تثير رواية السعودية الرسمية حول مقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصليتها في إسطنبول الكثير من التساؤلات والتشكيك من المجتمع الدولي الذي طالب الرياض بالمزيد من التوضحيات حول قضية اتخذت أصداء دولية واسعة وطرحت أزمة كبرى للسعودية.
بعد 17 يوما من الإنكار الشديد، أقرت الرياض، السبت، بأنّ خاشقجي قُتل في قنصليتها في إسطنبول إثر وقوع شجار و"اشتباك بالأيدي" مع عدد من الأشخاص داخلها.
غير أن الإعلان السعودي قوبل بكثير من التساؤلات والتشكيك، ولاسيما في ظل الغموض بشأن مكان وجود جثة خاشقجي.
وردت تركيا التي تواصل تحقيقاتها في قضية خاشقجي، متعهدة بالكشف عن كامل تفاصيل مقتله، وقال المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم عمر جليك إن "كشف ملابسات الحادث دين في أعناقنا وسنستخدم جميع الإمكانيات في هذا الصدد".
ويقول مسؤولون في الأجهزة الأمنية التركية إن خاشقجي تعرض للتعذيب وقتل داخل القنصلية على أيدي فريق سعودي جاء خصيصا إلى تركيا لاغتياله.
وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، السبت، أنّه غير راض عن المعلومات التي أدلت بها الرياض عن مقتل خاشقجي الذي كان يقيم في الولايات المتحدة حيث كان يكتب في صحيفة "واشنطن بوست"، مبديا استعداده لفرض عقوبات على المملكة بشرط أن لا تطال مبيعات الأسلحة.
وردّا على سؤال عمّا إذا كان راضيا عن قرار العاهل السعودي إعفاء اثنين من كبار مساعدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من منصبيهما، قال ترامب: "كلاّ، لن أرضى إلا عندما نحصل على الإجابة".
من جهته، قال السناتور الجمهوري البارز بوب كوركر، اليوم الأحد، إنه يعتقد أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مسؤول عن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وإن السعوديين فقدوا كل مصداقية في تفسيراتهم عن موته.
وأضاف كوركر رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، "نعم أعتقد أنه فعلها".
أما كندا، فاعتبرت أن الوقائع التي سردتها الرياض "غير متماسكة وتفتقر إلى المصداقية" ومطالبة بإجراء "تحقيق معمّق".
وطالبت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني السبت بتحقيق "معمق وشفاف"، بينما اعتبر وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان أنّ إيضاحات الرياض لا تقدّم أجوبة عن كل الأسئلة المطروحة.
أما رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون فقال الأحد إن التفسير السعودي "غير متماسك" و"لا يجدي نفعا".
ودعت الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية إلى إجراء تحقيق مستقل لكشف ملابسات مقتل الصحافي السعودي.
بدوره، قال وزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوشين، الأحد، إنّ اعتراف السعودية بمقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصليتها بمدينة إسطنبول "خطوة أولى جيدة لكن غير كافية".
وأضاف منوشين: "التفسير السعودي حول مقتل الصحفي البارز خطوة أولى جيدة، لكن من الواضح أنها ليست كافية".
"مملكة العدل"
من جهتها، أشادت الإمارات ومصر والبحرين وسلطنة عمان والكويت والأردن والسلطة الفلسطينية بقرارات العاهل السعودي بشأن قضية خاشقجي.
ورحب الإعلام السعودي الأحد بالخطوات التي اتخذتها المملكة.
وكتبت صحيفة "عكاظ" السعودية الأحد: "العدالة قائمة.. المحاسبة قادمة" على صفحتها الأولى، بينما كتبت صحيفة الرياض: "مملكة العدالة والحزم" بعد الإعلان عن قضية خاشقجي.
وفقد خاشقجي المعروف بانتقاداته لسياسة الرياض، بعد أن دخل في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر القنصلية السعودية في إسطنبول.
وأعلنت وكالة الأنباء السعودية، السبت، أنّ التحقيقات الأولية أظهرت حصول "شجار" أدى إلى وفاة الصحافي.
وبالتزامن مع الإعلان، أمر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بإعفاء نائب رئيس الاستخبارات العامة أحمد عسيري ومسؤولين آخرين في جهاز الاستخبارات، بالإضافة إلى المستشار في الديوان الملكي برتبة وزير سعود القحطاني، من منصبيهما، فيما ذكرت الرياض أنّها أوقفت 18 سعوديا "مشتبها بهم" على ذمة القضية.
ورأى محللون غربيون أن إقالة المسؤولين وموجة الاعتقالات التي أُعلن عنها تهدف إلى إبعاد المسؤولية في القضية عن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
من جهتها اعتبرت منظمة العفو الدولية في بيان أنّ نتائج التحقيقات السعودية "غير جديرة بالثقة"، وأن "إجراء تحقيق مستقل هو الضمانة الوحيدة في مواجهة ما يبدو أكثر فأكثر إخفاء سعوديا لظروف قتل خاشقجي".
بدورها، دعت منظمة "مراسلون بلا حدود" إلى مواصلة "الضغوط" على السعودية عبر مقاطعة مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" وتجميد "المشاريع التجارية" مع الرياض.
ونشرت مجلة "نيوزويك" الأمريكية حوارا أجرته مع خاشقجي في الآونة الأخيرة وأكد فيه أنه لا يدعو للإطاحة بالنظام السعودي، لأن هذا "أمر غير ممكن"، مؤكدا أنه يدعو فقط "لإصلاح النظام".
وأكد خاشقجي في الحوار أنه "بالتأكيد" سيقبل بمنصب مستشار لولي العهد السعودي كونه "يرغب في سعودية أفضل" ولكنه ندّد بما وصفه بأسلوبه "الاستبدادي"، معتبرا ولي العهد "زعيما قبليا من الطراز القديم".
وإلى الوقع الدولي للقضية، فهي أثارت العديد من التكهنات حول إمكانية أن تؤدي إلى إزاحة ولي العهد (33 عاما) من السلطة من قبل أعضاء آخرين في العائلة المالكة.
ولكن الملك السعودي أصدر فجر السبت أمرا بتشكيل لجنة وزارية برئاسة ولي العهد لإعادة هيكلة جهاز الاستخبارات العامة وتحديد صلاحياته، ما يشير إلى أنه حريص على إبقائه، بحسب محللين.
لقراءة جميع ما نشر في "عربي21" عن قضية اختفاء خاشقجي اضغط (هنا)
هكذا علّق نشطاء مغاربة على اعتراف السعودية بقتل خاشقجي
"رابطة العالم الإسلامي" تؤيد رواية السعودية حول خاشقجي
القنصل السعودي في إسطنبول يغادر إلى بلاده