برز الأسود بطلًا من أجل زيادة الإقبال والبيع في شباك التذاكر
بطل
جديد، له أسلاف قدماء، من مدينتين مذكورتين في العهد القديم، بعثته السينما صانعة الأبطال
والأمجاد الملونة من دخان الحضارة، أما الثاني، فمعروف، مساعد بطل غالبًا، أحيانًا
مجرم، فالمجرم بطل أيضًا، بطل في الشرّ المثير.
البطلان
هما المثلي والأسود، المثليّ هو البطل الجديد، أما الأسود، فله عهد في القدم سينمائيا،
لكنه ليس قديمًا جدًا.
يشخّص
المنتج والمخرج والفنان الروسي نيكيتا ميخالوف في برنامج "المقابلة" مع علي
الظفيري خصيصتين من خصائص السينما الأمريكية، ويتحدث بحكمة غير مألوفة لدى صنّاع السينما
عن الشيوعية الإمبريالية، فهي سينما هيمنة وتحكم واستعباد وأسر، تمنع المشاهد من التفكير
وتشدّه إلى الدماء والقتل، وقد صاغت السينما المشاهد صوغًا وخلقته خلقًا جديدًا، فقال
عن شروط السينما الأمريكية ساخرًا: "يجب أن يتضمن الفيلم على واحد من مثليي الجنس،
وآخر ملوّن البشرة، وهي شروط العالم المتحضر التي يقول إنها تذكره بقسم الأيديولوجيا
في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي عندما كانوا يقولون إنه يحظر على العامل السوفياتي
أن يقع في حب فتاة بلغارية (وهما سلافيان عرقيًا وأرثوذكسيان طائفة)؛ وإن حدث هذا فيجب
أن يكون ذلك في فيلم عن الصداقة بين الشعبين، يجب أن لا تهدر قصة حب الروسي للبلغارية،
فلا بد من التجارة بها والوصل بين الشعوب!
وهذه
إمبريالية شيوعية لم يذكرها المخرج الروسي.
ويردُّ
ذيوع السينما الأمريكية إلى دأبها وجدّها، وتأثير الكساد العظيم في أواخر الثلاثينيات
عليها، والتي منها انبثق الشرطي الذي يطارد اللص والمجرم، ويلاحقه المجرم أو يهرب منه،
بينهما اشتعلت معركة طويلة، وصراع دائم ومشوّق.
المشاهد
الأمريكي لا يستطيع لكسل ذهنه مشاهدة أفلام مترجمة، وأثنى على أفلام مجيد مجيدي الرقيقة
التي كثيرًا ما عصرت الدموع من قلبه عصرًا، وسفحتها على خديه، وهو محقّ في بعض التشخيص،
لكن ما غاب عن المخرج المعروف في روسيا، والذي حاز الأوسكار، أنّ الصراع والقتل في
خصائص تكوين الشخصية الأمريكي وجبلّته، فوطنه نشأ على الغزو والاحتلال والإبادة، وعلى
ركن العقيدة الداروينية، الصراع من أجل البقاء، أما سبب بروز البطل الأسود في السينما
الأمريكية، فله طبقات ودرجات، وله وشائج مع المثليّ كما سنرى في هذه التفسيرات:
التفسير
الربحي والتجاري:
برز
الأسود بطلًا من أجل زيادة الإقبال والبيع في شباك التذاكر، فنسبة السود في أمريكا
تبلغ 12%، وهي كتلة سكانية تدفع التاجر إلى مراعاتها ومغازلتها، والمخرج إلى العناية
بها، مع أن بطولته مخالفة للتاريخ والواقع، الذي يعاني من العنصرية، ولا يمرّ شهر إلا
وتنفجر قضية متصلة بقتل الشرطة للسود، فهو ضحية، ومن الأبطال من كان ضحية وقربانًا،
وزّع صناع السينما حظًا من البطولة على السود، حتى إنك لتجد أبطال كاوبوي سود، وهو
مخالف للتاريخ، فبقراءة تاريخ أمريكا سنجد نضال السود منذ رواية كوخ العم توم، مرورًا
بالجذور، ومالكوم أكس، ومحمد علي كلاي، وحركات السود، بل إن بعض المخرجين مضوا بعيدًا
فجعلوا آلهة الإغريق سودًا! وكثيرًا ما نجد المحقق البوليسي والقاضي من السود. الواقع
يقول: إن المساجين أكثرهم من السود بسبب صعوبة العثور على الأعمال.
رتبة
البطل المسلم في الفلم الهندي أدنى من رتبة الأسود في الفلم الأمريكي، مع أن لونه أفتح
من لون الهندي الهندوسي بسبب هجنته مع الفاتحين المسلمين، فهو مساعد بطل واسمه محمود
غالبًا، وهو شخصية ثابتة، وهو مهرج يضحك الناس، البطولة المطلقة هي للبطل الهندوسي.
التفسير
الثاني:
وهو
التفسير الاعتذاري والاستغفاري عن الحقبة العنصرية واضطهاد الزنوج قبل قانون تحرير
الزنوج الذي أصدره أبراهام لنكولن، وواجه مشاكل وعقبات في التطبيق. وقد كثرت أفلام
البطل الثنائي، الدويتو في أفلام الأكشن، مثل فلم ساعة الزحمة، وبطلاهما ملوّن آسيوي
وأسود، هما جاكي شان وكريس تاكر، وغيرها كثير، المثليّ لم يظهر بعد بطلًا في السينما
الأمريكية، فهو حديث الظهور.
التفسير
الثالث:
وهو
الذي نميل إليه لمناسبته العقيدة الداروينية الأمريكية وهو أن الانتصار للبطل الأسود
خدعة، وحيلة، نجد ذكرها كاملة في فلم "مررت من هنا" الذي أُنتج هذه السنة،
ويروي قصة قاض أمريكي أبيض يناصر السود والأقليات، وينتصر لهم في المحاكم، وما ذلك
إلا لأنه قاتل يحتفظ في قبوه بأسرى مثليين، وهو يداجي الأقليات والمهمشين غطاء وسترًا
لجرائمه.
المهربون
والنخاسون وتجار المخدرات غالبًا ما يقومون بعملية غسيل أموال، ومثله غسيل السيرة السوداء
بالانتصار للمساكين السود من أجل رفع المثليين إلى مصاف الأبطال، يقول المثل: من أجل
الورد يُسقى العلّيق.
يقول
المخرج الروسي المتباهي بالأوسكار الأمريكية، والتي لم تستطع دولته العظمى روسيا أن
تنشئ جائزة مثلها، إن روسيا هي الدولة الوحيدة التي لها قيم عليا، وفي هذا كلام، لكنه
يقول كلمات قلما سمعناها من مفكرين أمريكان: "السيد الحقيقي هو آخر من يأكل على
الطاولة". الأمريكي يحطم الطاولة بعد أن يأكل عليها.
البطل
الأمريكي القديم، الذي يأتي من مكان مجهول، ويبيد الأشرار ويدافع عن حق العاهرات في
العمل معروف، والأبطال الجدد أيضا، أما الشرير في السينما الأمريكية، فكثيرا ما يكون
عربيا مسلما، أحيانًا روسي.