نشرت صحيفة "سلايت" تقريرا حول
الصراع السني الشيعي في
الشرق الأوسط، وقالت إن الحرب التي تخوضها المليشيات في اليمن تقف وراءها القوتان الإقليميتان المتصارعتان؛ المملكة العربية
السعودية، والجمهورية
الإيرانية.
وأضافت الصحيفة الفرنسية، في تقريرها الذي اطلعت عليه
"عربي21"، أن الصراع السني الشيعي في الشرق الأوسط أصبح محتدما إلى درجة أنه غطى على الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، واصفة إياه بأنه "صراع أخوي دموي يتواصل منذ أكثر من ألف سنة بين أكبر فرعين للدين الإسلامي".
وقالت إن مخاوف "
السنة" زادت كثيرا بعد الثورة الإيرانية في سنة 1979، بسبب رغبة
الخميني في تصدير النموذج الإيراني لباقي الدول الإسلامية، "وهو ما جعل دول
الخليج العربي تستشعر الخطر، وتقف وراء صدام حسين خلال حربه مع إيران في الثمانينيات، التي دامت ثماني سنوات، وأودت بحياة مليون شخص، وزادت من حدة التضييق الذي تتعرض له الأقليات الشيعية في الدول السنية".
وأوضحت أن لعبة التحالفات عقّدت الأمور بعد ذلك، وحلّت محل الرغبة في تصدير الثورة، "فقد تحالفت إيران مع تنظيم حزب الله في لبنان، والعلويين الحاكمين في سوريا، ثم تحالفت مع الحكومة الشيعية في
العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، وهو ما وفر لها عدة أذرع طويلة تحركها في المنطقة لتصفية حساباتها السياسية".
وزاد التقرير أنه بالرغم من كون
الشيعة أقلية في المنطقة "حيث يمثلون أقل من عشرة بالمائة من مسلمي العالم"؛ فإن الهلال الشيعي الذي يجمع إيران والعراق وسوريا ولبنان؛ أصبح لاعبا مهما في الصراعات الإقليمية.
وأشار إلى أن هذه الحرب الدينية مهدت بشكل مباشر لصعود تنظيم الدولة، "فمقاتلو هذا التنظيم لعبوا على مشاعر اليأس والاستياء التي يشعر بها السنة في العراق وسوريا، ليقدموا أنفسهم كمنقذين من السيطرة الشيعية، ثم أعلنوا في تموز/ يوليو 2014 عن تأسيس دولة الخلافة الإسلامية، التي تعيد للأذهان العصر الذهبي للسنة، الذي انتهى مع تفكك الإمبراطورية العثمانية في سنة 1924".
وقالت الصحيفة إن فهم هذا الصراع يستوجب البحث في التاريخ الإسلامي، حيث انطلق "صراع الخلافة" (على حد تعبيرها) "بعد وفاة الرسول محمد في سنة 632 ميلادية، بين علي بن أبي طالب الذي طالب بحقه في الحلول محل الرسول بسبب القرابة والعلاقة الوطيدة التي كانت تجمعهما، وبين أصحاب الرسول، أبي بكر وعمر وعثمان، الذين خاضوا مع النبي محمد كل الصعوبات منذ بدايات الدعوة".
وأضافت أن علي ابن أبي طالب لم يصل للحكم إلا في سنة 656، أي بعد ربع قرن من وفاة الرسول، ولكن شرعيته كانت محل تشكيك من قبل حاكم دمشق معاوية بن أبي سفيان، الذي اتهم عليا بقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان.
وتابعت: "خلال أربع سنوات من الصراع؛ نجح معاوية في التغلب على علي، والانفراد بقيادة دولة الخلافة الإسلامية تحت حكم الأمويين. أما علي فقد تعرض للقتل بسيف مسموم، وتم دفنه في أرض النجف. ثم واصل الابنان، الحسن والحسين، الدفاع عما اعتبراه حقهما في قيادة العالم الإسلامي، وأصبحا بعد والدهما الإمامين الثاني والثالث".
وأشار التقرير الذي ترجمته
"عربي21"، إلى أن "الروايات متضاربة بشأن طريقة وفاة الحسن في سنة 680، أما شقيقه الحسين الذي أخذ المشعل من بعده في الحرب ضد بني أمية، فقد تعرض للقتل خلال معركة كربلاء الشهيرة في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر من سنة 680، لأن مناصريه وصلوا متأخرين من الكوفة، وهو ما جعل الشيعة يقيمون شعائر الندم والحزن على ذلك إلى حد اليوم".
وأوضح أن "هذا المصير المأساوي الذي لاقاه أبناء علي بن أبي طالب وأنصاره؛ أدى إلى ولادة التشيع كما نعرفه اليوم، تحت قيم الثورة ضد الظلم، ونصرة المظلوم، والتضحية بالنفس. ولم يتوقف الشيعة منذ ذلك العهد عن اعتبار أنفسهم أقلية صاحبة حق تتعرض للاضطهاد، ولهذا فإن الصراعات التي تجري اليوم في العراق وسوريا واليمن؛ هي امتداد للصراعات القديمة بين الطرفين".
وقالت الصحيفة إن الفرس "اعتمدوا المذهب الشيعي كديانة رسمية لدولتهم؛ من أجل تمييز أنفسهم عن الإمبراطورية العثمانية السنية، وجعلوا من اللغة الفارسية لغتهم الرسمية؛ بخلاف اللغتين العربية والتركية، وصنعوا دولة دينية يديرها رجال الدين الذين زاد نفوذهم كثيرا، حتى أصبحت الدولة واقعة تحت سلطة الملالي".
وأضافت أن هذه القطيعة العسكرية والسياسية بين السنة والشيعة، أضيفت إليها القطيعة الدينية، على غرار انقسام العالم المسيحي بين الكاثوليك والبروتستانت خلال القرن السادس عشر، "فالسنة يركزون على تطبيق السنن الموروثة عن الرسول واتباع شريعته، بينما واصل الشيعة تطبيق هذه المفاهيم ولكن بالتزام أقل، حيث انقسموا إلى عدة مذاهب، وانفتحوا على الطرق الروحانية"، على حد تعبير الصحيفة.