كتب محرر الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية الخميس، مقالاً أشار فيه إلى حالة تمر فيها
الدولة الإسلامية بعدما أرست مكانتها. فبدأت تواجه في الحاضر صعوبة بالسيطرة على أفرادها، مما دفع التنظيم إلى إنشاء سجون، تُستخدم كمراكز تحقيق وتوقيف لأعضائها المُتهمين بعدم الإخلاص.
ويرى تسفي بارئيل أن هذه الحالة معروفة، وقد خاضت بها الكثير من التنظيمات بعد فترة من إرساء قواعدها. ويسلط الضوء على حدوث خلافات داخلية وانقسامات سياسية مؤخراً، أدت إلى عمليات إعدام وصراعات مُسلحة بين قادة في الميدان، وإلى ظاهرة تسرب ومحاولات هرب لمتطوعين من العراق وسوريا. ويمضي الكاتب باستعراض هذه الظاهرة وتحليلها بناء على كتابات وأخبار معلنة في وسائل الإعلام والصحف العالمية..
نشرت هذا الأسبوع، على سبيل المثال، صحيفة الفاينانشال تايمز أن التنظيم أعدم مئة متطوع أجنبي حاولوا الهرب من مدينة الرقة السورية. تم قبل بضعة أيام توقيف 12 مواطناً أوروبياً، منهم خمسة بريطانيين، وألمانيان وبلجيكيان، بعدما طلبوا إذناً بالعودة إلى بلادهم. إضافةً إلى ذلك، ووفقاً للمركز الدولي لأبحاث التطرف في لندن، فقد أبلغ حوالي 50 مواطناً بريطانياً عائلاتهم برغبتهم بالعودة إلى بريطانيا.
ثمة دلالة أُخرى على وجود تصدعات داخل صفوف الدولة الإسلامية، يمكن استنتاجها عبر مقطع فيديو نشره التنظيم أعلن فيه عن اعتقال أربعة من مقاتليه، يتحدثون اللغة التركية، كانوا يخططون للقيام بانقلاب داخلي؛ لأن داعش باعتقادهم ليس تنظيماً مُتطرفاً كفاية. وتم تسجيل الفيديو، دون علم الأربعة، بحسب تصريحات التنظيم، حيث يمكن مشاهدتهم وهم يتحدثون عن رغبتهم بقتل زعيم الدولة الإسلامية لأنه كافر.
وقتل أحد مقاتلي داعش أحد قادة التنظيم بالقرب من مدينة البوكمال الواقعة على الحدود السورية- العراقية، بسبب خلاف على السيطرة على المعبر. وفي
سوريا ذاتها برز خلاف كبير بين المتطوعين الشيشان وقيادة الدولة الإسلامية على إثر رفض الميليشيا الشيشانية، التي تنشط في منطقة اللاذقية شمال غرب سوريا، الإعلان عن ولائها للتنظيم. وبرز خلاف آخر، بين المقاتلين الشيشان وقيادة التنظيم فيما يتعلق بعلاج الطيار الأردني الذي أسرته الدولة الإسلامية. يطالب الشيشانيون بإعدامه بينما تُفضل قيادة التنظيم أن يبقى على قيد الحياة للمساومة عليه.
هل من شأن هذه الخلافات أن تؤدي إلى تفكك التنظيم من الداخل؟ لا يزال الحديث في هذه المرحلة عن خلافات محلية وليس عن ظاهرة واسعة، إلا أنه من المتوقع أن نشهد في المدة الأخيرة انشقاق تنظيمات صغيرة من داعش وسيطرتها على مناطق خاصة بها، بالتعاون مع بعض الميليشيات السورية المُسلحة التي لا تتبع داعش.
وأنشأ تنظيم الدولة الإسلامية سجوناً خاصة به في بعض المدن التي يُسيطر عليها، ويستخدمها كمراكز تحقيق وتوقيف أيضاً، ضد أفراد التنظيم الذين يُتهمون بعدم الإخلاص للتنظيم. تقع على التنظيم أيضاً مسؤولية تجاوز التفاوت بين قوات المتطوعين والتشكيلات التي تعتمد على المواطنين المحليين.
وانضمت، على سبيل المثال، في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) "الكتيبة الخضراء" التابعة لـ "جيش المهاجرين وأنصار النبي" (الاسم يُشير إلى أتباع النبي الذين هاجروا معه من مكة إلى المدينة عام 622)، وغالبيتهم مقاتلون سعوديون، إلى صفوف الدولة الإسلامية. إلا أن الكثيرين من أعضاء "جيش المهاجرين" هم شيشانيون، موالون لـ "جيش الخلافة" الذي مقره في الشيشان. لا يُلغي الانضمام لصفوف الدولة الإسلامية النظام الداخلي للميليشيات، إذ يستمر قادتها بأداء مهماهم، فتعمل تلك التشكيلات بشكل مُستقل، لكنها تستفيد من الدعم المالي للتنظيم الأساسي.
تشتت وحدات الدولة الإسلامية والإدارة المُستقلة لكل واحدة من تلك الميليشيات، أمر يجعل وجود قيادة عليا واحدة أمراً زائداً، ويضع نجاعة الغارات الجوية لقوات التحالف في دائرة الشك. ولا يملك تنظيم الدولة الإسلامية قواعد كبيرة أو مُعسكرات يمكنها أن تُستخدم أهدافاً مناسبةً لمهاجمتها، وحتى هذه اللحظة، رغم عدد الغارات الكبير نجد أن النتائج على الأرض ليست مُلفتة. والفائدة الواضحة حتى الآن هي إصابة بعض حقول النفط ومنشآت التنقيب في سوريا، الأمر الذي قلل بشكل كبير أرباح التنظيم من بيع النفط.
مقابل هذا الواقع الذي يعيشه تنظيم الدولة الإسلامية، نجد أن المساعي الدولية لإيجاد حل سياسي في سوريا ما زالت تتقدم ببطء شديد. وروسيا هي الجهة الفاعلة الآن وتخطط لعقد مؤتمر قمة بخصوص سوريا في بداية العام القادم. وورد الأربعاء نبأ عن موافقة 20 فصيلاً وتنظيماً من
المعارضة السورية على عقد لقاء في القاهرة، لطرح موقف مُشترك في القمة الروسية.
ولا تشكل فصائل المُعارضة تلك جزءاً من المعارضة السورية الرسمية التي لم تقرر بعد كيف سترد على المبادرة الروسية. ولم يتم بعد تحديد موعد لقاء تلك الفصائل، إلا أنه الآن يبدو أن القاهرة ستأخذ مكان تُركيا؛ قاعدةً للقاءات فصائل المُعارضة. والمُشكلة هي أنه حتى لو حدث توافق في القاهرة بين فصائل المُعارضة، وحتى إن تحوّلت المُبادرة الروسية إلى خطة فعلية، فلن يكون ذلك كافياً من أجل بلورة استراتيجية موحّدة ضد تنظيم داعش.