بدا البيان السعودي - الأردني، الذي حمل عدة رسائل سياسية مشتركة بين البلدين في قضايا تشكل هاجسا لدى الطرفين، أهمها
اليمن وسوريا والعراق، ذا طابع بروتوكولي، بعيدا عن الهدف السعودي الأول، الذي يتمحور في تحالفها العربي ضد الحوثيين في اليمن، فيما تعتبر الأردن أن القضاء على تنظيم الدولة أولوية رئيسية بالنسبة لها في الوقت الراهن، بحسب مراقبين.
رغم ذلك، اتفق العاهل الأردني عبد الله الثاني وولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، على أهمية تعزيز التعاون الاستراتيجي السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني بين المملكتين الأردنية والسعودية، وفق البيان المشترك، الذي كان ذا قيمة معنوية كبيرة للرد على الدعاية السائدة بأن العلاقة
السعودية – الأردنية تعاني من فتور، خاصة بعد التقاربات السعودية مع عدة أطراف تراها الأردن بعيدة عن محور الاعتدال الذي تصف حالها فيه.
جاء ذلك عقب زيارة قام بها الأمير السعودي للعاصمة الأردنية، الثلاثاء، تلبية لدعوة من الملك الأردني، جرى خلالها مباحثات بين الطرفين، ركزت على علاقات التعاون بين البلدين، والتطورات الراهنة في المنطقة.
وتطرق البيان إلى أن الطرفين "بحثا تطورات الأوضاع في اليمن، وما يقوم به التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية من جهود كبيرة استجابة لمناشدة الحكومة الشرعية للدفاع عن الشعب اليمني الشقيق، وحماية أمنه واستقراره، والدعم الإنساني الذي يقدم لمساعدة الشعب اليمني في تجاوز أزمته".
وأشار البيان إلى "أهمية وحدة
العراق وأمنه، وضرورة إشراك كافة مكونات شعبه في العملية السياسية، ليكونوا يدا واحدة في الدفاع عن ترابه وبناء مؤسساته والحفاظ على استقلاله"، في الوقت الذي أبدى فيه البيان رفضه القاطع "لمحاولات تدخل إيران في الشؤون الداخلية للدول العربية، والهادفة إلى زعزعة الأمن والاستقرار فيها، والمنافية لكافة المواثيق والأعراف الدولية".
ورأى الكاتب الأردني راكان السعايدة أن المؤثر الأساسي في المقاربة السعودية لدى أي طرف هو اليمن، والتحالف الذي يقوده، عكس الأردن الذي يرى أن المقاربة الأمريكية ستكون مقاربة خاصة فيها وتعبر عنها؛ إذ إن الأردن يرى بأن محاربة تنظيم الدولة هي الأولوية السياسية الأهم في الوقت الحالي، وهي الأولوية لدى أمريكا، فإي دور أردني سيكون ذا تصور سياسي أمريكي، بعيدا عن التقاربات الحالية.
وتابع السعايدة، حديثه لـ"
عربي21"، بأن الأردن لا تستطيع تبني الحلول العسكرية السعودية، التي تراها أمريكا ثقيلة نوعا ما، أما إذا أراد الأردن أن ينسق موقفا سياسيا، فسيذهب إلى المقاربة الأمريكية، وفي المقابل، فإن أمريكا ترى أن المصلحة الأردنية من أهم المصالح العربية، مقابل تفكير الأردن لمقاربة لكل العلاقات، التي تشمل إيران، خاصة بعد اتفاقها النووي، الأمر غير المقبول لدى السعودية.
ويعتبر الكاتب أن الزيارة تحمل الطابع البرتوكولي، التي تأتي ضمن الزيارات السعودية في المنطقة، والتي تحاول من خلالها، تعزيز تقاربات سياسية، ومن الأمثلة عليها موسكو والقاهرة.
على عكس ذلك، رأى الكاتب الأردني فهد الخيطان أن زيارة عمان كانت حاجة ومصلحة ملحة للبلدين، للانتقال من مرحلة التعارف وتبادل الرسائل، إلى ما كانت عليه في السابق؛ تحالف وثيق، وتفاهم شبه كامل حول مختلف القضايا.
ويربط ذلك الخيطان، بحديثه مع "
عربي21"، أنه ساد انطباع قوي في الأوساط السياسية مفاده أن العلاقات بين القيادتين الأردنية والسعودية "الجديدة" تعاني من حالة فتور ظاهر، كان الرد الرسمي الأردني بالنفي. في أسوأ الحالات، العلاقات تمر في مرحلة انتقالية طبيعية، فرضها التغيير في هرم القيادة السعودية، هذا ما كان يقال داخل أروقة القرار الأردني.
لكن، إن صح الانطباع الذي ساد أو التفسير الرسمي، ففي كلا الحالتين لم يعد سؤال العلاقة الأردنية السعودية مطروحا بالصيغة السابقة، بعد زيارة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى عمان.
وأضاف الخيطان أن محمد بن سلمان في التراتبية السعودية يحل ثالثا، لكنه في الدور والفعالية السياسية يأتي ثانيا؛ إذ إن الرجل يمسك حاليا بملف العلاقات الخارجية للسعودية، ويدير الاتصالات الخاصة بملفات المنطقة وأزماتها مع القوى الكبرى، والدول الفاعلة في الإقليم، ومن يتتبع زياراته الأخيرة يلحظ البعد العملي فيها، بالنظر إلى ما حققته من نتائج ملموسة؛ في موسكو حزمة تفاهمات سياسية واقتصادية مهمة، وفي القاهرة إعلان يؤسس لعلاقة استراتيجية بين مصر والسعودية.
ويبدو أن العلاقة السعودية الأردنية وطيدة، وإن غابت أو تغيبت عن الحضور، إلا أن التنسيق المشترك بين الطرفين ما زال مستمرا، مع تباين واضح في أولويات البلدين، فالأردن يعتبر أن التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، وخوضها حربا تجاه التنظيم، أولوية أولى، مع حل سياسي داخل سوريا تتفق عليه أمريكا، وستدفع بهذا الاتجاه لا غيره، وأعلن الأردن في آذار/ مارس أنه سيساعد على تدريب عناصر من العشائر السورية على محاربة تنظيم الدولة.
وبدأ الجيش الأمريكي تدريب وحدة صغيرة من المعارضة السورية "المعتدلة" في الأردن، كي تتولى إثر عودتها إلى بلادها مواجهة تنظيم الدولة، فيما ترى السعودية أن الأولوية المهمة في الوقت الراهن يكمن في إعادة الشرعية في اليمن، والتحالف الذي تقوده مع عدة دول من ضمنها الأردن، الملف الذي لا يمكن غض النظر عنه.
ومع هذه الاختلافات في الرؤى، إلا أن الطرفين أجمعا على دعم الجيش العراقي والعشائر السنية في مواجهة تنظيم الدولة، وعدم تدخل إيران الهادفة إلى زعزعة الأمن والاستقرار فيها، فالطرف الأردني طالما تحدث عن تسليح العشائر السنية وتدريب قوات من الجيش العراقي وعقد مؤتمرات سرية لقيادات سنية في سبيل الخروج على أفاق مباشر لحل الأزمة السياسية والعسكرية.
إلى ذلك، تبقى العلاقة بين البلدين ذات مصالح عسكرية واقتصادية وسياسية، وإن اختلفت الأولويات، إلا أن ما يجمع الطرفين أكبر من أن يختلفا عليه، مع وجود رؤى سياسية حديثة متباينة.