قضايا وآراء

فخامة الرئيس حسن نصر الله!

1300x600
تختلف الدول فيما بينها حول أنظمة الحكم فيها. ففي كل بلد نظام حكم خاص يميزه عن غيره من البلدان. ففي الدول الملكية والإمارات يقود السلطة جلالة الملك أو سمو الأمير، وفي الأنظمة الجمهورية يقود السلطة رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء..

قبل اتفاق الطائف عام 1990، كانت لرئيس الجمهورية في لبنان صلاحيات واسعة، لكن التعديلات التي طرأت على الدستور أحالت الكثير من الصلاحيات من الرئيس إلى مجلس الوزراء مجتمعا. فالمادة 65 من دستور الطائف نصت على أنه لمجلس الوزراء تعديل الدستور وإعلان حال الطوارئ وإعلان السلم والحرب والتعبئة العامة، وهي أمور كانت من صلاحيات الرئيس قبل الطائف، لكن الدستور نفسه احتفظ لرئيس الجمهورية بصلاحيات أخرى كثيرة، منها أنه رئيس المجلس الأعلى للدفاع وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة.

الخلاصة، يتشارك رئيس الجمهورية مع مجلس الوزراء إدارة شؤون البلاد والعباد، والنيابة عن اللبنانيين في اتخاذ القرارت الهامة، التي ينعكس تأثيرها على جميع اللبنانيين، كقرار الحرب والسلم. هذا من حيث القانون والدستور، في حين أن الواقع لا يمت للدستور بصلة. فرئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء والنواب والوزراء والطبقة السياسية مجتمعة لا تملك من أمرهم شيئا، وهم "متل الأطرش بالزفة"، وحالهم تعصى على الكافر. ليسوا هم وحدهم، بل كذلك قائد الجيش ورؤساء الأجهزة الأمنية الأخرى، تراهم يجلسون جنبا إلى جنب على مقاعد المتفرجين، يتابعون ما يخطط له حزب الله وينفذه، وجلّ ما يملكونه التصفيق والتهليل، ومن يرفض لا يملك أكثر من الصمت.

في إطلالته الأخيرة، أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله النفير لبدء معركة طرد مسلحي جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية من منطقة جرود عرسال الواقعة عند الحدود اللبنانية السورية. يدرك نصر الله جيدا أن قرار إعلان الحرب والسلم هو من صلاحيات رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء وقيادة الجيش، ويدرك كذلك أن معركة بهذا الحجم سيكون لها انعكاسات كثيرة وخطيرة على الداخل اللبناني، ويدرك قبل هذا وذاك أن قيام حزبه بمعركة عسكرية بهذا الحجم على الأراضي اللبنانية دون أي دور للجيش اللبناني هو إحراج لرئيس الجمهورية وللمؤسسة العسكرية ولكل الطبقة السياسية. لكنه تجاهل كل ذلك، ورفع منفردا ودون أي تنسيق – حسب بيان الجيش اللبناني- راية انطلاق معركة عسكرية تشمل مناطق شاسعة من الأراضي اللبناني.

الموقف المحرج الذي وُضعت فيه الدولة اللبنانية رئيسا وحكومة وجيشا كانت له مفاعيل عكسية. فعِوض أن نسمع موقفا رسميا منتقدا لما يقوم به حزب الله ودفع الجيش اللبناني لخوض معركة عسكرية لا يريدها ولم يخطط لها، التحق الجيش بركب المعركة ولو متأخرا، ونفذ انتشارا في المنطقة المحيطة بمسرح المعارك، ويفرض طوقا أمنيا محيطا بمخيمات النازحين. أما فخامة رئيس الجمهورية الذي يجب أن يكون أكثر المستائين من سلب أمين عام حزب الله قرار الحرب والسلم منه، يعقد الاجتماعات ليطلع على سير المعركة التي يقوم بها حزب الله أمام أعين الدولة اللبنانية، ويتابع المعركة مثله مثل بقية اللبنانيين، دون أن ينسى الإشادة بجهود عناصر الجيش اللبناني الذين لا أحد يعرف ما هو الدور الذي يقومون به سوى مشاهدة المعارك الدائرة في جرود عرسال بمناظيرهم العسكرية.

ليست هي المرة الأولى التي يتفرّد فيها حزب الله بقرار الحرب في لبنان ويورّط معه اللبنانيين في معارك ليست معاركهم ولا يريدونها. كما أنها ليست المرة الأولى التي يفضح فيها الحزب هُزال السلطة، ويؤكد للعالم أنه الآمر والناهي في القرارات الكبرى والمصيرية. فالحزب لم يُبقِ من مقومّات السلطة اللبنانية شيئا، والسيد حسن نصر الله يخاطب العالم بصفته رئيسا للجمهورية اللبنانية، فيهدد ويتوعد ويعلن باسم اللبنانيين بداية الحرب على الآخرين. ربما من الأنسب أن يستبدل نصر الله صفته من سماحة السيد إلى فخامة الرئيس.