كتاب عربي 21

حتى لا تدفعوا "بليونز أند بليونز"

1300x600
بغض النظر عمن هو الثعلب ومن هو الحمل في الأزمة الخليجية، إلا أن الواضح حتى الآن هو أن السحر انقلب على الساحر، وأن انكشاف الجريمة الإلكترونية باختراق موقع "الأنباء القطرية" ودس خطاب فيها لأمير قطر لم يقُله، أعاد الأزمة إلى مربعها الأول مع اختلافٍ في المقاعد.

فقطر اليوم هي المتهِمة بعد أن كانت متهَمة، ودول الحصار الأربع باتت محاصَرة بنتائج التحقيقات الأمريكية التي أفضت إلى تأكيد القرصنة الإماراتية في عملية شكلت باكورة الفتنة، وفق تأكيد مؤسسات إعلامية أمريكية رصينة للغاية.

فما المطلوب اليوم من قطر والدول الأربع في ميزان الحكمة والمصلحة ببعدَيها الوطني والقومي؟ الذي يوفر على الجميع كلفة الخصومة الباهظة أكانت المعنوية عربيا، أو المادية في انتظارات الراعي الدولي للأزمات وشهواته المالية "البليونية".

أولا السعودية:

تحتاج المملكة العربية السعودية وهي تشهد تغييرات في بنية الحكم فيها، إلى التقاط أنفاسها على المستوى المحلي الداخلي وفصل توأمتها المستجدة عن دولة الإمارات العربية المتحدة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، فما يصح للإمارات أو يُنتظر منها أو يُغفر لها، هو بالتأكيد مغاير تماما للمتوقع من المملكة التي تتبوأ اليوم مركز الصدارة في المجموعة العربية بعد الضعف الكبير الذي أصاب أدوار العراق ومصر وسوريا.

يحق للسعودية أن ترتاب من طموحات قطر كما يحق لقطر أن تتوجس من شهية السعودية لمصادرة قرار المجموعة الخليجية، لكن لا يحق لهما قطع العلاقات وإقفال المنافذ، الذي أقدمت عليه الرياض، والمطالبة منطقياً اليوم بتفعيل دور المبادرة الكويتية للمصالحة بعد تبيان أصل الفتنة باختراق موقع "الأنباء القطرية"، طالما أن السعودية ليست طرفا في القرصنة.

كما أن اندفاعة الحكم لدى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التي أظهرت الحزم في اليمن، فإنها بحاجة لإظهار الحكمة في الخليج العربي.

ثانيا مصر:

يجب على العقلاء في دوائر الحكم في مصر أن يدفعوا باتجاه إعادة تقييم السياسة الخارجية المتخبطة، والتي أظهرت مصر خلال السنتين الأخيرتين وكأنها تتغدى في محور إقليمي لتتعشى مع محور إقليمي آخر.

وقد ظهر أعلى تجليات هذا التخبط في تأييد مصر لمشروعين متعارضين بمجلس الأمن بخصوص مدينة حلب السورية العام الماضي.

فلا تستطيع مصر أن تكون حليفة للسعودية فوق الطاولة وصديقة لإيران تحت الطاولة. والصداقة الشخصية لعبد الفتاح السيسي مع دونالد ترامب وفلاديمير بوتين لا تعني أن مصر تستطيع أن تكون صديقة للدولتين العظميين بنفس الدرجة والمسافة، كذلك لا تستطيع مصر أن تكون ظهيراً مسانداً للخليج وفي نفس الوقت داعما أساسيا للنظام السوري.

ربما يكون الأصلح لمصر في هذه المرحلة أن تقلل من السياسة الخارجية، وتنكب على معالجة أزماتها الداخلية، ومن ضمنها إجراء مراجعة لعلاقة النظام بالإخوان والمعارضة عموما، وإمكانية التوصل إلى إنجاز تسوية ترضي الطرفين ولو بالحد الأدنى، لمواجهة الإرهاب المسلح الذي يستهدف الجميع، والجوع الذي يضرب المدن والأرياف.

وعندها لن يكون هناك أي مبرر لاستمرار المقاطعة مع قطر وتركيا اللتين اتخذتا موقفا صارما من "الانقلاب" على شرعية الرئيس المنتخب محمد مرسي.

ثالثاً الإمارات:

يستحسن بالإمارات أن تستعين بمؤسسات استشارية أوروبية متخصصة بحلول الأزمات في العلاقات الدولية. فهذا البلد الجميل في الداخل لا يُعقل أن يكون عائماً على هذا الكمّ الكبير من العداوات الخارجية.

وبداية الإصلاح تكون في ترميم العلاقات داخل البيت الخليجي ومع قطر تحديداً، المكلومة من الجريمة الإلكترونية الإماراتية بحقها وحق أميرها، التي شكلت السبب المباشر لقرار مقاطعتها ومحاولة حصارها.

رابعا البحرين:

عندما ستتصالح السعودية مع قطر فإن ذلك سيسهل تطبيع العلاقات البحرينية القطرية. لكن المطلوب الإضافي من البحرين هو فرملة هذا التطبيع المجاني مع إسرائيل، والالتفات إلى ما يعزز وحدة البحرين الداخلية، والتعاطف الشعبي العربي مع مملكة البحرين في مواجهة الأطماع الإيرانية فيها.

وهذا لا يعني أن ترتدي البحرين كوفية المقاومة الفلسطينية، لكن ليس في مصلحتها أيضا أن تبدو للناظرين وكأنها تعتمر القلنسوة.

خامسا قطر:

المطلوب من قطر أن تطمئن جوارها الخليجي إلى حرصها على وحدة الصف، وإلى أن علاقاتها مع الآخرين تقف عند حدود المصلحة الخليجية العامة. كما يجدر بالدوحة أن تظهر تسامحها مع من اخترق أمنها الإلكتروني وهدد أمنها المعيشي وتوعد أمنها السياسي.

فالعلاقة بين قطر والسعودية علاقة "أوكسيجينة" غير قابلة للانقطاع، تماما كالعلاقة بين قطاع غزة ومصر، والعلاقة بين لبنان وسوريا. فعندما يكون الشقيق من أمامكم والبحر من ورائكم، لا يجب أن لا يكون البحر أقرب إليك.

تقول الحكمة، إذا اختلف ثعلبان على طريدة فإنها ستكون من نصيب الذئب الذي يسمع ضُباحهما.. وما زال الذئب يردد من وكره "بليونز أند بليونز أند بليونز أند بليونز"..