كتاب عربي 21

المشروع الإسلامي والعربي الإصلاحي: بين تجارب الماضي وتحديات المستقبل

قاسم قصير
"عادت الأسئلة مجددا عن الحلول المطروحة والمشاريع العربية والإسلامية التي يمكن أن تقارب الأزمات الجديدة"- الأناضول
"عادت الأسئلة مجددا عن الحلول المطروحة والمشاريع العربية والإسلامية التي يمكن أن تقارب الأزمات الجديدة"- الأناضول
منذ أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين بدأنا نشهد في العالم العربي والإسلامي بروز العديد من المشاريع العربية والإسلامية للنهضة والإصلاح، سواء في المجال السياسي أو الديني، وكانت هذه المشاريع تنطلق ردا على المؤشرات حول الأزمات التي كانت بدأت تواجهها السلطة العثمانية وبدء سقوط بعض المناطق العربية والإسلامية تحت سيطرة الاستعمار (البريطاني والفرنسي والبرتغالي والإيطالي)، فيما كانت أوروبا ولاحقا أمريكا تشهد تطورات علمية واقتصادية وفكرية واجتماعية كبيرة، كما سقطت تجربة محمد علي باشا الإصلاحية في مصر في منتصف القرن التاسع عشر.

هذه التحديات دفعت المفكرين والعلماء المسلمين للبحث في أسباب الهزيمة وكيفية النهضة ولماذا يتقدم الغرب علينا، وبرزت أفكار ومشاريع الشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني حول الإصلاح والدعوة للجامعة الإسلامية، كما كتب شكيب أرسلان كتابه الشهير: "لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟"، وبرزت في كل أنحاء العالم الإسلامي مشاريع متعددة لمقاومة الاستعمار وكيفية النهوض.

وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى (1914-1918) ومن ثم نهاية الخلافة العثمانية على يد أتاتورك في العام 1923، بدأ البحث عن البدائل لمواجهة هذا التحدي، وبرزت الحركات الإسلامية ومنها حركة الإخوان المسلمين ومن ثم التيارات السلفية وصولا لحزب التحرير وحزب الدعوة الإسلامية وغيرها من الأحزاب والحركات الإسلامية.
بعد معركة طوفان الأقصى والحرب على قطاع غزة وتداعيات هذه المعركة الكبرى؛ عادت الأسئلة مجددا عن الحلول المطروحة والمشاريع العربية والإسلامية التي يمكن أن تقارب الأزمات الجديدة، وكيفية تحويل هذا التحدي الكبير إلى فرصة جديدة لاستعادة الوحدة وتقديم رؤية جديدة فكرية إسلامية أو عربية

كما قدّم الكثير من العلماء من الهند وباكستان إلى إيران والعراق وسوريا وفلسطين ولبنان ومصر وليبيا وتونس والمغرب والخليج؛ مشاريع نهضوية فكرية وفي مواجهة المشروع الصهيوني والاستعماري نشأت أيضا الأحزاب القومية واليسارية، ومنها حزب البعث والحزب القومي السوري الاجتماعي وحركة القوميين العرب، وكلها تحاول الإجابة عن أسئلة التقسيم والهزيمة والانهيار وكيفية تحرير فلسطين.

ولاحقا ظهرت التجربة الناصرية، فيما كانت الحركات الإسلامية تنتشر في بقاع الأرض وتواجه التحديات المختلفة، وبدأ يبرز علماء جدد يبحثون عن الحلول؛ ومنهم أبو الأعلى المودودي وسيد قطب والشهيد محمد باقر الصدر والإمام الخميني ونواب صفوي والإمام كاشاني والدكتور فتحي يكن، وعلماء ومفكرون آخرون، والكل يبحث عن الحلول الإسلامية للأزمات المختلفة، وبرزت تجربة مؤسسة التقريب بين المذاهب الإسلامية في مصر والتي لعبت دورا مهما في مواجهة الخلافات المذهبية الفقهية والفكرية.

ولاحقا، بدأ الفكر القومي العربي يتطور، وبعد هزيمة العام 1967 انتشر نقد الفكر الديني ومراجعة العقل العربي، وبدأت تبرز مؤسسات فكرية عربية تبحث في المشروع القومي العربي وأسباب الهزيمة؛ ومنها مركز الأهرام للدراسات في مصر ومركز دراسات الوحدة العربي ومعهد الإنماء العربي في بيروت.

ولاحقا وبعد الثورة الإسلامية في إيران، بدأت العودة مجددا إلى الفكر الإسلامي، ونشأت العديد من مراكز الدراسات الإسلامية والمعاهد الإسلامية للبحث في تأصيل العلوم الإسلامية؛ وكان أبرزها المعهد العالمي للفكر الإسلامي الذي نشأ في أمريكا، وغيره من المؤسسات الإسلامية التي عملت لتطوير المشروع الإسلامي كي يواكب المتغيرات.

وعاد مشروع الوحدة الإسلامية للبروز مجددا عبر مؤسسات جديدة بدأتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومن ثم تجربة تجمع العلماء المسلمين في لبنان، وصولا لتجربة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي والاتحاد العالمي للعلماء المسلمين ومشاريع المرجع السيد محمد حسين فضل الله والإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين والعلامة الشيخ فيصل المولوي. ومن ثم شهدنا تجربة المقاومة الإسلامية في لبنان والتقارب القومي- الإسلامي والدعوات للحوار التركي- الإيراني- العربي، والعودة إلى فقه المقاصد وغير ذلك من الدعوات التجديدية في الفكر العربي والإسلامي، وصولا إلى تجربة الرفاه وحزب العدالة والتنمية في تركيا وتجربة مهاتير محمد في ماليزيا، ولاحقا الربيع العربي ووصول الحركات الإسلامية إلى الحكم وما نتج عن ذلك من صراعات وأزمات لا زلنا ندفع ثمنها إلى اليوم.

وإزاء كل حدث كبير يشهده العالم العربي والإسلامي كنا نشهد محاولات للمواجهة والتفكير والتجديد، والبحث عن الحلول للأزمات المختلفة.

واليوم وبعد معركة طوفان الأقصى والحرب على قطاع غزة وتداعيات هذه المعركة الكبرى؛ عادت الأسئلة مجددا عن الحلول المطروحة والمشاريع العربية والإسلامية التي يمكن أن تقارب الأزمات الجديدة، وكيفية تحويل هذا التحدي الكبير إلى فرصة جديدة لاستعادة الوحدة وتقديم رؤية جديدة فكرية إسلامية أو عربية.

وعلى ضوء الكثير من النقاشات والحوارات التي تجري حول المشروع العربي أو الإسلامي الحضاري البديل، يدعو بعض الباحثين إلى تعميق التفكير بما يجري على ضوء التطورات الجارية للوصول إلى مشروع فكري جديد، وضرورة الإجابة على أسئلة أساسية في ما يخص الفكر الإسلامي المعاصر، ومنها: كيف نبني المفهوم الإسلامي بشكل علمي؟ وكيف نتأكد من كونه بديلا؟ وكيف نقابله مع الواقع والتجربة؟
على ضوء الكثير من النقاشات والحوارات التي تجري حول المشروع العربي أو الإسلامي الحضاري البديل، يدعو بعض الباحثين إلى تعميق التفكير بما يجري على ضوء التطورات الجارية للوصول إلى مشروع فكري جديد، وضرورة الإجابة على أسئلة أساسية في ما يخص الفكر الإسلامي المعاصر، ومنها: كيف نبني المفهوم الإسلامي بشكل علمي؟ وكيف نتأكد من كونه بديلا؟ وكيف نقابله مع الواقع والتجربة؟

واعتبر هؤلاء الباحثون أن هناك جملة ملاحظات يجب أخذها بعين الاعتبار، ومنها:

1- إن مسألة تجربة الطروحات الإسلامية في الاقتصاد لا زالت ضعيفة، ويجب إجراء المزيد الطروحات والتجارب في هذا المجال.

2- يجب التعمق في موضوع المفهوم، وهذه مسألة أساسية وجوهرية في الفكر الإسلامي.

3- يجب البحث عن طروحات عالمية للفكر الإسلامي، ومحاورة الرأسمالية.

4- البحث عن طروحات قابلة للتطبيق.

5- يجب أن يكون الطرح منهجيا، لأن المنهجية هي المسألة الأساسية، كما في الغرب.

6- إعادة فهم الغرب والعالم على ضوء المتغيرات الحصلة اليوم في العالم وتقديم رؤية جديدة قادرة على مخاطبة كل شعوب العالم، وخصوصا الذين تبنوا القضية الفلسطينية ودافعوا عنها.

7- الاستفادة من الثورة التكنولوجية الحاصلة اليوم والمساهمة الحقيقة في هذه الثورة بدل أن نكون مستهلكين لها.

8- بناء القوة واعتبار خيار المقاومة هو الأساس في أية مواجهة مستقبلية.

9- إعادة تصحيح العلاقات العربية والإسلامية، والوصول إلى أفضل علاقات بين الشعوب العربية والإسلامية ومع أحرار العالم.

هذه بعض الأفكار والطروحات اليوم لإعادة تقديم المشروع العربي والإسلامي البديل، مع التأكيد على ضرورة وجود مؤسسة وحدوية أو جهة قادرة على رعاية هذا المشروع بعيدا عن الخلافات المذهبية أو السياسية أو الفكرية.

فهل من يتصدى لهذه المهمة الكبرى اليوم؟

twitter.com/kassirkassem
التعليقات (0)