأخر الرد السعودي لعدة ساعات، وهو ما يعني أن القيادة السعودية كانت منشغلة في البحث عن تغطية لفضيحة اللوحة بدلاً من تجهيز الموقف من القدس المحتلة.

 

وفي اليوم التالي، أي يوم الخميس الماضي، نشرت جريدة "وول ستريت جورنال" الأمريكية تقريراً تكشف فيه نقلاً عن مصادر استخبارية أمريكية أن المشتري الحقيقي للوحة هو الأمير محمد بن سلمان، وأن الأمير بدر لم يكن سوى الوكيل عنه لشرائها، وهو ما أثار عاصفة من ردود الفعل على شبكات التواصل الاجتماعي إذ تساءل كثيرون كيف لأمير يدعي محاربة الفساد ويعتقل رجال الأعمال أن يبدد هذا المبلغ الفلكي في لوحة فنية تهم المسيحيين دون غيرهم؟!

 

ويوم الخميس بعد الظهر، أي بعد ساعات من تأكيد "وول ستريت جورنال"، ظهر تعليق الأمير بدر في جريدة "الاقتصادية" يستغرب فيه من تقرير "نيويورك تايمز" ويتهمها بأنها "تكره السعودية" بدلاً من الرد على المضمون، مغفلاً أن الجريدة هي ذاتها نشرت قبل أيام تقريراً يمتدح السعودية بقلم توماس فريدمان، وهو ما احتفت به السعودية احتفاء منقطع النظير.

 

وأعادت "نيويورك تايمز" التأكيد يوم الجمعة، أي بعد يوم من تقرير "وول ستريت جورنال"، أن المشتري الحقيقي هو الأمير محمد بن سلمان، وذلك نقلاً عن مصادر استخبارية أمريكية ونقلاً أيضاً عن مصادر عربية مطلعة على تفاصيل الصفقة، بحسب ما أوردت الصحيفة.

 

كما بثت وكالة "رويترز" تقريراً الجمعة تقول فيه إن أبوظبي كشفت عن وثيقة صادرة عن دائرة الآثار الإماراتية تؤكد أن حكومة أبوظبي هي التي كلفت الأمير بدر بشراء اللوحة لعرضها في "اللوفر". 

 

ولاحقاً لذلك نشرت جريدة "فايننشال تايمز" البريطانية قصة جديدة مختلفة تماماً عن ما أعلنه "متحف اللوفر/ أبوظبي" تفيد بأن اللوحة اشترتها السعودية بالفعل لكنها قدمتها هدية لدولة الإمارات التي ستعرضها في متحف اللوفر بأبوظبي، وهي محاولة إضافية على ما يبدو لإخراج قصة مقبولة تُغطي على حقيقة أن الأمير محمد بن سلمان هو الذي دفع هذا المبلغ الضخم لشراء رسم فني يتضمن رموزاً مسيحية.

 

وجاء تقرير "نيويورك تايمز" الذي أعاد التأكيد على أن المشتري الحقيقي هو ابن سلمان في ساعة متأخرة من ليل الجمعة، لتنفي الصحيفة مجدداً مزاعم حكومة أبوظبي التي بثتها "رويترز"، كما نفت صحة الرواية التي نشرتها "فايننشال تايمز" أيضاً.

 

لكن محللاً سعودياً تحدث لـ"عربي21" رآى أن الروايتين، سواء التي جاءت في تغريدة متحف أبوظبي أو تلك التي جاءت في الجريدة البريطانية، ليستا مقنعتين، إذ لو كان متحف اللوفر في أبوظبي قد اشتراها بالفعل أو تم شراؤها لصالحه فلماذا تأخر الإعلان عن الصفقة لثلاثة أسابيع؟ إذ أن عملية البيع تمت في منتصف الشهر الماضي.

 

ويقول المحلل إن "من السهل جداً أن تقوم حكومة دولة بإصدار وثيقة بتاريخ سابق، وهي الوثيقة التي سلمتها حكومة أبوظبي لوكالة رويترز".

 

وتابع المحلل: "هل هذا النوع من الصور هو الذي تشتريه السعودية وتقدمه هدية للآخرين؟.. وهي صورة تجسد المسيح عليه السلام وتتنافى تماماً مع العقيدة الإسلامية، وتتضمن رموزاً مسيحية؟". 

 

ويضيف المحلل الذي طلب عدم نشر اسمه متسائلاً: "وهل هكذا يتم اتخاذ القرار بإنفاق نصف مليار دولار على هدية؟ هل حصل ابن سلمان على موافقة الحكومة؟ ولماذا لا يتم الإعلان؟ وهل يُصادر أموال السعوديين ليشتري بها لوحات فنية يقوم بإهدائها لأبوظبي؟".

 

وبحسب المحلل فإن الأمير اتصل بمنظمي المزاد قبل يوم واحد للدخول في المزاد وهو ما ترتب عليه أن يدفع مبلغ تأمين مرتفع جدا من أجل السماح له، فهل يمكن أن يقرر متحف اللوفر أن يتخذ قرار الشراء أو الدخول في مزاد بهذا الحجم قبل يوم واحد من موعده؟!

 

وينتهي المحلل السعودي إلى خلاصة مفادها أن الروايات التي جاءت لاحقاً ليست سوى "محاولة للتغطية على فضيحة الأمير محمد بن سلمان الذي اشترى لوحة فنية تتناقض مع الدين الإسلامي بكل هذا المبلغ الضخم".