نشرت مجلة "الأتلنتك" الأمريكية مقال رأي لمحررها ديريك تومبسون، سلط من خلاله الضوء على العملة المعماة الرقمية، البيتكوين، التي يتم تداولها عبر الإنترنت.
وقال المحرر، في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، إن مفهوم البيتكوين ظهر ضمن بحث مفصل نُشر في أواخر سنة 2008 من قبل مخترعه الذي يحمل اسما مستعارا "ساتوشي ناكاموتو". وبحلول سنة 2013، كانت قيمة عملة واحدة من البيتكوين تعادل 12 دولار أمريكي، لتتجاوز في الوقت الراهن 10 آلاف دولار أمريكي، حيث تضاعفت قيمتها خلال الشهرين الماضيين فقط.
وأشار تومبسون إلى أن زيادة قيمة أية عملة بنسبة 100 بالمائة خلال ثمانية أسابيع يعتبر ضربا من الجنون. وفي حال كان هذا مصير الين الياباني أو الدولار الأمريكي، لدخلت اقتصادات هذه البلدان في دوامة انكماش جهنمية.
وعلى مر التاريخ، اتخذت العملة شكلين، إما الأصول المادية على غرار الذهب، أو النقد الإلزامي الذي تصدره الحكومات. ومؤخرا، باتت البيتكوين وأخواتها تمثل الشكل الثالث للعملة، حيث تجمع بين نظرية الألعاب والاقتصاد والتشفير لتصبح بذلك عملة معماة. وإذا ما كان المال يساهم في تقاسم وهم ما، فالبيتكوين يسعى إلى رسم طريقة أفضل لتقاسمه.
وأضاف الكاتب أنه في حين يفضل البعض الدولار، يرى آخرون في هذه العملة مخاطر واضحة نظرا لخضوعها لسلطة كيان واحد ذو نفوذ مطلق، وحكومة فدرالية ورقابة صارمة على عرض النقود والقواعد التي تحكمه. فضلا عن ذلك، يخشى البعض من أن إنتاج عدد ضخم من الدولارات سيؤدي إلى تضخم خارج عن نطاق السيطرة.
ومع ذلك، يمكن للعملة الرقمية أن تقع ضحية النسخ، تماما مثلما هو الحال بالنسبة لكل ما هو موجود على الإنترنت من قبيل النصوص والصور والملفات. ونتيجة لذلك، قد يؤدي الخوف من التزييف المتفشي إلى إعلان موت العملة الرقمية.
في المقابل، أكد تومبسون أن هذه المشكلة تم حلها بفضل سلسلة الكتل أو "البلوك تشاين"، وهي عبارة عن دفتر للحسابات على الإنترنت يقوم بتسجيل كافة المدفوعات بين النظراء والتحقق منها للقضاء على الانفاق المزدوج.
بالإضافة إلى ذلك، تساعد سلسلة الكتل على تشفير المعاملات كي تظل أسماء أصحابها مجهولة، كما تقوم مجموعة تعتمد مبدأ اللامركزية بالمصادقة على المعاملات. وبالتالي، يمكن أن تحل عملة البيتكوين المشاكل المرتبطة بالمال، حيث تتصدى سلسلة الكتل للمركزية وتواجه التضخم.
وأورد الكاتب أن عدد معاملات البيتكوين يشهد نموا متواصلا سنويا، بيد أنها لم تستطع مجاراة أسواق التكنولوجيا الاستهلاكية التي تشمل غوغل ونتفليكس وباي بال. ويظل التعامل بالبيتكوين معقدا، حيث قد تستغرق معاملة نموذجية أكثر من 10 دقائق، فضلا عن أن قيمتها متقلبة للغاية.
وفي الوقت الراهن، أصبحت البيتكوين بمثابة عملة مرعبة ومبنية على تكنولوجيا متحولة. ولكن، لسائل أن يسأل، ما الذي جعل قيمة البيتكوين تخرج عن السيطرة على هذا النحو الجنوني؟ في إطار الإجابة على هذا السؤال، قدّم تومبسون أربعة نظريات.
وبيّن المحرر أن النظرية الأولى تقوم على رأس مال المجازفة. فقد شهدت السنوات الخمسة الأولى من وجود البيتكوين الحد الأدنى من اهتمام رأس مال المجازفة بالمنتجات والشركات ذات صلة بالبيتكوين.
وتجدر الإشارة إلى أن فكرة العملة المعماة كانت سيئة السمعة لارتباطها بالأسواق السوداء على الإنترنت، من قبيل موقع طريق الحرير.
عموما، كان المجرمون يستخدمون الرموز الرقمية لبيع المخدرات وغيرها من الأمور غير الشرعية دون الكشف عن هويتهم. ولكن، خلال تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2013، وبعد إغلاق مكتب التحقيقات الفيدرالي لموقع طريق الحرير، أشار العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي إلى أن البيتكوين وأخواتها تُعدّ "خدمات مالية مشروعة".
وأفاد المحرر بأن النظرية الثانية تتمحور حول اعتبار البيتكوين بمثابة ذهب رقمي، وهو ما أكدته وكالة أنباء بلومبورغ خلال مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر، حيث ذكرت أن عبارة "شراء البيتكوين" تجاوزت عبارة "شراء الذهب" ضمن البحث على الإنترنت.
أما النظرية الثالثة فتقوم على اعتبار البيتكوين العملة الاحتياطية لسوق العرض الأولي للعملة الرقمية المشفرة. والجدير بالذكر أن سنة 2017 شهدت انفجار هذا السوق بتحقيق أرباح تجاوزت ملياري دولار للشركات الجديدة.
وأضاف تومبسون أن النظرية الرابعة تتمثل في أن البيتكوين شبيهة بفقاعة غبية لم يسبق لها مثيل، ومبنية على تكهنات سخيفة.
فعلى الرغم من أنها أصبحت الذهب الجديد، والعملة الاحتياطية لسوق العرض الأولي للعملة الرقمية، إلا أنه لا يزال من الغريب رؤية قيمة أي منتج تتضاعف في غضون ستة أسابيع دون أي تغيير جوهري في نجاحها أو تطبيقها الأساسي.
وعلى الرغم من أن انفجار قيمة البيتكوين مثّل أمرا سخيفا للغاية، إلا أن أمورا عظيمة قد تنبثق عن مثل هذه السخافة.
في هذا السياق، تمتلك سلسلة الكتل القدرة على التحول إلى عنصر حاسم من البنية التحتية للاقتصاد الرقمي حتى وإن هوت قيمة البيتكوين.
في الختام، أكد الكاتب نقلا عن حواره مع أستاذ التكنولوجيا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا سلون كلية الإدارة، كريستيان كاتاليني، أنه "بالإمكان تخيل العملة المعماة كمخزن للقيمة. في الحقيقة، سيكون باستطاعتك شراء منزل بفضل هذه العملة ولكن لن تتمكن من شراء قهوة".