قضايا وآراء

السقوط الغبي في أفخاخ المجرم أفيخاي أدرعي

مخلص برزق
1300x600
1300x600
تتنوع أشكال المواجهة في كل الحروب بين عسكرية وسياسية واقتصادية وإعلامية وأمنية وغيرها، دون أن تقتصر على شكل تقليدي ثابت، فالأدوات والأسلحة والخطط تتطور دوما ويتم تحديثها أولا بأول لتواكب مجريات الصراع، فالحرب خدعة، وهي في حقيقتها صراع أدمغة وإرادات بين طرفين متخاصمين يبذل كل واحد منهما وسعه لإبادة الطرف الآخر أو على الأقل تركيعه وإذلاله وإخضاعه. وفي صراعنا مع اليهود المحتلين لأرضنا ومقدساتنا شهدنا وما نزال نشهد فصولا من أشكال المواجهة بوتيرة قد لا تتكرر مع مواجهات مماثلة بالنظر إلى أنهم يخوضون حربا وجودية لا تحتمل بالنسبة لهم خسارة واحدة. 

لم يكن معقولا أو منطقيا أن يتم تخطي ساحة ساخنة جدا أثبتت مع الأيام أنها ميدانا مثاليا لخوض معارك أمنية معلوماتية وفكرية وثقافية وإعلامية.. معارك تدور رحاها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعية وفي دهاليز الشبكة العنكبوتية ومخابيها. كان منها ما أحدثه دخول الناطق باسم جيش الاحتلال المجرم "أفيخاي أدرعي" على خط مواقع التواصل بصفحة تفاعلية باللغة العربية تسببت في إحداث بلبلة كبيرة كثر معها الحديث عن حكم المشاركة فيها لصفحته -هو ومن على شاكلته- وتمحورت نقاشات كثيرة حول إباحة ذلك وحرمته ودواعي الاشتراك في تلك الصفحات.

 فمن قائل إنّه يحاول تقصي وجهات نظر العدو للأحداث، وآخر يزعم أنه إنما اشترك بها ليشوش على صاحب الصفحة بالانتقادات اللاذعة والاستهزاء، وآخر يبرر مشاركته بالتصدي لما تبثه تلك الصفحات من شبهات وسموم، وأن عمله يندرج ضمن تبيين الحقائق ورد الشبهات، ومن مُهوِّن لخطر المشاركة ومُهوِّلٍ لها. وها نحن نشهد كيف تبرع الكثيرين على تنوع مقاصدهم ببث آخر مهازل تلك الصفحة التي تضمنت مقطعا لأولئك القتلة الأشد عداوة للإسلام والمسلمين وهم يتحلقون مائدة إفطار ويوجهون التهنئة للمسلمين بحلول شهر رمضان المبارك.. وكأن ما ارتكبوه في شهر رمضان من العام الماضي من فظائع ومجازر بشعة يندى لها جبين البشرية بحق البشر والشجر والحجر في غزة يمكن أن تغطيه تهانيهم الكاذبة ومشاعرهم البلاستيكية المصطنعة.

بالنظر إلى طبيعة تلك الصفحات فإنها قطعا لا يمكن أن تكون صفحات شخصية بحتة كما يروج البعض لذلك بنية حسنة أو غير ذلك بقصد تبسيط الأمر وتهوينه. إنها ليست صفحات اجتماعية يتواصل بها ناطق رسمي باسم جيش الاحتلال مع أقاربه وأصدقائه وأحبابه أو يصبو إلى تمضية وقته والترفيه عن نفسه خارج إطار الدوام الرسمي، إنها صفحات تصدر عن منظومة استخباراتية عسكرية تخوض حربا معقدة للأدمغة والإرادات يتم خلالها استخدام كافة الوسائل الممكنة للحصول على أي معلومة يمكن أن تسهم في ترجيح كفة العدو وتسجيل اختراق لصالحه.

إنها صفحات ذات طابع استخباراتي تجسسي بحت وأداة لبث مادة إعلامية مدروسة بعناية فائقة يتم خلالها التعامل مع كافة ردود الفعل عليها بما يخدم الاحتلال، ويشرف عليها طاقم متخصص يرقب كل حرف وكلمة ويتتبع كل داخل وخارج ويسجل كل ردود الأفعال على ما ينشر ويبث من خلالها، ويتم توظيف الاشتراك بها لخدمة العدو في معركته نفسيا ومعنويا وإعلاميا وليس أدل على ذلك من نشر المجرم أفيخاي أدرعي مقالا نشر على عدد من الصحف الأمريكية جاء فيه: ”عدد كبير جدا من الشعب الفلسطيني ضد الإرهاب وضد حماس وقتل المدنيين والدليل واضح على صفحتي عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ”نصف مليون فلسطيني“ وأكثر وضعوا بصمات إعجابھم على صفحتي الشخصية لأنهم ضد الإرهاب ويدعمون ويساندون قيادة جيش الدفاع الإسرائيلي“.

إن مجرد المشاركة في تلك الصفحات يعد شكلا من أشكال التطبيع المحرّم الذي تزول فيه كل الحواجز النفسية والأمنية وترفع فيه الكلفة مع أساطين الإجرام وينطبق عليه وصف الموالاة المحرمة لليهود والنصارى التي حذر الجبار منها بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة:51]. ولا يؤمن على من يرتاد تلك الصفحات ومتابعة ما فيها من سموم أن يصاب بتشويش بالفكر والتوجه والمعتقد بما ينذر بخطورة الوقوع في حبائل الإسقاط والتجنيد لمن لا حصانة له.

إن المشاركة في هذه الصفحات يعد تسهيلا لعيون العدو للتجسس على جبهتنا الداخلية، وإنجاحا لخططه ومخططاته الأثيمة للوصول إلى مبتغاه في كشف أسرارنا وخبايانا، ويُخشى على من يتساهل في ذلك الوقوع في كبيرة التجسس لصالح الأعداء وإفشاء أسرار المسلمين (فإذا كان التجسس للوقوف على عورات الأفراد ومعائبهم أمرا محرما، فإنَّ التجسس على الأمة الإسلامية لحساب أعدائها أشدُّ حرمة، وأعظم خطرا وضررا على البلاد، والعباد، وخيانة لله ورسوله وللأمة، وقد تحدَّث الفقهاء رحمهم الله تعالى على عقوبة من يقوم بهذا العمل الخطير، الذي يُعرِّض الأمة الإسلامية بأكملها لأضرار فادحة، قد يستمرُّ أثرها لأمد بعيد، محطما كافة النواحي السياسية والاقتصادية، والاجتماعية للدولة الإسلامية) . ولا شك بأن (من أكبر الكبائر وأفظعها التجسس على المسلمين، وإفشاء أسرارهم الحربية إلى أعدائهم، أو إلى من يوصل إليهم) . (وإذ قد اعتبر النهي عن التجسس من فروع النهي عن الظنِّ، فهو مقيَّد بالتجسس الذي هو إثم، أو يفضي إلى الإثم، وإذا علم أنه يترتب عليه مفسدة عامة؛ صار التجسس كبيرة. ومنه التجسس على المسلمين لمن يبتغي الضرَّ بهم...).

إن الأضرار الناجمة عن المشاركة في هذه الصفحات محقّقة وكبيرة وخطيرة، ولا يمكن مقارنتها مع أية فوائد أو مكتسبات مزعومة، وعلى علماء الأمة أن يبينوا الحكم الشرعي في هذه المسألة بشكل قطعي لا يحتمل التأويل أو التأخير بما يتعلق بالمشاركة فيها -لغير أهل الاختصاص- بمتابعتها (Like or Follow)، أو الاقتباس منها(share)، ونقل الأخبار عنها، أو الدعوة إليها، لما في ذلك من إضرار بالمسلمين وتمكينٍ للعدو من تحقيق خططه ومآربه الخبيثة وتعريض للكثير من الغافلين لخطر الانزلاق في مستنقع العمالة للعدو الصهيوني والتطبيع معه. وإلى أن تصدر مثل تلك الفتاوى فعلى العقلاء أن يدقوا ناقوس الخطر بشأن الاستخدام التعسفي الاعتباطي لمواقع التواصل الاجتماعي على غير دراية وبصيرة، بما يمكن أن يفتح ثغرات قاتلة على الأمة من قبل فئة تزيّت بمسوح الحكم الفيسبوكية، والعبقرية التويترية، و"الانتلجنسيا" الواتسية، دون أن تعي مقولة: لا عزاء للأغبياء!!.


*المراجع

 1- "عقوبة الإعدام دراسة فقهية مقارنة لأحكام العقوبة بالقتل في الفقه الإسلامي" لمحمد بن سعد الغامدي (ص 472).
 2- "عبد القادر العاني - بيان المعاني" (6/ 226).
 3- "التحرير والتنوير" لمحمد الطاهر بن عاشور (26/ 254).
التعليقات (0)