نقرأ للرئيس الأمريكي ترامب فنضحك لسببين: عدم اقتناعنا بكلامه،
وعدم اقتناعه هو بكلامه. لكن للضرورة كذبات بيضاء وأحيانا سوداء، فمن يا ترى مثلا
ديمقراطي أكثر من الآخر مادورو أو خصمه جوايدو، وكذا أسماء لا حصر لها في معجم هذا
الرئيس.
هو
يقول عن خصوم مادورو إنهم ديمقراطيون في الوقت الذي لم يمارسوا فيه الحكم والسلطة
بعد، ما زالوا مجرد أسماء ترضى عليهم الولايات المتحدة، تراهم من "عظام الرقبة"،
أمناء على مصالحها، والأهم من الخارجين على القانون الفنزويلي وتلك هي المهمة كي
يكونوا ديمقراطيين برأي ترامب وإدارته.
من
المضحكات إذن اتهام أمريكا لأي حاكم أو حكم في هذا العالم بأنه ضد الديمقراطية،
كان شعار تدمير العراق من قبل الأمريكي إعادة الديمقراطية إليه، لم يترك في هذا
البلد العربي أية نسائم للحرية منذ أن دخل الأمريكي إليه، بل تم تهديم جل معالمه
وقتل أكثر من مليون من أبنائه، فهل صلحت الديمقراطية فيه بعد كل هذا؟
أكثر
الجمل رنانة في عصرنا هي كلمة الديمقراطية التي يرفعها الأمريكي في وجه كل من
يخاصمه أو يعانده أو لا يحقق له مصالحه، كان تشرشل يقول إن "الديمقراطية أسوأ
الحلول الجيدة"، جملة ذكية في عالم نعرف أنه كذبة حريات وديمقراطيات، ما
للسلطة لها وما للشعب كله لها وله فتاتها، رفع عبد الناصر جملته الشهيرة في بيان
مارس والقائلة بأن "حرية الكلمة هي المقدمة الأولى للديمقراطية" ومع ذلك
لم نعرف ما هي التوالي لها.
وليعذرنا
الذين يحبون هذه الكلمة الأثيرية برأيهم، بل هي نوع من الغرام الذي ينشدونه كلما
أرادوا من حكم بلادهم ما هو صعب التحقيق، أنا مثلا ليست الكلمة من هوايتي لأني
أعرف أن كل موهوب بها يفسرها على مزاجه وحسب رغبته، لكنها في النهاية كلمة ضائعة
وسط كلمات ممجوجة، فإذا بها مقدمة في فهم الفوضى ليس إلا، ثم إنها من كذبات مخترعة
كلما احتاج الأمريكي لها رفعها وغمرها "بحنانه" الذي مارسه حين دخل إلى
العراق أو أراد إعادتها إلى فيتنام فسحل الملايين من شعبها وكذلك في كوريا وقبلها
قنابل ذرية على اليابان، وهو يستعد اليوم لترتيبها حروبا ضد كوبا ونيكارجوا
وبوليفيا بعد الخلاص من مادورو "عدو الديمقراطية" برأيها، في الوقت الذي
ترى في "المعارضة" السورية ديمقراطية خالصة.
لا
أشك لحظة أن التاريخ يكتبه الأقوياء، هو محكوم بقبضتهم، بقدراتهم التي لا يملكها
الآخرون، بإمكانهم لو قالوا إن اللبن أسود لما ناقشهم أحد، هم الوحيدون الذين رفعت
رئيس دبلوماسيتهم كوندوليزا رايس منذ سنين ليست بعيدة شعار الفوضى الخلاقة وتم
ممارستها وفرضها على أقطار في الوطن العربي، ما زلنا إلى اليوم نعاني منها، وقد
نظل طويلا نحصد نتائجها، بل كادت أن تصل بتلك الأقطار إلى التفتت والانقسام
والتغيير الشامل في طبيعة النظام والحكم والسلطة وصولا إلى الجيش والشعب أيضا.
حررونا من كلمات أصابتنا بالمآسي، لكل بلد في هذا العالم مشروعه الخاص في الحكم
نابع من ظروفه وتاريخه وثقافته ووعيه لمجتمعه ومتطلباته.
عن صحيفة الوطن العمانية