قال كبير محرري "ذا إيكونومست" والمدير السابق لمكتبه في موسكو إدوارد لوكاس، إن الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين، في ذروة سعادته ويتبادل الأنخاب مع من حوله وذلك في الوقت الذي يعيش فيه الأوروبيون من حلفاء الولايات المتحدة على وقع الصدمة، جراء فوز دونالد
ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وأشار لوكاس في مقال له: "لطالما أعرب ترامب عن تشكيكه بفاعلية حلف شمال الأطلسي (ناتو). وفي كتابه الصادر عام 2000، تحت عنوان "أمريكا التي نستحقها"، كتب ترامب قائلا إن "على دول شرق أوروبا أن تحل مشاكلها الإقليمية القديمة وحدها دون تدخل أمريكي".
وقال: "ربما كان موقف ترامب آنذاك نابعا من تداعيات الحرب التي كانت رحاها تدور قبل ذلك بسنوات في يوغسلافيا السابقة، ولكن القلق الأمني الأوروبي الآن لا يتعلق بالبلقان، بل بالتهديد الذي يشكله بوتين على أوكرانيا. غير أن السيد ترامب لا يبدو أن لديه مخاوف مماثلة، حتى إنه عبّر خلال حملته الانتخابية عن موقفه من حلف
الناتو، قائلا إن أمريكا عليها ألا تُدافع إلا عن الدول التي تدفعها حصتها المالية بالكامل".
وأردف لوكاس: "أما المقرب منه نيوت غينغريتش، المرشح لمنصب وزير الخارجية، فقد تجاوز هذا الموقف إلى حد القول بأنه يشك في قدرة واشنطن على الدفاع عن إستونيا بحال تعرضها لغزو روسي"، مضيفا أن "الدولة الصغيرة الواقعة في شرق أوروبا تبدو فعليا واحدة من ضواحي مدينة سان بطرسبيرغ الروسية، رغم أن تلك الدولة هي واحدة من بين حفنة محدودة العدد من الدول ضمن حلف الناتو تقوم فعليا بتسديد المتطلبات المالية الواجبة عليها".
وأوضح لوكاس أن حقبة وجود ترامب في السلطة ستزعزع الأسس التي تقوم عليها الالتزامات الأمنية الأمريكية تجاه أوروبا منذ عام 1941، مشيرا إلى أن أوروبا لا تزال تعتمد بشكل كبير على القدرات العسكرية الأمريكية، وخاصة في مجالات الردع النووي والقوة الجوية والمدرعات والخدمات اللوجستية وكذلك المعلومات الاستخبارية. واستدرك بالقول: "أما اليوم، فستسارع دول القارة للبحث عن طرق لحماية نفسها، وسيندم البعض منها على التأخر في فعل ذلك بعد التحذيرات الأمريكية العديدة لها من مغبة عدم الإنفاق على الدفاع".
وقال لوكاس: "إن وجهة النظر الغربية للعلاقات الدولية منذ فترة ما بعد العام 1991، تقوم على الآتي: تسعى الدول الكبرى لتحقيق مصالحها بطريقة غير عدائية وضمن شبكة من العلاقات الثنائية. الدول الصغيرة بالمقابل تبقى لها كلمتها إزاء ما يحصل. أما النزاعات فتحل عبر المفاوضات أو في قاعات المحاكم دون اللجوء إلى قوة السلاح".
ولفت الكاتب إلى وجهة نظر الكرملين، حيث قال: "لا يمكن لموسكو قبول هذه المبادئ التي ترى روسيا أنها كُتبت في فترة كانت فيها ضعيفة وخائرة القوى بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. وتعتقد موسكو بأنها عبر هذه المبادئ عرضة للمعاملة وكأنها مجرد لاعب آخر على الساحة وليست الدولة الأكبر حجما في العالم من حيث المساحة".
ونوه إلى أنه "لطالما بحثت روسيا عن طرق لتبديل اللعبة وقد اختبرت مدى صبر الغرب عام 2007 عندما شنت هجوما إلكترونيا على إستونيا، وكذلك خلال حربها مع جورجيا عام 2008، وبعد ذلك ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، وما تبع ذلك من تشققات وشروخ في الثقة تسببت بها موسكو في التحالف الأطلسي عبر استضافتها لإدوارد سنودن، المنشق عن وكالة الأمن القومي الأمريكية".
وقال إن "روسيا لم تواجه عقوبات كبيرة بسبب كل تلك التصرفات، وهي الآن أمام رئيس أمريكي جديد لا يؤمن بضرورة معاقبتها أصلا. اللعبة برمتها باتت بيد بوتين والفوز في المباراة بمتناول يده".