كتاب عربي 21

بيروت محور لحوارات حول الحريات الدينية

قاسم قصير
1300x600
1300x600
شهدت مدينة بيروت في الايام القليلة الماضية سلسلة مؤتمرات وندوات حوارية حول مستقبل الحريات الدينية في العالم العربي والاسلامي وحول اوضاع المنطقة والعالم في ظل تفكك النظام العالمي القائم وعدم وضوح الرية حول المستقبل، والكل يسأل السؤال التقليدي الذي كان يردده زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان وليد جنبلاط: الى اين؟

فقد افتتح معهد المواطنة وادارة التنوع في مؤسسة "أديان"، بالتعاون مع الجامعة اللبنانية الاميركية وبدعم من الكنيسة السويدية ومؤسسة "مسيو"، مؤتمرا دوليا حول الحرية الدينية في زمن إعادة تكوين المواطنة"، في حضور خبراء وسياسيين وصناع سياسات من لبنان والعالم العربي وأوروبا وأفريقيا والولايات المتحدة وباكستان، في حرم الجامعة اللبنانية الاميركية في بيروت.

واما رابطة اصدقاء كمال جنبلاط فقد عقدت مؤتمرها السنوي تحت عنوان: اي مستقبل لمنطقة الشرق الاوسط بعد فشل الحلول العسكرية، فيما كانت مؤسسة كارنيغي الدولية تعقد مؤتمرا خاصا تحت عنوان :نظام عالمي في طور التفكك : افاق العام 2017.

وفي حصيلة مؤتمر مؤسسة اديان حول اشكالية الحريات الدينية في العالم العربي والاسلامي برزت الموضوعات التالية : على الصعيد السياسي والقانوي، طُرحت مشكلة الازدواجية في العدد من الدساتير بين مرجعية دينية للدستور مرجعية حقوق الإنسان لنفس هذه الدساتير، وكذلك مشكلة الهوة بين الدستور والتطبيق للقوانين، كما طُرحت اشكالية العلاقة بين الأنظمة الاستبدادية والحركات الدينية السياسية، فتبين من أمثلة عدّة بلدان أن الانظمة الاستبدادية لا تحمي الأقليات بقدر ما تولد التطرف.

وتم عرض خبرات دول عديدة في هذا المجال كمصر والعراق ولبنان ومالي وباكستان حيث إشكالية العنف والتهديد للمصلحين في حال إقدامهم على طرح مشاريع تغير قوانين تهدف إلى الخير العام لا الهوية الجماعوية. وتناول المجتمعون قضية الشرخ بين العلمانيين والدينيين كالحال في تونس وباكستان وضرورة إرساء الحوار والتواصل بين الفئتين بهدف التقليص من مخاطر الوضع الراهن. أما على الصعيد الديني فركّز المشاركون على الحاجة إلى لاهوت الأمل بدل لاهوت العنف والكراهية، وعلى ضرورة العمل على تعزيز لاهوت التنوّع واللاهوت السياسي وتطويرهما، واعتبار الأولوية لكرامة الإنسان وقداسة الحياة الإنسانية، كما وإدراج الحريّة ضمن مقاصد الشريعة. 

وعلى الصعيد الثقافي والتربوي والإعلامي، أشار المجتمعون إلى ضرورة مقاربة مواضيع التنوع والأديان في المجال العام بهدف كسر التابوهات بالإضافة إلى التخفيف من ازدواجية الخطاب وإرساء التفكير النقدي وقبول التنوع من خلال التربية ومن خلال الإعلام لاسيما الإعلام البديل. وفي السياق نفسه شددوا على ضرورة التمسّك بالمبادئ المهنية في تغطية القضايا المتعلقة بحرية الدين والمعتقد كالتي نصت عليها "مدونة قواعد السلوك الصحفي المتعلقة بالتغطيات الإعلامية لقضايا حرية المعتقد والدين" التي جاءت خلاصة لورشة تدريب موسعة نظمتها مؤسسة "أديان" في شهر تشرين الأول من العام الحالي بمشاركة صحافيين من العراق والأردن ولبنان وبالشراكة مع شركة تويتر. كما أثيرت ضرورة نشر الوثائق والفتاوى الصادرة عن المرجعيات الدينية كالنجف والأزهر والتي تصب في موضوع الحرية الدينية والمواطنة، في الثقافة العامة. من ناحية أخرى، قدمت خبرات في استخدام عالم الأعمال لنشر التنوع الديني والحرية الدينية كمحفز للاقتصاد.

أما على الصعيد الفلسفي لا سيما الفلسفة السياسية، طرحت إشكاليّة الهويّة الوطنية - دينية كانت أم ثقافيّة -وتأثيرها على مكونات المجتمع المختلفة، كما طرحت مشكلة فراغ المعنى على الصعيد الحضاري عالميّا، وإشكالية تعددية التفسيرات للخير العام بحسب المواقف والمصالح خاصة في المحافل السياسية، كما طرحت مشكلة إهمال الحقائق في الثقافة العامة بشكل غير مسبوق تاريخيا لحساب المواقف والتجاذبات السياسية.

هذه الموضوعات المهمة يمكن ان تصلح ورقة عمل اساسية للحلول لازمات المنطقة ، لكن حادث صغير حصل في احدى كليات الجامعة اللبنانية من خلال قيام بعض الطلاب المنتمين لحزب الله بمنع رفاق لهم لاقامة احتفال خاص بهم لاسباب ادارية او فنية شكل الحدث الابرز في الواقع اللبناني وطرح مجددا السؤال: اي مستقبل للبنان وللحريات الدينية وللمنطقة. 

فهل تنجح المؤتمرات والندوات واللقاءات الحوارية بحسم هذه الاسئلة المستقبلية الخطيرة ام ان الوقائع على الارض هي التي تحدد لنا مستقبلنا جميعا.
0
التعليقات (0)