نشر موقع "إل
سوسيدياريو" الإيطالي تقريرا، سلط من خلاله الضوء على صراع المصالح المحتدم
بين فرنسا وإيطاليا في ليبيا، خاصة على مستوى الصفقات الاقتصادية. ويتجلى ذلك خاصة
إثر فوز شركة "إيني" بمشروع بحر السلام للغاز والنفط، على الرغم من
تراجع الدور الإيطالي بشكل ملحوظ منذ سنة 2011، مقابل التوسع الفرنسي.
وقال الموقع، في
تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن باريس تسعى لتهميش حضور روما في ليبيا
بشتى السبل، كما لا تزال تنتهج سياسة مزدوجة. فمن جهة، تعمل فرنسا على استخدام
ذراعها النفطية "توتال" للتعامل مع الليبيين ومع الروس على الرغم من
العقوبات المفروضة على موسكو، في حين ترفض حق الآخرين في إبرام أي صفقات.
والجدير بالذكر أن
شركة "إيني" الإيطالية أعلنت قبل يومين عن بداية الإنتاج في المرحلة
الثانية في إطار مشروع بحر السلام، بالتعاون مع المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا.
ويعد بحر السلام أكبر حقل للغاز على السواحل الليبية. وإثر اندلاع الحرب الأهلية
في سنة 2011، وسقوط نظام القذافي، كانت "إيني" قد خسرت الكثير من
أنشطتها النفطية التي تقوم بها في ليبيا منذ سنة 1959.
ونقل الموقع تصريحا
سابقا للسياسي الإيطالي، رومانو برودي، الذي قال إن "الحرب التي شنتها فرنسا
في ليبيا جعلتنا نخسر موقعنا في هذا البلد. في الواقع، لم أر البتة دولة تشارك في
حرب ضد مصالحها الخارجية". ومن خلال هذا التصريح، أعرب برودي حينها عن
امتعاضه إزاء نجاح باريس في إدارة الأوضاع في ليبيا، دون الأخذ بعين الاعتبار
لمصالح جيرانها.
وأشار الموقع إلى
معطيات أخرى تحيل إلى الدور الخبيث الذي لعبته فرنسا في ليبيا. وقد تجلى ذلك من
خلال مراسلة تلقتها وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون من مستشارها المقرب،
سيدني بلومنثال، في 6 من أيلول/ سبتمبر سنة 2011، يعلمها فيها بزيارة نيكولا
ساركوزي وديفيد كاميرون إلى طرابلس، بغرض لقاء الحكومة الليبية الجديدة.
وجاء في هذه المراسلة
أن ساركوزي وكاميرون ينويان تسليط ضغوط على قادة الحكومة الجديدة، وتقديم الدعم
للمعارضة الليبية. وسيتجسد رد الجميل مقابل هذه الخدمات من خلال منح عقود مربحة
لشركات إنتاج الطاقة الفرنسية والبريطانية، التي تنوي لعب دور رئيسي في قطاع النفط
الليبي.
واعتبر الموقع أن هذه
الأدلة، حول سعي هذه الشركات الفرنسية لسرقة الدور الذي لطالما لعبته شركة
"إيني" الإيطالية في قطاع النفط الليبي، تشير بوضوح إلى أن التدخل
العسكري الفرنسي والبريطاني في ليبيا لم يكن ينطوي على أي دوافع إنسانية.
وأضاف الموقع أن أنشطة
فرنسا وتنافسها مع إيطاليا، لا يزال مستمرا إلى اليوم. فقد عمد إيمانويل ماكرون
إلى عقد العديد من الاجتماعات في باريس دون إعلام الجار الإيطالي. وتهدف كل هذه
المساعي لتحقيق الغرض ذاته الذي حدد منذ حرب 2011، وبالتحديد تقويض حضور "إيني"،
وفسح المجال للشركات الفرنسية لسرقة العقود المربحة.
وتطرق الموقع إلى
استئثار فرنسا بالموارد الطبيعية في دولة النيجر، حيث وقع إقصاء الوجود الإيطالي
منها. وبالتالي، حرمت روما من الاستفادة من مناجم اليورانيوم، التي يسيطر عليها
الفرنسيون بالكامل ويدفعون مقابل استغلالها مبالغ ضئيلة، ضمن صفقة تخيم عليها
شبهات فساد، ناهيك عن الضرر البيئي الكبير. ويندرج ذلك ضمن المساعي الفرنسية
للحصول على اليورانيوم، الذي يغذي محطات الطاقة النووية التي تزود فرنسا بحوالي 70
بالمائة من حاجاتها من الكهرباء.
وأورد الموقع أن
المطامع الفرنسية لتحقيق مصالحها في ليبيا لا تنتهي عند هذا الحد. وقد تجاهل
الإعلام الإيطالي بشكل كامل الزيارة التي أداها ماكرون إلى موسكو في نهاية آيار/
مايو الماضي، صحبة ممثلين عن شركة "توتال". فمن الغباء الاعتقاد بأن هذه
الزيارة كان هدفها الحديث حول السلام في العالم.
وأوضح الموقع أن
الجانب غير المعلن ضمن هذه الزيارة، يكمن في الاتفاقات التي أبرمت بين شركة
"توتال" الفرنسية ونظيرتها "نوفاتيك" الروسية، حول مشروع
"آركتيك 2" لتطوير موارد الغاز في روسيا.
ويكشف هذا الأمر ازدواجية
الخطاب والموقف الفرنسي. فعندما سعى الإيطاليون لتخفيف العقوبات التي تعيق تعاملهم
مع روسيا، اتهموا بأنهم يخدمون مصالح بوتين. في المقابل، تسمح باريس لنفسها بتمكين
"توتال" من العمل في حقول الغاز الروسية.
وأكد الموقع أن عودة
شركة "إيني" إلى ليبيا وتواصل وجودها هناك، يعد خبرا جيدا بالنسبة
لإيطاليا، التي قد تواجه خطر قضاء الشتاء المقبل من دون تدفئة في حال خسارة
مصالحها في هذا البلد.
وفي الختام، أحال
الموقع إلى دليل آخر على أن فرنسا تتحرك في ليبيا بدافع حماية مصالحها الذاتية.
فقد كشفت مذكرة سرية تعود إلى هيلاري كلينتون، سعي باريس للتصدي لمقترح القذافي
بإنشاء عملة إفريقية موحدة بديلة عن الفرنك الفرنسي. وقد كان هذا التوجه، وفقا
لعدد من خبراء الاقتصاد، سيفيد القارة السمراء ويضر كثيرا بالمصالح الفرنسية.
ولذلك، قررت باريس الحيلولة دون ذلك بأي ثمن.
كيف عجزت الدول الأوروبية عن إيجاد حل لأزمة اللاجئين؟