يُحكى عن ملك العراق فيصل الأول، أنه قال في بداية حكمه: «أنا في اعتقادي لا يوجد شعب عراقي، بل توجد تكتلات بشرية خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل، لا تجمع بينهم جامعة، سماعون للسوء ميالون للفوضى مستعدون دائما للانقضاض على أي حكومة كانت...». وأيا كان الرأي في صحة نسبة هذه المقولة للملك فيصل من عدمه، فإن معانيها تنطبق اليوم على شعوبنا العربية تماما، من دون أن يكون اللوم كله على المجتمعات والشعوب، فنظام «الدولة الرخوة» فرض نفسه على الكل! لكن، ما هي «الدولة الرخوة»؟
«الدولة الرخوة»، حسب تعريف عالم الاجتماع السويدي جنار ميردال، «هي الدولة التي تصدر القوانين ولا تطبقها لأن أحدا لا يحترم القانون، الكبار لا يبالون به لأن لديهم من المال والسلطة ما يحميهم منه، والصغار يتلقون الرشاوى لغض البصر عنه، وأن كثيرا من بلاد العالم الثالث يعاني من خضوعه للدولة الرخوة، وأن هذه الدولة الرخوة هي سر البلاء الأعظم وسبب من أهم أسباب استمرار الفقر والتخلف».
الصورة القائمة الآن في الدول العربية، هي أن هناك أنظمة لا شأن لها بالمصالح العامة، هي موجودة فقط للمصالح الشخصية لأفرادها، يتبعهم «معاونون» يبحثون عن مصالحهم الشخصية أيضا من سياسيين ومتنفذين وتجار وأحزاب ومؤسسات اعلامية وسلسلة من هؤلاء المعاونين الذين يشكلون صورة «الدولة الرخوة»، والجامع بينهم كلهم هو البحث عن المصلحة الشخصية والمنافع، يضطر الشعب - كل الشعب - في هذه الحالة أن يلتف حول من يحميه ويحقق له مصالحه ايضا في هذه الغابة. يبدأ الالتفاف؛ أناس تلتف حول حزبها، طائفتها، عائلتها، قبيلتها. أناس يلتفون حول متنفذين في ذاك النظام. وهكذا هي تكتلات بشرية، كل تكتل يبحث عن مصلحته ومصلحة أتباعه في ظل انعدام النظام الذي يجب فرضه على الجميع.
لا أظن أن مواطنا عربيا اليوم على استعداد أن يضحي من أجل وطنه؛ لأنه إن فعل، فإنه يضحي من أجل بقاء الباحثين عن مصالحهم لا من أجل بقاء وطنه! لكن هذا المواطن وأظن أي مواطن، على أتم الاستعداد ليسرق الوطن أو ليشارك في نهب خيراته إن حصلت له الفرصة!
هذه الصورة القائمة تعني شيئا واحدا مؤكدا، أنه لم يعد هناك شعوب بالمعنى الحقيقي للشعوب. هناك فرص وقناصون على أهبة الاستعداد للانقضاض عليها فقط! لست أعلم كيف كان حال العراق عندما حكمه فيصل الأول، لكن ما قاله هو حال الدول العربية الآن بكل تأكيد!
الرأي الكويتية