قضايا وآراء

ديبلوماسية دفتر الشيكات.. وتداعيات الزلزال الخليجي

1300x600
التصعيد الخطير للخلافات بين بعض دول الخليج العربي وقطر أحدث زلزالا هزّ الإقليمي برمته؛ فما أن أعلنت الدول الخليجية الثلاث ومصر، في الخامس من حزيران/ يونيو، قطع علاقاتها مع قطر وفرض مقاطعة عليها، حتى انخرطت هذه الدول في حملات إعلامية وديبلوماسية لا تهدأ. 

بيد أن التدابير، ورغم شدتها، سرعان ما تجاوزت الدوحة صدمتها الأولى، وبدت المواقف الدولية صادمة للدول المقاطعة، إذ كانت هذا الدول تتوقع مساندة دولية فورية، خاصة مع استخدامها شعار "دعم قطر للإرهاب".

اليوم، تجد هذه الدول، خاصة المملكة العربية السعودية، بعد فشل خطة عزل قطر، في مواجهة ليس مع الأخيرة، ولكن في مواجهة مع الذات والعواقب البعيدة لتلك السياسات... سوف نلخصها في النقاط التالية:

أولا، إن ديبلوماسية الشيكات القائمة على شراء مواقف الدول وبناء "تحالف للطامعين" أو "المؤلفة قلوبهم" بهذا الشكل الفجّ؛ ليس خطيرا فحسب، وإنما يشكل سابقة خطيرة في علاقات الدول والأمم، كما أن هذا النوع من الديبلوماسية يُفقد تلك هذه الدول الاحترام في نظر الدول والأمم الأخرى. كذلك، من السهولة بمكان توقع تفكك أي تحالف يقوم على هذه الديبلوماسية بنفس سرعة تشكيله!

ثانيا، دوليا، يتراجع بشكل مضطرد الحماس للتدابير القائمة على الحصار والمقاطعة، خاصة فرض العقوبات القسرية والأحادية، أي بدون مسوغات أو مبررات مقنعة، لا سيما بعد فشل هذه التدابير في تحقيق الغايات المرجوة منها (السودان)، أو ما تترتب عليها من مآسٍ إنسانية (العراق، غزة).

ثالثا، دول الخليج العربي تتوفر لديها مقومات بناء القوة والنفوذ، إذ تتوفر على أموال طائلة، لا سيما صناديق الثروات السيادية، بحيث يمكنها أن تتحول حقيقة لدول مانحة، خاصة في مجال "المساعدات الحكومية"، كما أنها لديها إمكانيات وفرص للاستثمار في كافة دول العالم، وفي كافة القطاعات الاقتصادية، فالقوة الاقتصادية تحقق القوة السياسية، التالي هي ليست في حاجة لسياسات هزيلة ومتعجلة.

رابعا، تعرية التيار السلفي التقليدي القائم على الطاعة وتبرير تصرفات السلطات السياسية والخضوع لولاة الأمر، أيّا كانت سياساتهم، حيث بدا واضحا- إزاء حصار قطر - مدى تناقض مواقف هؤلاء المشايخ، سوف يؤدى لتآكل الشرعية الدينية التي اعتمدت عليها المملكة في تثبيت أركان السلطة السياسية فيها.

خامسا، أنه من باب الحمية الوطنية، يمكن تبرير مواقف التيار السلفي بالمملكة من الصراع مع قطر التي يُنتقد بسببها الآن؛ ذلك انه لا يجب نسيان أن المملكة تقدّم تعتبر نفسها زعيمة للعالم الإسلامي وحامية حِمى أهل السنة في العالم، في مواجهة المشرع الإيراني، ولذا حتما سوف تلحق أضرار بالغة بالشرعية الدينية للمملكة، وهناك إيران التي تسعى لانتزاع هذه الزعامة.

سادسا، توقعات نشوء حِراك وسط التيارات الدينية، ولا ننسى أن التيار الديني السلفي (الوهابي) داخل المملكة يتعرض لحملات شرسة منذ انعقاد مؤتمر الشيشان (آب/ أغسطس 2016)؛ إن هذه الضغوط المتعددة التي يخضع لها هذه التيارات، سواء نتيجة للتحولات المحلية أو لمواقفه تجاه القضايا الإقليمية والدولية، سوف تُفجّر ثورة داخل مؤسسات السلطة الدينية قد تخلط الأوراق لقيادة الدول وهي التي أرادت تحجيم هذا التيار ضمن حربها على قطر!

سابعا، تفكك منظومات العمل المشترك (سيكون مجلس التعاون الخليجي آخرها!) والتي كانت تعتبر سندا للديبلوماسية والقضايا العربية. ليس هذا فحسب، وإنما ستتعمق الخلافات اكثر فأكثر، مع هيمنة فقدان الثقة وتبديد الطاقات والجهود والموارد والإمكانيات في صراعات بينية، كان يمكن حلها بطرق أخرى أو تجنبها دون اللجوء لتدابير متهورة، كتلك التي اتبعت مع قطر؛ وبدلا من تعبئة كافة الجهود والموارد لخدمة القضايا العربية، سوف تكون الطاقات موجهة كليا للإضرار بهذا الطرف أو ذاك، حسب موقفه من تلك أطراف الصراع.

قطعا، ونتيجة لحالة التعبئة الحالية (مع أو ضد) وتزايد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الحر، ستكون الدول المقاطعة مواجهة بغضب شعبي، قد يعيد أجواء الربيع العربي، وهي التي أرادات القضاء على مقدماته من خلال الحملة على قطر، هذا بجانب الارتدادات التي تنجم عن التداعيات الداخلية والخارجية لتصرفات تلك الدول.

 ومما لا شك فيه، سوف يكون محور (الرياض- أبو ظبي) في حالة أشبه بالاستنزاف من أجل مقابلة تكاليف هكذا سياسة، وماكينة الدعاية من أجل تبرير هذه السياسات أو لمدارة صدمة الفشل أو بدء مرحلة أخرى من المواجهة مع قطر.

إن أسوأ ما سوف تتركه الأزمة في الخليج - في زمن العولمة التي أتاحت للشعوب الأخرى بفضل وسائل وتكنولوجيا التواصل، معرفة ما يدور في مناطق العالم المختلفة، وتحليل وفهم ما يدور من حولهم - هو تكريس صور نمطية مشوهة عن هذه المنطقة، شعوبا ودولا ومجتمعات.

وإذا كان "الاستشراق" قد كرّس عنا كليشهات منذ عقود طويلة ما تزال تشكل مخيلات الآخرين عنا، مما لا شك فيه أن تصرفات ومواقف قادة المنطقة في الصراع بين دول الخليج وانقسام الدول إزاءه إلى فسطاطين، سوف ترسم صورا اكثر تشوها وسخرية!!