كتاب عربي 21

منطق صاحب البقالة ينطبق على المستوى الدولي أيضا

شهيد بولسين
1300x600
1300x600
لا شك أننا جميعا قد مررنا بتلك التجربة، حيث ندخل إلى أحد المتاجر ثم نجد أن صاحب المتجر يخبرنا بثمن مرتفع بشكل سخيف لإحدى السلع التي نرغب في شرائها. وفي حقيقة الأمر، لا يتوقع أبدا أن نوافق على هذه القيمة العالية، ولكنه يتوقع منا أن نحاول مساومته في السعر، وهذا التصرف ما هو إلا محاولة لإمالة الصفقة إلى صالحه حتى نوافق في النهاية على السعر الذي يضمن له رغم كل شيء هامش ربح مقبول.

طبعا إذا لم نساومه في السعر، وقبلنا فورا بالسعر المبالغ فيه الذي يطلبه منا؛ فسيصبح أسعد بكثير، إذ إنه لا شك سيرضى بأي سعر أعلى من القيمة التي حددها هو للسلعة.

وعلى نطاق أوسع وأكثر تعقيدا، هذا هو تحديدا ما يحدث مع الشركات متعددة الجنسيات.

فمن أجل الربحية نجدها تطالب بإصلاحات اقتصادية كلية، وتقليص القواعد المنظمة، وتقليل الأجور وتسريح العمالة، والاستعانة بمصادر خارجية، وتحرير السوق، من أجل ضمان تغلبها على الشركات المحلية الصغيرة وخصخصة الصناعات المحلية، وهكذا دواليك. 

وكل هذه المحاولات ما هي إلا إعادة تشكيل للحكومات والسياسات الاجتماعية، بحيث تكون وظيفتها الأساسية هي المساهمة في زيادة ربحية هذه الشركات. فهي تشبه إلى حد كبير صاحب المتجر الطماع من خلال مجموعة من المطالب غير المعقولة التي تهدف إلى مضاعفة الربحية، ومثل صاحب المتجر، سترضى هذه الشركات بأي ربحية تزيد على القيمة والنفقات، وليس علينا أن نلومها من أجل محاولتهم هذه.

المشكلة كلها هي أننا لا نساوم!

تماما مثل صاحب المتجر الذي توجد لديه عدة أسباب تبرر له رفع قيمة بند واحد بهذا الشكل، فهو يسوق لنا مبررات مثل: هي قطعة نادرة، هي آخر قطعة لدي، هي مصنوعة يدويا، لقد طلب مني عميل آخر أن أقوم بحجزها له، أسعار المتجر عالية... إلخ، وبالطريقة ذاتها، نجد أن الشركات متعددة الجنسيات لديها تبريرات لا نهائية للأسباب التي تدفعها لاستعباد وإخضاع الحكومات ذات السيادة بحجة أن هذا الأمر ضروري، فهي ترى في نفسها أنها تحفز النمو الاقتصادي وتخلق فرص عمل، وتحتضن الإبداع، وتحسن من نوعية حياتنا، وتقلل من مستويات الفقر... إلخ.

ونجد أن لدى هذه الشركات نظاما معقدا جدا يساعد على ترويج مثل هذه المبررات، يتكون من: صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والخبراء الاقتصاديين والسياسيين مدفوعي الأجر، ووسائل الإعلام المملوكة للشركات نفسها... وبالتأكيد، مثلها مثل صاحب المتجر، هذه كلها أكاذيب واضحة ويمكن تفنيدها بسهولة.

فلا يوجد اقتصاد متقدم في الغرب قام بتحقيق نموه عن طريق تطبيق هذه السياسات التي يقوم العالم المتقدم بالدفع بها إلينا وترويجها، ولكن العكس تماما هو الذي حدث، فالولايات المتحدة أصبحت أكبر قوة اقتصادية في تاريخ البشرية، لا لشيء إلا لأنها ترفض تماما هذه السياسات التي تريد أن تجعل دولا أخرى تطبقها.

أما وقد وصل العالم الغربي إلى ذروة القوة الاقتصادية عن طريق الحماية الاقتصادية والحواجز التجارية، فقد أصبح من أشرس دعاة التجارة الحرة وتحرير الأسواق للاقتصادات النامية والأضعف، لا لشيء إلا لكي يهيمن عليها ويكبل نموها، ومن ثم تتزايد أرباح شركاته.

مرة أخرى، لا يمكننا أن نلوم الشركات على المحاولة، فالمنطق الداخلي للشركات التجارية يجعلها بهذه الشراسة بطبيعتها، فهي ليست مؤسسات خيرية ولا هيئات اجتماعية، ولكنها موجودة فقط من أجل التربح، وستحاول دائما أن تضاعف من أرباحها، وإذا تمكنت من الحصول على هذه الأرباح فلن تشعر بأي ذنب حيال ذلك الأمر.

وتماما، كما تستعد للمساومة عندما تدخل المتاجر، عليك بالطريقة ذاتها أن تستعد لتحدي الأطماع الجامحة للشركات متعددة الجنسيات، فحيث لا وجود لأي آليات ديمقراطية (وأنا حقيقة لا أعرف أين قد توجد هذه الآليات في معزل عن هيمنة الشركات)، فإن مفاوضاتنا مع سلطة الشركات الكبرى لا بد بالضرورة أن تتخذ شكلا تعطيليا.
التعليقات (0)