كان لافتا في وثيقة حركة
حماس الجديدة تعريفها لنفسها بأنها "حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية.." مبتعدة عما نص عليه ميثاقها السابق من أنها "جناح من أجنحة
الإخوان المسلمين".
وأوضح رئيس المكتب السياسي السابق لحماس خالد مشعل، في مؤتمر إعلان الوثيقة في العاصمة القطرية الدوحة، أن "حماس جزء من المدرسة الإخوانية فكريا، وهي تنظيم فلسطيني قائم بذاته، مرجعيته مؤسساته القيادية، وليس تابعا لأي تنظيم هنا أو هناك".
وفي أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي أعلن "اتحاد المنظمات الإسلامية بأوروبا"، الجناح الأوروبي لتيار الإخوان المسلمين العالمي، انفصاله عن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، في اجتماع لهيئة المجلس عقد في مدينة اسطنبول التركية بمشاركة 56 من أعضاء الاتحاد.
يُذكر في هذا السياق أن حركة
النهضة التونسية، المحسوبة ضمنيا على الإخوان، حرصت بعد الربيع العربي على إعلان استقلاليتها عن الإخوان، ففي أكثر من مناسبة، نفى رئيسها راشد
الغنوشي، تبعية حركته للإخوان، معرفا لها بأنها "حزب تونسي، قراراته مستقلة تصنعها مؤسساته الداخلية، دون تدخل من أحد مهما كان"، وهي التي كانت تحسب وتصنف على الإخوان.
ويقرب من هذه المواقف موقف حركة التوحيد والإصلاح المغربية، المحسوبة على الإخوان المسلمين، لكن رئيسها السابق، المهندس محمد الحمداوي نفى في تصريحات صحفية سابقة، وجود علاقة بين حركته والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، مؤكدا أنه لا يوجد فرع للتنظيم في المغرب.
من جانبه أرجع الكاتب والباحث السياسي الأردني، حازم عياد توجه تلك الحركات للإعلان عن استقلاليتها، وعدم تبعيتها للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، إلى وجود واقع موضوعي جديد، مغاير لما كان عليه الحال في السابق.
وأوضح حازم أن تلك الحركات باتت منغمسة أكثر في الشؤون المحلية، ومنخرطة في العمل السياسي الوطني، ما يوجب عليها إعادة تشكيل نفسها حتى تتمكن من ممارسة العمل السياسي المحلي وفق قواعده، وضمن معادلاته الحقيقية القائمة.
وأضاف حازم لـ"
عربي21" من الواضح أن أولويات تلك الحركات اختلفت في هذه المرحلة، ما يعني بالضرورة اختلاف أدوارها، لافتا إلى أن فكرة الارتباط بالتنظيم الدولي للإخوان لم تعد تحقق أهدافها في ظل معطيات الواقع الجديدة.
واعتبر عياد تخوف تلك الحركات من اتهامها بالإرهاب بعد تصنيف الجماعة بالإرهابية في عدد من الدول العربية، أحد الأسباب الدافعة لها لإعادة تعريف نفسها، وإعلان عدم تبعيتها للتنظيم العالمي، لكنه ليس السبب الأساسي، بحسب قراءته لخلفيات الحالة وأبعادها ودلالاتها.
وعن مدى تأثير ذلك على توجهات تلك الحركات الفكرية والدعوية، توقع حازم أن يؤدي ذلك إلى إعادة النظر في المقولات والقضايا الكبرى التي كانت تتبناها تلك الحركات، لتكثف جهودها في معالجة القضايا الوطنية والهموم الداخلية المحلية.
وجوابا عن سؤال: ما مصير التنظيم الدولي للإخوان بعد تتابع تلك الحركات على فك ارتباطها به؟ قال حازم "في تقديري التنظيم الدولي كان أشبه ما يكون بمرجعية فكرية وثقافية، وليس مرجعية مؤسسية، وكانت تنظيمات الجماعة المختلفة تتمتع باستقلالية شبه تامة في سياساتها وقراراتها".
وتابع "من المؤكد أن التنظيم الدولي للجماعة في ظل الظروف القائمة سيتأثر بذلك، فإما أن يصار إلى إيجاد إطار آخر، وتتم إعادة تشكليه بناء على المعطيات الجديدة، أما إن تعذر ذلك فقد يتلاشى بالكلية".
وامتدح حزام ما أقدمت عليه تلك الحركات من إعادة تعريفها لنفسها، وإعلان استقلاليتها وعدم تبعيتها لأي جهة خارجية، وأنها حركات وطنية محلية بمرجعية إسلامية، معتبرا ذلك دليلا على نضجها السياسي.
بدوره رأى الكاتب الفلسطيني، حسام الدجني أن ما قامت به حماس في وثيقتها الجديدة "يأتي في إطار المصلحة المزدوجة لكلا الطرفين، فربط حماس بالإخوان يكلفها كثيرا، ويؤثر على علاقاتها مع عواصم عربية مهمة، وحماس في أمس الحاجة للجميع في المرحلة الراهنة".
وأضاف "بينما تتحمل جماعة الإخوان المسلمين عبئا ثقيلا بربطها بحركة حماس المصنفة إرهابيا من قبل الغرب، وإبقاء الربط بينهما يساهم في خلق المبررات للعديد من الدول الغربية، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، والرئيس ترامب الذي تحدث بصراحة عن نيته محاربة الإسلام الراديكالي، وكان يقصد الإخوان" طبقا للكاتب الفلسطيني.
ووصف الدجني في حديثه لـ"
عربي21" حالة الطلاق بين حماس والجماعة بطلاق المنفعة والمصلحة الذي يخدم الطرفين" على حد قوله.
وردا على سؤال: هل ابتعاد حماس في وثيقتها الجديدة عن ذكر ارتباطها بالإخوان سيكون له انعكاساته وتأثيراته على الحركة بوجهها وتوجهاتها الإخوانية؟ أجاب الدجني "نعم سيكون له انعكاساته الإيجابية".
وشرح الدجني ذلك بقوله "لا يعقل أن تتحمل الحركة أخطاء وقعت بها الجماعة في العديد من الدول، في وقت تعمل الحركة على قيادة المشروع الوطني التحرري وهي بحاجة لجمع كل المكونات الرسمية والشعبية الإسلامية والعربية، وأحرار العالم باتجاه البوصلة الصحيحة، وهي إسرائيل واحتلالها للأرض والشعب الفلسطيني".
وفي السياق ذاته أدرج الكاتب والباحث المصري، عبد القادر وحيد ما قامت به تلك الحركات في دائرة المراجعات المطلوبة، وليس من قبيل المناورات، وهو أمر مطلوب ومحمود، حتى تتمكن من إعادة تعريف نفسها بطريقة تتناسب مع طبيعة عملها ودورها في هذه المرحلة الصعبة".
وأثنى وحيد على تلك المراجعات، ووصفها بأنها استجابة طبيعية للمتغيرات والمعطيات الجديدة، منتقدا الجماعة الأم بأنها لم تقم بأي مراجعات تذكر في هذا المقام، مع الحاجة الماسة لذلك.
وذكر وحيد لـ"
عربي21" أن من الأسباب الهامة الدافعة لتلك الحركات لإعلان فك ارتباطها بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، حرصها على سحب الذرائع من المتربصين بها، وتحاشيا منها لتحميلها تبعات ذلك، وحتى لا ترهق نفسها بكلفه الباهظة، بعد تصنيف الجماعة كجماعة إرهابية في العديد من الدول.
ووفقا لوحيد فإن العمل السياسي يتطلب مرونة في التعامل مع الواقع، وهو ما تفطن له الشيخ راشد الغنوشي في تأكيده على استقلالية حركته وعدم تبعيتها للإخوان، وما قامت به تلك الحركات حينما استشعرت ضرورة إعادة تعريف نفسها، بما يجنبها تحمل تبعات ثقيلة هي في غنى عنها، وبما يسمح لها في الوقت نفسه بالمشاركة السياسية الفاعلة والمنتجة.