نشرت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" مقالا للكاتبة تريسي ويلكينسون، تقول فيه إن حماية
حقوق الإنسان، ومنع الانتهاكات ضد الأقليات، ظلا أساسا للسياسات التي قامت عليها السياسة الخارجية الأمريكية أيا كانت الإدارة في البيت الأبيض، ديمقراطية أم جمهورية.
وتشير الكاتبة في مقالها، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه مع وصول الرئيس الصيني
شي جين بينغ إلى فلوريدا؛ للاجتماع مع الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب في قمة تستمر يومين، فإن موضوع حقوق الإنسان، الذي كان يعد من أهم القضايا الحساسة، اختفى من أجندة الإدارة الأمريكية.
وتعلق ويلكينسون قائلة إن الرئيس الصيني أشرف على حملة قمع ضد المعارضة الصينية والأقليات، التي وصفتها منظمات حقوق الإنسان بأنها الأقسى، مشيرة إلى أن مسؤولين في البيت الأبيض يقولون إنهم يخططون لطرح موضوع حقوق الإنسان في نقاشاتهم الخاصة مع جين بينغ، إلا أن الموضوع ليس على أولوية النقاشات.
وتقول الكاتبة إنه نظرا للشعار الذي يرفعه ترامب "أمريكا أولا"، فإنه عبر هو ووزير خارجيته ريكس تيلرسون عن نظرة تعاقدية للعلاقات الخارجية، حتى لو عنى هذا التعامل تبني أنظمة ديكتاتورية متهمة بانتهاكات خطيرة والقيام بحملات قمع شرسة.
وترى ويلكينسون أن التحول هو عودة للسياسة الواقعية التي طبعت فترة الحرب الباردة، عندما دعم الرؤساء الأمريكيون أنظمة ديكتاتورية في التشيلي والفلبين وجنوب أفريقيا طالما عارضت النظام الشيوعي في الاتحاد السوفييتي.
وتلفت الكاتبة إلى أنه "في ظل إدارة ترامب، فإن توجه السياسة الخارجية قائم على مقياس فيما إن كان القادة يدعمون حربه ضد تنظيم الدولة أم لا، حيث أنه نظم في يوم الاثنين الماضي استقبالا دافئا للديكتاتور
المصري عبد الفتاح
السيسي، الذي يخوض حربا ضد التمرد الجهادي في سيناء، وكان السيسي جنرالا في الجيش المصري وقائدا له قبل أن يسيطر على السلطة، ورفضت إدارة أوباما دعوته إلى البيت الأبيض بسبب سجن معارضيه وقتلهم، والتضييق على حرية التعبير، بالإضافة إلى اجتماع تيلرسون مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي ضيق على الحريات بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة".
وتذكر ويلكينسون أن تيلرسون ومندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هيلي، عبرا عن إشارات في الأسبوع الماضي حول تغير الموقف تجاه رئيس النظام السوري بشار الأسد، لافتة إلى أنه في الوقت الذي انتقد فيه ترامب أوباما لعدم معاقبته الأسد لاستخدامه السلاح الكيماوي، إلا أن بعض المحللين انتقدوا فريق ترامب؛ لإعطائه وبطريقة تكتيكية الضوء الأخضر للأسد ليستخدم السلاح الكيماوي.
وتنوه الكاتبة إلى أن "ترامب انتظر تسع ساعات قبل أن ينضم لجوقة الشجب الدولية على الهجوم الأخير على خان شيخون، حيث اتهم النظام السوري بأنه (تجاوز الكثير من الخطوط وأبعد من الخطوط الحمراء)، وقامت الإدارة برفع شرط حقوق الإنسان المتعلق بصفقات الأسلحة، وسمح للبحرين بشراء طائرات (أف16)، وتم العمل على المساعدة في تمرير صفقة للسعودية لشراء صواريخ دقيقة".
وتورد ويلكينسون نقلا عن مسؤول بارز في الإدارة قولها أثناء حديثه مع الصحافيين حول زيارة السيسي، إنه من الأفضل التعامل مع حقوق الإنسان بطريقة خاصة وسرية، مشيرة إلى قول المتحدث الإعلامي باسم البيت الأبيض شون سبايسر، معلقا على سجل السيسي في حقوق الإنسان: "نتفهم القلق، لكنني أعتقد أن هذه أمور يتحقق فيها التقدم من خلال الأحاديث الخاصة".
وتفيد الكاتبة بأن ناشطين في حقوق الإنسان يختلفون مع هذا الموقف، حيث يرى مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل توم مالينوسكي، أنه لا يمكن النظر للإدارة الحالية على أنها وسيطة للعدل في العالم، وأضاف: "أخبرنا ترامب بشكل واضح أنه لا يؤمن حقيقة بأن الولايات المتحدة يجب أن تكون قوة للخير في الدول الأخرى"، ويقول مساعد وزير الخارجية ورئيس موسسة "كارنيغي" ويليام بيرنز، إن "تجنب القضايا الليبرالية الحساسة، مثل حقوق الإنسان، ليس وصفة للدبلوماسية الفعالة، ولن تشتري لك التأثير".
وتستدرك ويلكينسون بأن ترامب اقترح مراجعة للدعم الذي تقدمه وزارة الخارجية للمنظمات غير الحكومية وبرامج حقوق الإنسان، وتخفيض نسبة 29% من ميزانية وزارة الخارجية، بالإضافة إلى أن الإدارة الأمريكية تخطط لقطع الدعم عن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وتفكر أيضا بالخروج من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وتفكر بقطع الدعم عن برامج في وسط أمريكا التي تعمل على تخفيف تدفق المهاجرين إلى الحدود الأمريكية.
وتذهب الكاتبة إلى أن "مسألة حقوق الإنسان ظلت متأرجحة في الإدارات الأمريكية، حيث مالت الإدارات الأمريكية المتعاقبة إلى دعم الأنظمة الديكتاتورية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وكان جيمي كارتر أول رئيس أمريكي يعلن في عام 1977 عن مسألة حقوق الإنسان كجزء من السياسة الخارجية، لكنه لم يخدم سوى ولاية واحدة، وقام خليفته رونالد ريغان بتطهير الإدارة من الدبلوماسيين الذين دعموا سياسات كارتر، وبعد نهاية الاتحاد السوفييتي عام 1991 عاد الرؤساء الأمريكيون لتأكيد موضوع حقوق الإنسان، من جورج بوش الأب وبيل كلينتون وجورج بوش الابن إلى باراك أوباما".
وتختم ويلكينسون مقالها بالقول إنه في خروج عن المألوف فإن تيلرسون رفض تقديم تقرير حالة حقوق الإنسان في العالم، الذي تعده الخارجية، وقدمه الوزراء من قبله شخصيا.